ٍَالرئيسيةموضوعات وتقارير
التطبيع في ظل غبار المعركة: الولايات المتحدة تقدم حافزاً لإسرائيل، لكنها تتحداها أيضاً
التطبيع في ظل غبار المعركة: الولايات المتحدة تقدم حافزاً لإسرائيل، لكنها تتحداها أيضاً
تاريخ المقال
المصدر
- منذ بداية الحرب على غزة في 7 تشرين الأول/أكتوبر، يتركز الاهتمام، في أغلبيته، على تحقيق أهداف الحرب، وفق ما حددته الحكومة الإسرائيلية: القضاء على القدرات العسكرية والسلطوية لحركة “حماس”، وإعادة المخطوفين. وعلى خلفية الجهد الحربي المتواصل الذي تحول إلى تحدٍّ متعدد الجبهات بين إسرائيل وإيران ومَن يدور في فلكها، وبعد دخول حزب الله في الشمال في دائرة القتال، مع الحوثيين الذين يهددون حرية الملاحة في أحد أهم الممرات البحرية التجارية، بين بحر العرب والبحر الأحمر، يمكن القول إن الشرق الأوسط كله دخل في الدوامة، وأن التحدي الإيراني يتطلب رداً واسع النطاق أيضاً على الساحة السياسية.
- وبينما تتواصل الحرب بقوة متفاونة، وتبدو إسرائيل أمام حائط مسدود في محاولتها التوصل إلى صفقة لإطلاق المخطوفين، فجأة، عاد إلى وسط الطاولة الاقتراح الأميركي بشأن التوصل إلى اتفاق لتطبيع العلاقات مع السعودية.
- التقارب التدريجي بين إسرائيل والدول العربية المعتدلة، هو عملية تاريخية نشأت نتيجة تهديدات مشتركة، مثل المسألة النووية الإيرانية و”الإرهاب” الإسلامي الأصولي. لقد شكلت اتفاقات أبراهام التي قادتها إدارة ترامب، وأثمرت تطبيعاً مع دول، مثل الإمارات والبحرين والمغرب والسودان، منعطفاً مهماً في علاقات إسرائيل بالدول المجاورة لها في الشرق الأوسط. الجزء الكبير الناقص في هذا البازل الذي بنته الإدارة الأميركية كان، طبعاً، المملكة العربية السعودية، زعيمة العالم السّني التي منحت هذه العملية مباركتها، لكنها بقيت خارج دائرة التطبيع.
- التوقيت الحالي لمواصلة التطبيع ليس صدفة. فإدارة الرئيس بايدن، التي تواجه معركة انتخابات رئاسية غير سهلة في مواجهة الرئيس السابق دونالد ترامب، تريد تعزيز التحالفات في الشرق الأوسط، وخصوصاً في مواجهة تصاعُد التوتر مع إيران. استمرار الحرب في غزة وانتفاضة الجامعات التي يقودها عرب مهاجرون ومسلمون في حرم الجامعات الأميركية، يُلحقان الضرر بالرئيس بايدن الذي يعتبره هؤلاء مؤيداً لإسرائيل من دون تحفّظ.
- وكجزء من رغبة الإدارة الأميركية في خلق أفق سياسي مستقبلاً، نراها تعمل على إنهاء الحرب قبل موعد الانتخابات في الولايات المتحدة في تشرين الثاني/نوفمبر المقبل. والحافز الأساسي الذي تقترحه على إسرائيل هو التطبيع مع السعودية التي ستكون جزءاً من حلف دفاع إقليمي. لقد رأينا مغزى هذا الحلف في الليلة الكبيرة للمسيّرات، والتي تصدت فيها إسرائيل، مع جيرانها، وبصورة ناجحة وغير مسبوقة، للهجوم الصاروخي الذي نفّذته إيران ومَن يدور في فلكها.
- السعودية التي دخلت عهداً جديداً في ظل زعامة محمد بن سلمان، تريد الدفع قدماً بعملية التحديث، ومثل هذه الصفقة سيسمح لها بالمضي قدماً في الاتفاق مع الإدارة الأميركية على تطوير قدرات نووية مدنية، وستعزز مكانتها الدولية. لذلك، هناك نافذة لفرصة فريدة في نوعها، ومن مصلحة الطرفين استغلالها.
