في جلسة مع الصحافي البريطاني ديفيد هيرست، وكنا نعمل سوية في صحيفة عربية، قال «مشكلتكم أنكم تعيدون كل مصائبكم الى الانكليز. الواقع أن مصيبة العرب هي … العرب !».

وقال «لا شك أننا، كانكليز، لعبنا كثيراً برؤسكم. لا ننفي دورنا في تصنيع «الاخوان المسلمين» لكي نحوّل الاسلام الى عبء ايديولوجي، والى عبء تاريخي. كما لا ننفي دورنا في اختراع جامعة الدول العربية حيث جمعنا كل كوفيات، وطرابيش، القرون الوسطى، تحت سقف واحد كي لا يتفقوا على شيء».

أثناء الحديث، استغرب هيرست الحملات المتلاحقة على اتفاقية سايكس ـ بيكو. رأى أنه «لولا هذه الاتفاقية لكانت حرب داحس والغبراء لا تزال دائرة حتى اليوم، ولما كان لأحد أن يتصور كم دولة نشأت في المنطقة ان بحد السيف أو بأي وسيلة أخرى».

ربما من أكثر الأمور اثارة للذهول في كلامه أن لويد جورج، رئيس الوزراء السابق، كان يخشى أن يلتئم شمل العرب وينقضّون على اليهود. كان تعليق وزير خارجيته آرثر بلفور «باستطاعتك أن تمزج حبات الرمل ببعضها البعض، ولا تستطيع أن ترى العرب في خندق واحد». هكذا العرب كثبان من الرمل وتذروها الرياح.

في الحقيقة أن بلفور كان يعتقد أن بامكان اليهود أن يضطلعوا بدور العصا البريطانية في الشرق الأوسط. العصا المخملية لما لليهود من حنكة في الدخول الى عقول الآخرين وادارتها كيفما شاؤوا. لم يكن يتصور أنهم سيديرون ظهورهم الى من صنع دولتهم عندما ظهرت الأمبراطورية الأميركية كقائدة للمعسكر الغربي.

لا نتصور أن صاحب «الوعد المشؤوم» (ماأبرعنا في صياغة النعوت !) قد أخطأ. العرب تفرقوا أيدي سبأ منذ أيام يعرب بن قحطان. ربما من أيام آدم. اقتراح بتحويل مبنى جامعة الدول العربية الى متحف للطرابيش.

لعرب يمكن أن يكونوا مع أميركا، ويمكن أن يكونوا مع اسرائيل، ويمكن أن يكونوا مع تركيا، ويمكن أن يكونوا مع ايران. لا مجال البتة ليكون العرب مع العرب. ثمة دراسة لمعهد جافي يستشف منها أن العلاقات العربية ـ الاسرائيلية ستشهد، في العقد الحالي تطوراً يفوق الخيال …

الدراسة لا تخفي الخشية من كون النفط في الطريق الى النضوب في غضون 15 عاماً. وهذا ماجاء في تقرير البنك الدولي. في هذه الحال، ما مصير اسرائيل اذا ما انتقل الأميركيون من الشرق الأوسط الى الشرق الأقصى ؟ واضع الدراسة سأل «هل نحزم حقائبنا منذ الآن ؟».

ما يبعث على التفاؤل، بالنسبة الى الاسرائيليين أن المنطقة الممتدة من مضيق هرمز الى مضيق الدردنيل، مروراً بباب المندب، تطفو فوق أوقيانوس من الغاز الذي سيكون «دم الأرض» في هذا القرن الذي سيكون شاهداً على الانتقال من التكنولوجيا الى ما بعد التكنولوحيا، ومن الزمن الى ما بعد الزمن. الأميركيون لن يغادروا …

«الاخوان المسلمون» تحولوا الى انكشارية في خدمة رجب طيب اردوغان. ولكن لا مستقبل لهذه «البضاعة الانكليزية». كما أن جامعة الدول العربية ماتت، يفترض أن توارى الثرى الآن لأنها ولدت جثة وبقيت جثة. لا نتصور أننا بحاجة الى كرنفال آخر من البداوة ومن … التفاهة.

ثم لماذا الحاجة الى أي منظومة عربية ما دامت كل رؤوس العرب، وكل ثروات العرب، وكل أزمنة العرب، وكل سياسات العرب، تدار من أمكنة أخرى. نحن مجرد قبائل، حتى في لبنان بات لدينا، والحمد لله، «اتحاد العشائر العربية». أليس أولياء أمرنا، بالياقات الفاخرة، وبالمواكب الملكية، شيوخ قبائل في ثياب القياصرة ؟ آه غوار الطوشي … كاسك يا وطن !!

صباحاً، رحت أتتبع أخبار اليمن. دوامة الدم متواصلة. كنت قد قرأت كلاماً للمبعوث الأممي الى هناك البريطاني مارتن غريفيث وصف فيه هذه الحرب بأنها قد تكون أغرب حرب في التاريخ لأن الأطراف الوالغة فيها تعلم أنها الحرب المستحيلة على أرض مستحيلة. بالرغم من ذلك مستمرون حتى آخر قنبلة، وحتى آخر نقطة دم.

تراجيديا القرن أم مقبرة القرن ؟!