ماذا بعد كلام نصرالله؟
راكيل عتيِّق- جريدة الجمهورية
حسم الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله الموقف من الحكومة المرتقبة، وأعلن ما كان يؤكّده المسؤولون في الحزب خلال عملية التأليف الأخيرة، أن لا حكومة مستقلة في لبنان، ولن يمنح الحزب الثقة لأي حكومة لا يُسمّي فيها الوزراء الشيعة، الأمر الذي أدّى الى إجهاض المبادرة الفرنسية لجهة تأليف «حكومة مهمّة» مستقلة، والى فشل التأليف واعتذار الرئيس المكلّف مصطفى أديب. في المقابل يرفض الطرف الآخر، خصوصاً رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، حكومة شبيهة بالحكومات السابقة، ولن يتنازل عن «استقلالية» الحكومة، أو يقبل بتجرُّع مزيدٍ من «السّم».
يرى البعض، انّ كلام نصرالله أمس الأول، أقفل باب الحلول حكومياً الى حين بروز عامل جديد، في ظلّ تشبُّث جميع الأطراف بمواقفها. في الموازاة، يتسارع انهيار البلد، وفور إعلان أديب إعتذاره ارتفع سعر الدولار مقابل الليرة ما رفع أسعار المواد الاستهلاكية بنحوٍ متفلت واستنسابي، في غياب أي قدرة للدولة إن على ضبط أسعار المواد المدعومة أو تلك غير المدعومة، مع تراجع تراجيدي في القدرة الشرائية وتأمين مستلزمات العيش الأساسية.
هذه الفوضى ستتوسّع وقد تتحوّل فوضى أمنية، عند رفع الدعم عن الدواء والطحين والمحروقات.. في ظلّ غياب أي تحرّك رسمي جدّي لاجتراح الحلول، خصوصاً بعد تبيان الصورة حكومياً، حيث أنّ الحكومة لن تبصر النور في المدى القريب، فلا يشهد القصر الجمهوري في بعبدا أو أي مقرّ آخر مشاورات في هذا الإطار، ولم يُحدّد حتى الآن موعد لإجراء الاستشارات النيابية الملزمة لتكليف رئيس جديد يعمل على التأليف.
ويقول وزير سابق: «كلّ المهل الدستورية باتت تفصيلاً أمام المهلة الأساس التي تحدّد فعلاً مصير البلد، وهي مهلة رفع الدعم». ويرى أنّ «لحظة رفع الدعم ستؤجّج الشارع مجدّداً، إنما هذه المرة لن يكون التعبير سلمياً». ويسأل: «من سيحمي المواطنين بعضهم من بعض؟ أي طريقة بقيت للمواطن ليؤمّن الدواء أو الحليب.. لأولاده، بعد البطالة وانهيار سعر الصرف ورفع الدعم؟».
دعم المواد الاستهلاكية الأساسية مُرتبط بالعملية الإنقاذية الشاملة، فلا «مال» في خزائن الدولة أو مصرف لبنان، ولا مساعدات خارجية، قبل تأليف حكومة تلتزم إجراء الإصلاحات المطلوبة وتُجري اتفاقاً مع صندوق النقد الدولي، مدخلاً لأي مساعدة خارجية، حسب ما يؤكّد المسؤولون في الدول الغربية والمانحة كلّها، إن خلال زيارتهم لبيروت ولقاءاتهم مع المسؤولين، أو عبر بيانات وتصريحات. وبالتالي كلّما تأخّر التأليف، كلّما اتجه لبنان الى المجهول، وضاقت سبل العيش باللبنانيين، ودخل البلد نار جهنّم التي سبق وحذّر منها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، في حال فشلت المبادرة الفرنسية وتعذّر تأليف الحكومة.
دخول البلد «جهنّم» مسؤول عنه «حزب الله»، حسب مصادر سياسية معارضة، إذ إنّه يصرّ على تسمية الوزراء الشيعة في الحكومة، ما يؤدّي الى أن يسمّي الآخرون وزراءهم، ونعود الى تركيبة وزارية مستنسخة عن الحكومات المتعاقبة التي أوصلت البلد الى القعر. وتسأل المصادر: «أي دولة في العالم العربي أو الغربي ستساعد لبنان إذا كان «حزب الله» يسيطر على الحكومة مع حلفائه، من وزارة المال التي يتمسّك بها «الثنائي الشيعي» الى غيرها من الوزارات؟ وهل سترسل الولايات المتحدة الأميركية أو المانيا أو السعودية أو دولة الإمارات الأموال الى حكومة يُشارك فيها الحزب حسب تمثيله النيابي؟».
