ٍَالرئيسية

مستقبل المنطقة وفق «السلام الأمريكي الإسرائيلي»

شفقنا- الدبلوماسية الزائفة والضغط التفاوضي، والصفقات المؤقتة، هي مجموعة خيارات أمام إدارة ترامب. والجامع المشترك بينها هو ضمان حماية الكيان الصهيوني، وتعزيز مخططاته بما فيها مشروع التهجير وإخراج الفلسطينيين من غزة والضفة أيضا.
التوسع مستمر أسبوعا بعد آخر، وتحت أنظار أمريكا والعالم بمجالسه الأمنية وهيئاته التحكيمية، ولا يوجد في واشنطن من يجرؤ على عمل شيء لوقفه. لم يحصل ذلك في عهد جو بايدن، ولن يحصل مع دونالد ترامب، الذي أعطى الضوء الأخضر لنتنياهو لضم المستوطنات وإعلان شرعيتها فيما يبدو. لدى نتنياهو مصلحة واحدة، وهي بقاؤه السياسي، حتى لو كان ذلك يقوّض بقاء إسرائيل على المدى الطويل، فهو رغم كل الضغوطات والانتقادات، سيواصل التركيز على تأمين بقائه في السلطة، غير مكترث بالعزلة الدولية، أو التداعيات الإنسانية للصراع، وهذا التوجه سيظل يضعف موقف إسرائيل ويعزز فداحة المشهد المعقد للصراع في الشرق الأوسط، حيث تبقى الخيارات محدودة والأفق مسدودا.

