الحريري لو يحمي لوحة لبنان على جدار العرب!
طارق زيدان
من يرصد التطورات الإقليمية منذ وصول جو بايدن إلى البيت الأبيض في العشرين من كانون الثاني/ يناير 2021، حتى يومنا هذا، يستنتج أن الولايات المتحدة تسعى إلى ترميم النظام الإقليمي لإستثماره في سياق إستراتيجي مستقبلي. كيف؟ بعدما وضعت مواجهة الصين في سلم أولوياتها، لم تعد خافية رغبة وإرادة الإدارة الأميركية الجديدة بالإستدارة نحو شرق آسيا. العودة إلى المفاوضات النووية وغيرها من الخطوات الموازية في الشرق الأوسط تعكس رغبة الأميركيين في إعادة ضبط الساحات المضطربة تحت قبة منظومة أمنية ـ سياسية ممسوكة. التخادم بين الشرق الأوسط والشرق الأقصى يقتضي ذلك. فما شهدناه منذ وصول دونالد ترامب إلى السلطة من انفلاش للأزمات وقبله من التهاب للثورات والثورات المضادة (حقبة باراك أوباما)، ما هو الا نتاج مرحلة إنتقالية يمر بها النظام العالمي وغياب نظام إقليمي يكون بديلاً لواقع التشتت والفوضى والصراعات والحروب. هذا المناخ، إن صح الاستنتاج أعلاه، له تأثير مباشر على الساحات العربية التي تشهد تنافسا إقليميا ودوليا عليها. بالنسبة الى لبنان أول مؤشر ينعكس عليها هو شكل الحكومة القادمة وليس مضمونها طالما أن رئيس الجمهورية ميشال عون سيستكمل ما تبقى من فترة ولايته الرئاسية (حتى خريف 2022) وقبله تنتهي ولاية البرلمان اللبناني في أيار/ مايو 2022، وهما إستحقاقان يتوسطهما إستحقاق الإنتخابات البلدية والإختيارية! إذاً سؤال السلطة التنفيذية (الحكومة) برئيسها وعدد الوزراء فيها وتوزيع الحقائب للأحزاب والطوائف وبرنامجها الوزاري، هو الأساس، لكن الأهم من كل ذلك في هذه المرحلة تحديد هوية رئيس حكومة لبنان. هناك سياقات عدة في الإقليم قد تساعد في تقدم خيار وتراجع آخر. من يُلم بالتفاصيل اللبنانية يُدرك أكثر أن الحكومات اللبنانية بعد اتفاق الوفاق الوطني (اتفاق الطائف) تتشكل بـ”كبسة زر”، حسب الأدبيات السياسية اللبنانية. هناك عقبات خارجية وداخلية تتصل بولادة الحكومة الجديدة، لكن ذلك لا يمنع من القول إن العقبة الأبرز امام هذا الاستحقاق تتمثل في شخص الرئيس المكلف سعد الحريري، فليس خافياً بروز فيتو إقليمي قوي ومن لون معين على ترؤس سعد الحريري الحكومة، وبالتالي يطرح ذلك سؤال البديل، بمعزل عن حدث من هنا ورسالة من هناك. ومن الواجب الإشارة إلا أنه لا يوجد شيء اسمه تعطيل تحت عنوان الحرص على حقوق طائفة ما في عالم السياسة. هناك موازين قوى تقرر وترسم.. ومعظم الحكومات اللبنانية التي وُلدت منذ اتفاق الطائف كانت تتأثر بالدرجة الأولى بموازين القوى الإقليمية.. وكل تجرية حكومية لبنانية لم تكن تحظى بمظلة إقليمية كان مصيرها الفشل. لعل حكومة الرئيس حسان دياب المستقيلة أحد أبرز وأفدح الأمثلة على ذلك. إن أهم عنصر لنجاح أي سلطة في لبنان يكمن في صناعة حكومة تتماهى مع معطيات الإقليم. لا يهم إن صنعت في لبنان أم لا. المهم أن تندرج ضمن السياق العام للمناخ الإقليمي. هذه مهمة كل رئيس حكومة مكلف. لذلك، عليه أن يرصد التيارات المختلفة والمصالح المتصادمة، وهو الأمر الذي كان يشتهر به الرئيس رفيق الحريري صاحب الرادار الإقليمي والدولي الدقيق. دار حوار بين الأستاذ غسان تويني والأستاذ محمد حسنين هيكل. غاص الرجلان في الشؤون السياسية والتاريخية. وفي معرض حديثهما، وصف هيكل لبنان بأنه لوحة زجاجية معتقة ومزينة بكل الألوان. جمالها جذاب لا يمل الناظر منها. ليجيبه تويني قائلا “لكن هذه اللوحة معلقة على الجدار العربي” لم تكن مهمة الرصد غريبة عن رفيق الحريري. بل صقلت أكثر في حقبة الوصاية السورية. يوم كان لدمشق الكلمة الفصل بحكم التفويض الدولي لها بإدارة الشأن اللبناني مع الهامش المسموح به للعامل اللبناني المحلي. كل حكومات الرئيس رفيق الحريري كانت تؤلف وتعمل تحت هذا السقف وفي ظل هذا الهامش. رفيق الحريري لم يكن رئيسا لحكومات متعددة من خارج هذا الإطار العام. ولم يدخل التاريخ لأنه اخترع هامشا جديدا. لنتذكر كيف كان الحريري الأب يقول إنه هو بذاته يجسد الثلث المعطل مشددا على أن العدد غير مجدٍ وبلا قيمة في غياب المظلة الإقليمية. يبدو أن عملية البحث عن البديل قد بدأت. هوية هذا البديل ستحدد المسار الذي ستسلكه بيروت في المستقبل. لبنان يملك من المتنطحين للمهمة بما لا يعد ولا يحصى. وحاملو السير الذاتية المعبقة بكل الأدبيات السياسية المؤهلة ينتظرون دورهم على أحر من الجمر. هم يعرفون أن السكون ليس علامة الرضا، بل تقديم أوراق الاعتماد من خلال رافعة إقليمية أمر أساسي. أصلا عملية اختيار البديل تخضع لمعايير صارمة. وبدون أدنى شك الكفاءة اللبنانية موجودة، هي تنتظر من يحملها الى السرايا الحكومية. كذلك لا يمكن للرافعة الإقليمية القفز من فوق التوزيع الطائفي للرئاسات الثلاث والوظائف الأولى في الدولة اللبنانية. الظاهر حتى اللحظة أن الإرادة السياسية الدولية لا تزال تعمل تحت سقف اتفاق الطائف. حتى اللحظة يبدو أن الانهيار الممسوك أفضل بكثير من الانهيار غير الممسوك. دعم الجيش اللبناني من الحكومة العراقية يلبي هذا الهدف والدعم الذي سيأتي قريباً من مصادر أخرى يصب في الخانة نفسها.. إقرأ على موقع 180 “إرتباك إستراتيجي” للجيش الإسرائيلي في مواجهة حزب الله يحكى أن حواراً دار بين الأستاذ غسان تويني ناشر ورئيس تحرير جريدة النهار اللبنانية والأستاذ محمد حسنين هيكل رئيس تحرير جريدة الأهرام المصرية. غاص الرجلان في الشؤون السياسية والتاريخية. وفي معرض حديثهما، وصف هيكل لبنان بأنه لوحة زجاجية معتقة ومزينة بكل الألوان. جمالها جذاب لا يمل الناظر منها. ليجيبه تويني قائلا “لكن هذه اللوحة معلقة على الجدار العربي”! هذا هو لبنان. متى ما تعرض الجدار العربي للانهيار، إنكسسرت اللوحة وصارت ألوانا نافرة متنافرة مبعثرة. دولة الرئيس المكلف، ساهم بتحصين الجدار العربي حماية للوحة اللبنانية بدل المشاركة بانهيار الجدار العربي وعندها لا مكان تعلق عليه لوحة لبنان.