انطلاقاً من أنّه من دون التفاوض مع صندوق النقد، لا يُمكن الحصول على مساعدة من أي جهة دولية، ومن أنّ هذه المفاوضات تتطلّب حكومة مستقلة، فضلاً عن أسباب سياسية عدة، لا يقبل رئيس تيار «المستقبل» سعد الحريري إلّا بحكومة مستقلة، رافضاً ترؤس أي حكومة شبيهة بالحكومات السابقة، أو الموافقة على حكومة شبيهة بحكومة الرئيس حسان دياب المستقيلة، لذلك رفض أن يسمّي «الثنائي الشيعي» الوزراء الشيعة في الحكومة.
أمّا تجرّعه «السّم» وقبوله أن يتولّى شيعي وزارة المال، بعد أن كان متمسكاً بالمداورة، فأتى لرفع الطابع الطائفي عن عملية التأليف، ولرمي الكرة في ملعب الثنائي الشيعي، حسب مصادر تيار «المستقبل»، التي تعتبر أنّ الحريري من خلال مبادرته، أظهر أنّ المسألة ليست محصورة بتسلّم شيعي وزارة المال، بل إنّ هدف ثنائي حركة «أمل» و»حزب الله» تخريب المبادرة الفرنسية ومنع تأليف حكومة مستقلة. ولقد «بقّ نصرالله البحصة»، وفق هذه المصادر، بقوله أمس الأول إنّه لا يمكن الانقلاب على التوازنات النيابية.
ويعتبر تيار «المستقبل»، أنّ «حكومة الوحدة كذبة كبيرة». وتؤكّد مصادره أنّ الحريري والتيار لا يُمكن أن يُشاركا في حكومة كهذه، إذ انّ هذه الحكومة لن تنال رضا الخارج، وإنّ «حزب الله»، على رغم أنّ الأكثرية النيابية وسيطرته على الأرض تسمحان له بتأليف الحكومة بأي شكل يريده، إلّا أنّه يريد أن يحكم وأن يغطّي نفسه بنا، لكننا لن نعطيه هذا الغطاء».
الإصرار على «حكومة مستقلة» غير محصور بالحريري فقط، بل ينسحب على غالبية القوى المعارضة. وتوضح مصادر معارضة، أنّ فرنسا لا تملك القدرة بمفردها على حلّ الأزمة في لبنان وإنقاذه، ولا يُمكنها إلّا تحقيق بعض الإستقرار، وأنّ مبادرتها مرتبطة بالدعم الأميركي والسعودي والإماراتي.. فأي مساعدات من صندوق النقد الدولي تتدخّل فيها الدول العظمى، وإنّ تحريك أموال مؤتمر «سيدر» أو عقد أي مؤتمر أو إجتماع دعم للبنان مرهون بالدول المانحة، التي لا يُمكن أن تُشارك فيه إذا لم تكن الحكومة مستقلة وقادرة وخارج سيطرة «حزب الله».
من هنا، يأتي الإصرار على حكومة مستقلة، وبالتالي تعتبر المصادر المعارضة، أنّ البديل من حكومة كهذه هو الاهتراء. فــ«حزب الله» حساباته مختلفة، وإنّ نصرالله، بإصراره على حكومة يسمّي فيها الوزراء الشيعة، وهو يعلم المطالب الدولية، حجب إمكانية إنقاذ لبنان الآن، الى الوقت الذي يناسبه، إن قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية أو بعدها». وترى هذه المصادر، أنّ «الحكومة المطلوبة إذا لم تتألف بطريقة ما، فلا حلّ في لبنان إذا لم تتغيّر المعادلة الإقليمية، وقد نصل، أقرب ممّا يعتقد البعض، الى إعلان مناطق لبنانية حيادها عن «حزب الله». ولا تستبعد «حدوث حركة عنفية قد تؤدي الى هجرة اللبنانيين من منطقة الى أخرى، وترسي نوعاً من التقسيم في البلد»، مشيرةً الى أنّ «الحرب في سوريا التي يُشارك فيها «حزب الله» أدّت الى تهجير نحو 11 مليون سوري من منازلهم ومناطقهم ولن يعودوا اليها».