لم يعد قيام أي حكومة صالحاً لتغيير مسار الوقائع المقبلة.. و”مساعدات” لدولة فاشلة!
كتب وليد شقير في نداء الوطن: إذا كان البعض يراهن على أن المؤتمر الذي قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إنه سيدعو إليه قبل آخر الشهر الجاري من أجل جمع مساعدات للبنان، يتيح ترف تأخير تأليف الحكومة الجديدة، ويخفف من وطأة الأزمة المعيشية والاجتماعية، فإنه سيصاب بخيبة كبرى.
ماكرون قال حرفياً إن الهدف جمع مساعدات “لاحتياجات الصحة والتعليم والغذاء والمأوى”. وهذا ربما كان أكثر ما يدعو إلى الحزن في ما أعلنه، وفق أحد الديبلوماسيين. هذا النوع من المساعدات لا يقدّم إلا إلى الدول الفاشلة التي يصبح فيها جزء كبير من الشعب معرضاً للجوع والعوز فيما دولته ومؤسساتها عاجزة عن تأمين المتطلبات الأساسية. بعض هذه الدول أو مناطقها كان يتلقى تلك المساعدات التي يسمونها “إنسانية” عبر إلقائها من الطائرات في الجو أو بإفراغ سفن محملة بالمساعدات على الشاطئ. في دول كهذه تكون الصراعات الخارجية قد أسقطت الدولة بموازاة الحروب الداخلية القبلية أو الطائفية أو العرقية.
هذا النوع من المساعدات هو الذي قد يأتينا في حال رفع الدعم عن المواد الأساسية التي حذر مصرف لبنان من أن الاحتياطي الذي في حوزته لتأمينها قد يصمد من شهرين إلى ثلاثة. وفي حال بقاء البلد بلا حكومة فإن الأمل بتغيير هذه الصيرورة يصبح معدوماً.
فيما تتحفنا الأخبار عن همسة هنا ومشاورات هناك، لم يعد قيام أي حكومة صالحاً، لتغيير مسار الوقائع المقبلة على البلد، والأوجاع الكبيرة التي سيزيدها الاهتراء البطيء، والذي سترافقه أيضاً مخاطر أمنية لم تظهر بشائرها صدفة عن طريق تحركات تحت لافتة “داعش” هنا، ومظلة الفلتان الناجم عن غياب الانتظام العام هناك. وإذا كان لكل من الفرقاء مواصفاته، ولـ”حزب الله” مواصفاته، التي يريد فرضها، للحكومة العتيدة، فإن المجتمع الدولي حدد مواصفات يراها الأكثر ضمانة من أجل تقديم المساعدة الاقتصادية التي تتخطى حدود الإعانة الإنسانية لدولة فاشلة.
بالإضافة إلى الحكومة المصغرة، لم يكن عن عبث الحديث عن المداورة في الحقائب، إذا كان المطلوب عدم تحكم فرقاء معينين بحقائب محددة سيتوقف على أدائها مدى فعالية تطبيق الإصلاحات، التي شكلت شرطاً من أجل مساعدات مالية تحرك الاقتصاد وتضعه على طريق التعافي. وقبل ذلك يفترض أن يسلك قيام حكومة كهذه مساره الدستوري الطبيعي، بأن يدعو رئيس الجمهورية إلى الاستشارات النيابية الملزمة، وبأن يترك للرئيس المكلف أن يمارس صلاحياته، لا أن يخضع لمسار من خارج مقاليد الدستور، عن طريق نظرية التأليف قبل التكليف. إلا إذا كان هناك إصرار على حكومة يقودها ويوجهها من يتم اختيارهم سلفاً من القوى السياسية التي تتقاسم النفوذ والهيمنة على المؤسسات.
الدول الأوروبية وبعض الدول العربية وفي طليعتها مصر، التي دعمت المبادرة الفرنسية وقيام حكومة على الأسس التي استند إليها السفير مصطفى أديب، أخذت هذا الخيار لتجنيب لبنان تطبيق نظرية بعض الإدارة الأميركية بترك لبنان ينهار ويسقط، لعل “حزب الله” يضعف مع هذا السقوط. فهذه الدول رأت في تلك النظرية خطراً على الصعيد الإقليمي، فضلاً عن أن اختلاف قدرة الأطراف اللبنانيين على الصمود إزاء السقوط، لا يحقق ما ترمي إليه الإدارة الأميركية ضد “حزب الله”.
رفض مواصفات حكومة مصطفى أديب سيطيل الفراغ ويكرس الدولة الفاشلة، التي سعى ماكرون إلى تفاديها.
المصدر: نداء الوطن