الأهمية بالنسبة إلى الأمن القومي في إسرائيل
- هناك فوائد كثيرة من توقيع اتفاق سياسي مع السعودية. فاتفاق التطبيع هذا يمكن أن يشكل قفزة استراتيجية لإسرائيل. تعاوُن إسرائيلي- سعودي برعاية أميركية، يمكن أن يقدّم لإسرائيل معلومات مهمة عن التحركات الإيرانية في شبه الجزيرة العربية، وعن العمليات “الإرهابية” في الإقليم. القرب الجغرافي بين السعودية واليمن، والتوترات بين الرياض ونظام الحوثيين، هما عاملان إضافيان من أجل تعزيز العلاقات الأمنية.
- كما أن اتفاق التطبيع يشكل باباً لتعزيز العلاقات التجارية بين الدولتين. وفتحُ المجال الجوي السعودي أمام الطائرات الإسرائيلية مباشرةً من مطار بن غوريون إلى المملكة السعودية، يخدم السكان المسلمين في إسرائيل بصورة خاصة، ويسمح لهم بخفض تكاليف السفر لدى ذهابهم لأداء مناسك الحج.
- القضية الفلسطينية هي العقبة الأساسية
- على الرغم من الفوائد الكثيرة التي ينطوي عليها الاتفاق بين الطرفين، فإن السعودية لا يمكنها التقدم من دون حلّ القضية الفلسطينية. لقد ألحقت أحداث 7 أكتوبر ضرراً بالغاً بثقة الجمهور الإسرائيلي بإمكان التوصل إلى اتفاق سياسي مع الفلسطينيين، وبلغ تأييد حلّ الدولتين أدنى مستوياته.
- إن استمرار الحرب، وكون إسرائيل غير مستعدة للبحث في إشراك “حماس” في نظام إقليمي في “اليوم التالي للحرب”، حسبما لمّح موظفون رفيعو المستوى في إدارة بايدن، يُبعدان تحقيق أحلام التطبيع. وبسبب الأجواء السائدة في المنطقة، ليس في استطاعة الزعامة السعودية السير في الطريق التي سارت عليها الإمارات والبحرين والمغرب والسودان، والالتفاف على القضية الفلسطينية. هذا ما قاله محمد بن سلمان بوضوح.
- بالإضافة إلى ذلك، إن استمرار حالة الانقسام بين قطاع غزة وبين الضفة الغربية، وعجز الفلسطينيين عن التوصل إلى القدرة على إقامة حُكم موحد على الأراضي التي يجب أن تكون خاضعة لسيادتهم ، كل ذلك يبعد قيام دولة فلسطينية، أكثر فأكثر.
خلاصة
- الاقتراح الأميركي بشأن التطبيع مع السعودية في التوقيت الحالي يشكل تحدياً وفرصة فريدة لإسرائيل. فالاقتراح ينطوي على حوافز كثيرة بالنسبة إلى دولة إسرائيل، لكنه أيضاً يشكل تحدياً للسياسة الرسمية للأمن القومي الإسرائيلي التي تعمل على إحباط القدرات النووية للدول المجاورة لإسرائيل. التطبيع مع السعودية، راعية الأماكن المقدسة الإسلامية، هو أكثر من خطوة رمزية. إذ يمكن أن يكون بمثابة شهادة تأهيل لدولة إسرائيل من أجل الدخول إلى العالم العربي. وعلاوةً على ذلك، يفرض الأمن القومي على إسرائيل في هذا الوقت تحقيق حسم عسكري واضح في حرب غزة واستعادة الردع الإسرائيلي في الشمال أيضاً. ويبدو أن هذه الحاجة تتغلب على إرادة الأميركيين بشأن التوصل إلى صفقة سريعة من أجل إنهاء الحرب والبدء بمناقشة مسألة “اليوم التالي للحرب”.