ثلاثة مشاهد في لبنان تدهش العالم
ثلاثة مشاهد في لبنان تدهش العالم
المصدر:لبنان ٢٤
ثلاثة مشاهد من اليوميات الميدانية في الواقع اللبناني تدهش العالم، الذي يراقب المجازر التي ترتكبها إسرائيل في المناطق المستهدفة، وهي:
أولًا، استمرار حركة الملاحة في مطار بيروت الدولي، مع إصرار القيمين على شركة طيران الشرق الأوسط (الميدل ايست) على مواصلة التحليق في سماء لبنان، هبوطًا واقلاعًا، وما يحيط بهذه المغامرات الجريئة من مخاطر يومية، خصوصًا عندما يستهدف العدو الإسرائيلي الضاحية الجنوبية لبيروت القريبة جدًّا من مدرجات المطار. وهذه الجرأة وتلك الشجاعة غير المسبوقة قد أذهلت هذا العالم، الذي لم يفهم ما هي الدوافع التي تجعل رئيس مجلس إدارة “الميديل ايست” محمد الحوت يتخذ مثل هكذا قرار لم تستطع الصحافة العالمية إلاّ أن تصنّفه في خانة قمة الشجاعة والفروسية.
فلو أعطي لأي قائد طائرة من غير الذين ينتمون إلى اسرة “الميدل ايست” أموال الدنيا كلها لما قبل بالمخاطرة بحياته عن طريق الإقلاع والهبوط في مطار محفوف بالمخاطر كمطار بيروت الدولي، ولما تجرّأ حتى لمجرد التفكير في إمكانية قيامه بهذه المغامرة، التي تقوم بها طواقم هذه الشركة بكل عناصرها، الذين لا يمكن إطلاق أي صفة عليهم سوى أنهم “فدائيون” بكل ما لهذه الكلمة من معان سامية قبل أن تفقد هذه المعاني قيمتها المعنوية في مرحلة من مراحل الحرب اللبنانية منذ ما قبل خمسين سنة من الآن.
ثانيًا، بعد كل تحذير للناطق الرسمي للجيش الإسرائيلي افيخاي ادرعي لسكان الأمكنة التي ستستهدف، وبالأخص في الضاحية الجنوبية، نرى تجمعات لعدد كبير من أهالي الأمكنة المستهدفة، والتي تبعد أمتارًا قليلة، حيث يعمد هؤلاء إلى توثيق لحظات الاستهداف بواسطة كاميرات هواتفهم النقالة. فهذا المشهد الذي يتكرّر في أكثر من منطقة تُستهدف بالصواريخ الارتجاجية، التي تسقط المباني المستهدفة كالورقة يحيّر العالم، الذي لم يجد تفسيرًا منطقيًا لهذه الظاهرة سوى وصفها بما يوصف به الشخص، الذي يتحدّى الخطر، وهو وصف لا يمكن إيجاد مبرر له في قواميس الشعوب التي تعيش حياتها في شكل طبيعي.
هي حرب بكل ما فيها من بشاعات وقتل وموت وتدمير وتهجير، هي حرب إبادة بدأتها إسرائيل في قطاع غزة وتواصل حلقاتها في لبنان، ضاربة بعرض الحائط كل المواثيق الدولية التي تحرّم استهداف المدنيين والمسعفين، ولا يُستبعد أن تستهدف هذه التجمعات بعدما تخطّت كل الخطوط الحمر، وبعد محاولاتها المتكرّرة باستهداف مواقع الجيش، الذي يقدّم على مذبح الوطن أغلى التضحيات. وكأن إسرائيل بمواصلة قصفها لمواقع الجيش تريد أن تقول للولايات المتحدة الأميركية وللمجتمع الدولي أن لا حل ولا تسوية مع لبنان قبل أن يعترف بما تطالب به من أدوار مستقبلية لجهة إعطائها حرية التدّخل العسكري الجوي والبري والبحري عندما ترى ضرورة لذلك.
ثالثًا، بعد كل قصف تقوم به الطائرات الإسرائيلية نرى تجمعات لأهالي المحلة المستهدفة، الذين يبادرون من تلقاء أنفسهم إلى المساعدة في رفع الأنقاض وفي اخلاء الجرحى ونقلهم إلى سيارات الإسعاف وفي انتشال جثث الذين يستشهدون. هذه الظاهرة، التي لا يشاهدها العالم سوى في لبنان تستفز مشاعره إلى درجة تتعارض مع منطق الأشياء غير العادية في سلوكيات البشر.
فهذه الظواهر إن دلّت على شيء فهي تدّل على أن اللبنانيين اعتادوا العيش على حوافي الخطر، مع ما يعنيه هذا العيش من استهزاء لما يتعرّضون له من حرب إبادة جماعية في الوقت الذي يرى العالم كيف يهرع سكان إسرائيل إلى الملاجئ لمجرد سماعهم صفارات الإنذار، من دون أن يرفق أي تعليق، سلبيًا كان أم ايجابيًا، عما يرصده هنا وهناك من مشاهد متناقضة.