وكما أكد توماس فريدمان، بمجرد فوز ترامب في الانتخابات، وقبل وصوله إلى البيت الأبيض، يعلن نتنياهو تحقيق نصره الكامل في قطاع غزة، ويوافق على وقف إطلاق النار من أجل استعادة الأسرى، الذين ما زالوا على قيد الحياة، ويتمتم بضع كلمات عن الدولة الفلسطينية في المستقبل البعيد، من أجل الحصول على صفقة التطبيع السعودية – الإسرائيلية، ويطلب من شركائه اليمينيين المتطرفين الأكثر جنونا أن يرحلوا، بينما يترشح لإعادة انتخابه من دونهم.
يُعرف عن ترامب أنه رجل الصفقات السريعة والقرارات السريعة أيضا، وهو يعيد طرح مشروع الطرد والتهجير للفلسطينيين في قطاع غزة، ويطرح الأردن ومصر وطنا بديلا في تناغم مع رغبة الصهيونية المتطرفة التي تعمل على محو الوجود الفلسطيني وإلغائه ماديا، وبالتالي ليس مطروحا في أذهان هؤلاء بمن فيهم الرئيس الأمريكي فكرة حل الدولتين ولا غيرها، إنما الوجود والاستيطان كله للإسرائيليين ولا حقوق لأصحاب الأرض، الذين ارتُكبت في حقهم أبشع المجازر في حرب الإبادة، التي تواصلت أكثر من سنة أمام أنظار العالم. لا يُنتظر من ترامب أكثر من ذلك، فهو من أنهى التمويل الأمريكي لوكالة الأونروا، وشجع على الاستيطان والتوسع، حين أعلن وزير خارجيته مايك بومبيو، أن المستوطنات مجرد أمر عادي، ولا تشكل انتهاكا للقانون الدولي على الإطلاق. وهو القائل إن حجم إسرائيل صغير ويجب أن تحظى بمساحة أكبر. أغلب رؤساء الدول أو الزعماء المعاصرين الذين حاولوا أن يبدوا مجانين، غالبا ما يفشلون في إقناع خصومهم، وينجح آخرون، لكنهم يكتشفون أن سمعتهم الموصومة بالجنون تقنع المعارضين بأنهم لا يمكن الوثوق بهم في الحفاظ على السلام. ينبغي لترامب أن يكون حذرا عندما يتعلق الأمر بنظرية الجنون، لأن الدراسات تشير إلى أنه من الصعب للغاية استخدامها بنجاح، والواقع أن من النادر أن تؤتي سمعة الجنون ثمارها على المستوى الدولي، وبالتالي، سوف يحتاج ترامب إلى السير على خط رفيع، وإقناع الدول الأخرى بأنه مجنون بما يكفي لتنفيذ تهديداته، ولكنه مستقر بما يكفي للالتزام بالاتفاقيات التي يبرمها، حسبما جاء في «فورين أفيرز» حول «حدود نظرية المجنون»، فإنّ فترة ولاية ترامب الأولى كانت بمثابة دليل على صعوبة القدرة على التنبؤ بسياسة ترامب الخارجية. فترامب هدد زعيم كوريا الشمالية كيم جونج أون «بالنار والغضب» على نحو لم يشهده العالم من قبل في إشارة إلى إمكانية حرب نووية، ولكنه أصبح بعد ذلك أوّل رئيس أمريكي يلتقي بزعيم كوريا الشمالية. وأمر بشنّ ضربة على إيران ثم ألغاها. وفرض رسوما جمركية على بعض حلفاء أمريكا، مثل كندا، في حين تجنّب حلفاء آخرين، مثل أستراليا، من دون سبب منطقي. ووفقا لوكالة أكسيوس، أمر ترامب أثناء المفاوضات التجارية مع كوريا الجنوبية، فريقه التفاوضي بالقول، في إشارة إليه، «هذا الرجل مجنون إلى الحد الذي قد يجعله ينسحب في أي لحظة». ونراه اليوم في رئاسته الثانية كيف بدأ في معاداة كندا، وقد ينسحب من اتفاقيات أبرمتها الإدارة الأمريكية السابقة، بشكل عام، تتوزع مهام الإدارة الأمريكية الجديدة على أولوية المصالح الأمريكية في الداخل، وفقا لتطلعات مرتبطة بمواضيع أساسية كالأسرة التقليدية، الاقتصاد الأمريكي الصناعي، الهجرة.
وفي السياسة الخارجية، تقديم صورة صناعة السلام، في المنطقة، لكن السلام من خلال القوة، وامتلاك قوة عسكرية واقتصادية كبيرة قادرة على ردع الأعداء المحتملين. هي خطة شاملة لإدارة ترامب قدّمها له مسؤولون سابقون منذ 2022. ونجد صداها في ما صرّح به ريتشارد غولدبرغ، عضو مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض، خلال إدارة ترامب السابقة، حين قال «ينبغي للمراقبين أن لا يخلطوا في فهمهم لخطاب دونالد ترامب الشعبوي، بين هذا الخطاب والانعزالية أو عدم الرغبة في استخدام القوة». مثل هذا النهج السياسي سيعتمده الرئيس الأمريكي في علاقة بالمنطقة، ونرى بشائره في تصريحاته الخطيرة المتعلقة بأهلنا في غزة. أصحاب الأرض الذين قاوموا وصمدوا رغم القصف والتدمير الذي يعتقد نتنياهو وحكومته أنهم بهذا قد حققوا النصر. في حين الحقيقة التي يخجلون من ذكرها أنّ حرب غزة ألحقت بالكيان الصهيوني خسائر بشرية قدّرت بسقوط آلاف الجنود والضباط الإسرائيليين بين قتيل وجريح، وسط معارك طاحنة استنزفت القوى البشرية والمادية للجيش الإسرائيلي. ويقدّر أمثال يسرائيل زئيف جنرال الاحتياط، بأنها باتت تشبه الحرب الأمريكية في فيتنام، وتحولت إلى هدف بحد ذاته، على اعتبار أنّ إسرائيل لم تعتد على الحروب الطويلة كحرب غزة الحرب الأطول في تاريخ الكيان الإسرائيلي. الركود الكارثي، إلى جانب العزلة العالمية المتزايدة التي تعيشها إسرائيل اليوم، والتوقعات الاقتصادية الكئيبة على نحو متزايد، جميعها ساهمت في تعزيز الشعور باليأس والإحباط لدى الإسرائيليين، فالحرب على غزة أدت بشكل واضح إلى توسيع الفجوة الاجتماعية والسياسية القائمة بين معارضي نتنياهو وأنصاره. نتنياهو حسب كثير من المحللين الإسرائيليين وضع نفسه في موقف سياسي، أصبح فيه رهينة للائتلاف اليميني، الذي تنازل له عن قدر هائل من السلطة بهدف حماية نفسه. وفي المحصلة، ما يخطط له نتنياهو وترامب من استئناف لمشروع التطبيع ولاتفاقيات إبراهام، تبقى مرهونة بمدى قدرة الأنظمة العربية على المضي في ذلك دون مراعاة الشعور العام لشعبها وما تعنيه فلسطين في وجدان شعوب الأمة. ناهيك من قدرتهم على تجاوز مشهد القتل والمجازر وكل ما فعلته آلة الحرب الإسرائيلية في حق الفلسطينيين. الجواب الوحيد إن مضى هؤلاء في التقارب السياسي والأمني والاقتصادي مع الكيان الصهيوني بعد كل ما حصل، فهذا يعني أن فلسطين لم تعد تعني شيئا بالنسبة لحكام من هذا النوع وبهذا السلوك.

*القدس العربي- لطفي العبيدي

– ما يأتي في المقالات المنقولة لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع

انتهى

 

المصدر
الكاتب:Sabokrohh
الموقع : ar.shafaqna.com
نشر الخبر اول مرة بتاريخ : 2025-01-31 08:46:01
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى