التعاون الأمني في منطقة متغيّرة: كيفية تعزيز فِرق العمل الدفاعية بين الولايات المتحدة ودول “مجلس التعاون الخليجي”
التعاون الأمني في منطقة متغيّرة: كيفية تعزيز فِرق العمل الدفاعية بين الولايات المتحدة ودول “مجلس التعاون الخليجي”
بإمكان المسؤولين الأمريكيين بذل المزيد من الجهود لتعزيز الدفاع الجوي والأمن البحري في المنطقة من خلال فِرَق العمل هذا الأسبوع وما بعده، بدءاً من تنسيق استراتيجيات مشتريات الأسلحة وتحسين تبادل المعلومات الاستخبارية وإلى وضع الإطار الدبلوماسي الصحيح.ف
دانا سترول هي مديرة الأبحاث وزميلة أقدم في برنامج الزمالة “شيلي ومايكل كاسن” في معهد واشنطن، وهي المناصب التي تولتها في فبراير 2024. عادت إلى المعهد بعد أن شغلت منصب نائبة وزير الدفاع لشؤون الشرق الأوسط من 2021 إلى 2023، حيث كانت أعلى مسؤول مدني في البنتاغون مسؤولاً عن المنطقة.ف
في 22 أيار/مايو، اجتمع قادة مدنيون وعسكريون من الولايات المتحدة ودول “مجلس التعاون لدول الخليج العربية” (“مجلس التعاون الخليجي”) في مقر “المجلس” في الرياض ضمن فريقَي عمل: الأول يركّز على شؤون الدفاع الجوي والصاروخي المتكامل والثاني على شؤون الأمن البحري. ويعقد الفريقان الاجتماعات منذ عدة سنوات، أوّلها الاجتماع الذي انعقد في أعقاب قمة “كامب ديفيد” في عام 2015 مع شركاء من دول “مجلس التعاون الخليجي”، وآخرها في عامَي 2022 و 2023. ويقوم تنظيم هذين الفريقين على مبدأ واضح وهو أن الأمن الإقليمي الحقيقي يتطلب تعاوناً متعدد الأطراف. وعلى الرغم من أن واشنطن تتمتّع بشراكات أمنية ثنائية قوية في جميع أنحاء الشرق الأوسط، إلا أن ضرورة توسيع نطاق هذه الشراكات أصبحت واضحة بشكلٍ متزايد بالنظر إلى تطوّر التهديدات المشتركة التي تتجاوز الحدود والمجال الجوي السيادي والحدود البحرية. وقد ركزت الاجتماعات المتتالية بين الولايات المتحدة ودول “مجلس التعاون الخليجي” على إيران باعتبارها التهديد الأكثر إلحاحاً، وناقشت الخطوات اللازم اتخاذها لتعزيز دفاعها المشترك من خلال زيادة مشاركة المعلومات، ومزامنة المشتريات العسكرية، وبناء الثقة بين صناع القرار السياسي والعسكري.
إلا أنه يجب تسريع هذه الجهود نظراً للاختلاف الكبير الحاصل في البيئة الاستراتيجية المحيطة بالاجتماع الحالي المنعقد في أعقاب الاعتداء الإيراني على إسرائيل في 13 نيسان/أبريل في عمليةٍ معقّدة شملت إطلاق المئات من الطائرات المسيّرة الهجومية أحادية الاتجاه، وصواريخ كروز، وصواريخ باليستية عبر المجال الجوي السيادي لدول أخرى من أجل الوصول إلى إسرائيل. وفي هذا الإطار، يُعدّ قرار إيران باستعارة قواعد اللعبة التي تتّبعها روسيا ضد أوكرانيا تغييراً استراتيجياً في مجرى الأمور. وبالفعل، لقد سبق وحذّر مسؤولون أمريكيون من تداعيات توطيد التعاون الدفاعي بين إيران وروسيا منذ عام 2022، ومن بينها خطر انتقال تكتيكات موسكو التي تزداد فتكاً إلى الشرق الأوسط. ولم تكتفِ طهران بالتخلي عن استراتيجيتها التي تعتمدها منذ عقود والمتمثلة في إظهار القوة عن طريق الوكلاء والإرهابيين والاستعاضة عنها بشنّ هجومٍ ضد دولةٍ أخرى، بل أعلنت أيضاً مسؤوليتها عنه. ولذلك، مع انخفاض معايير العدوان الإيراني واسع النطاق على ما يبدو، يتعين على المسؤولين الأمريكين وأولئك من دول “مجلس التعاون الخليجي” بث حيوية جديدة في نقاشاتهم حول الدفاع المتعدد الأطراف.
ومن حسن الحظ أن الهجوم الإيراني شكّل أيضاً دليلاً على نجاح التعاون الأمني المتعدد الأطراف. فقد اعترض تحالفٌ من قوات أمريكية وعربية وأوروبية وإسرائيلية كافة الطائرات المسيّرة والصواريخ تقريباً، في حين أفادت بعض التقارير أن دولاً أخرى قدّمت إنذاراً مبكراً ومعلومات استخبارية أخرى حول الأعمال الإيرانية. وقد تم تحقيق هذا الجهد متعدد الدول بفضل العمل الذي بذلته الولايات المتحدة على مدى سنوات لتنظيم الحلفاء والشركاء لاتخاذ خطواتٍ لبناء الثقة مثل مشاركة المعلومات الاستخبارية وإجراء التدريبات العسكرية المشتركة. وبالنظر إلى هذا الحدث المهم، يتعين على القوات المسلحة الأمريكية وتلك التابعة لدول “مجلس التعاون الخليجي” اغتنام هذه اللحظة الاستراتيجية وإصدار بيان مشترك تفيد فيه بالتزامها المستمر بالأمن متعدد الأطراف وتعلن عن خطوات متابعة تهدف إلى تعزيز مشاركة المعلومات وتنسيق شراء المعدات. يجب على واشنطن أيضاً أن توضح لهؤلاء الشركاء أنه بإمكانهم أن يتوقعوا المستوى نفسه من الدعم الدفاعي في حال تعرّضهم لهجوم مباشر من إيران.
إنشاء بنية أمنية إقليمية
لطالما سعت الولايات المتحدة إلى تعزيز التعاون الأمني متعدد الأطراف في الشرق الأوسط، الأمر الذي أدى إلى التحوّل النموذجي الأخير في دور الولايات من “الضامنة الأمنية” إلى “الدامجة الأمنية”. ومن الناحية العملية، تم تنفيذ هذا التحوّل من خلال جهود الدبلوماسية الدفاعية (لبناء التحالفات)، والتدريبات العسكرية (لتحسين إمكانية التوافقية بين الشركاء)، والإصلاحات في مجال المبيعات العسكرية (لتلبية احتياجات الشركاء بسرعة أكبر). وقد ساهمت ثلاثة عوامل في تسريع هذا الدمج، وهي: (1) التقدم التكنولوجي السريع الذي جعل تبادل المعلومات والاستثمار في الأجهزة أسرع وأرخص كلفة، و(2) “اتفاقيات أبراهيم” وانتقال إسرائيل إلى محفظة “القيادة المركزية الأمريكية” اللذين سهّلا العلاقاتِ الرسمية وغير الرسمية في جميع أنحاء المنطقة، و(3) توصّل المزيد من الحكومات إلى نتيجة مشتركة مفادها أن إيران تشكّل التهديد الأكثر إلحاحاً في المنطقة.
وبناءً على ذلك، فإن فريقي العمل اللذان اجتمعا هذا الأسبوع انطلقا من أساسٍ قوي من التعاون، ولكن عليهما في الوقت نفسه ألا يسمحا لنجاحاتهما أن تحجب الحاجة الملحّة إلى تحقيق المزيد من التقدم. ففي المجال الجوي على سبيل المثال، أدى توسيع إيران لقدراتها في مجال الطائرات المسيّرة والصواريخ واستعدادها لنقل هذه الأسلحة إلى جهات فاعلة غير حكومية إلى إضعاف سيطرة الحلفاء على المجال الجوي في المنطقة. وفي المجال البحري، أدّى العدوان المستمر الذي يشنه الحوثيون المدعومون من إيران في اليمن إلى تعطيل حركة المرور البحرية وتهديد حرية الملاحة في ممر جيواستراتيجيي وإلحاق الضرر باقتصادات الكثير من دول الشرق الأوسط.
وفي هذا الإطار، استعانت البحرية الأمريكية بدورها التنظيمي من مقرها في البحرين لمواجهة هذه التهديدات. ففي العام الماضي، وفي معرض الرد على هجمات الحوثيين التي شملت طائرات مسيّرة انتحارية، وطائرات مسيّرة بحرية، وصواريخ بالستية مضادة للسفن، بدأت واشنطن بتنظيم ضربات بمشاركة دول مختلفة لإضعاف قدرات الحركة (للاطلاع على القائمة المحدّثة بهجمات الحوثيين، راجع متعقّب الحوادث البحرية التابع لمعهد واشنطن). كما شكلت فريق عمل جديد يركز على أمن البحر الأحمر. وقبل أسبوعين، أجرت الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة مناورةً عسكريةً مشتركةً لتحسين الخدمات اللوجستية البحرية والبرية في الخليج. وتكتسي هذه المناورات أهميةً كبرى، حيث تسمح للجيوش باختبار تعاونها في الوقت الفعلي، وتحديد مجالات التحسين، وتوجيه رسالة عزم إلى الخصوم.
ولمواصلة تحسين التعاون الأمني متعدد الأطراف، يتعين على واشنطن اتخاذ الخطوات التالية:
إيصال الرسالة الصحيحة. لضمان استمرار الالتزام العربي، يجب على صانعي السياسات عرض التحالف على أنه دفاعي بطبيعته بشكلٍ دائم. ففي أعقاب الهجوم الذي شنّته إيران في 13 نيسان/أبريل، اعتبر العديد من المحللين أن الردّ متعدد الأطراف مؤيّد لإسرائيل ومُعادٍ لإيران. وذهبت إسرائيل إلى حد اقتراح تشكيل تحالف إقليمي رسمي ضد إيران، بينما أشار أحد أعضاء مجلس الحرب الإسرائيلي إلى ضرورة بقاء هذا التحالف على أهبة الاستعداد لشنّ أعمال هجومية إذا لزم الأمر. إلا أنّ هذه اللهجة لن تؤدي إلا إلى إضعاف اهتمام الشركاء العرب في اتخاذ المزيد من الخطوات. فلدى كافة الدول الأعضاء في “مجلس التعاون الخليجي” تقريباً علاقات دبلوماسية مع إيران، وقد دعت هذه البلدان مراراً وتكراراً إلى وقف التصعيد الإقليمي. وبالتالي، فإنها لن تؤيد أي بيانات أو سياسات أو إجراءات تعتبرها تصعيديةً، ويرجع ذلك جزئياً إلى المخاوف من احتمال شنّ إيران هجماتٍ سيبرانية، أو هجماتٍ ميليشياوية من خلال وكلائها، أو أشكال أخرى من الانتقام المباشر أو غير المباشر ضدها.
معالجة أزمة الثقة. على الرغم من أن 13 نيسان/أبريل أظهر ما يمكن تحقيقه بالقدرات العسكرية الأمريكية ومشاركة المعلومات الاستخبارية، إلّا أن الشركاء في “مجلس التعاون الخليجي” ما زالوا يتساءلون عما إذا كانت واشنطن مستعدةً لاستثمار موارد وقيادات مماثلة للدفاع عنهم. ورداً على ذلك، يجب على المسؤولين الأمريكيين الإشارة إلى مظاهر الالتزام الأخيرة، لا سيما عملية “حارس الازدهار”، وهي المهمة المتعددة الجنسيات التي تقودها الولايات المتحدة في البحر الأحمر والتي تهدف إلى توفير المراقبة وتبادل المعلومات مع تسليط الضوء على التصميم الاستراتيجي الدولي لحماية حرية الملاحة والتدفق التجاري في المنطقة. ومن الأمثلة الأخرى في هذا السياق قيام إدارة بايدن بالتزامٍ علني باستخدام الأصول العسكرية للدفاع عن المملكة العربية السعودية عندما أشارت المعلومات الاستخبارية إلى أن إيران كانت تخطط لشنّ هجومٍ صاروخي ضد المملكة في تشرين الثاني/نوفمبر 2022. ومع ذلك، ونظراً للشكوك المستمرة حول استعداد الولايات المتحدة لدعم الدفاع عن الشركاء الآخرين غير إسرائيل، على واشنطن إصدار بيان واضح تعيد فيه التأكيد على التزاماتها تجاه الحكومات العربية وتشدد على أنها ستواصل استثمار الموارد والإرادة السياسية لدعم قدراتها الدفاعية. وفي الوقت نفسه، يجب على الشركاء الذين يعتزمون ردع العدوان الإيراني أن يكونوا مستعدين للمساهمة بصورة فعالة.
تنسيق استراتيجيات الاستحواذ. تواصل العديد من وزارات الدفاع العربية شراء الأنظمة العسكرية من مزيج من الموردين الأمريكيين والأوروبيين والصينيين وغيرهم. ومع ذلك، فقد اتخذت واشنطن موقفاً واضحاً تجاه دمج أنظمة الدفاع الجوي الصينية أو الروسية مع المعدات الأمريكية. وبالتالي، إذا أرادت جيوش دول “مجلس التعاون الخليجي” الحصول على نظام للدفاع الجوي والصاروخي المتكامل، فيجب عليها الالتزام بشراء أنظمة أمريكية أو اقتناء أنظمة من مصادر موثوقة أخرى. علاوةً على ذلك، لدى كل دولة من الدول الأعضاء في “مجلس التعاون الخليجي” حالياً استراتيجية خاصة للاستحواذ على أنظمة الدفاع، مع وجود تفاوت في درجات الالتزام بالدفاع الجوي. ولكن لتعزيز إنشاء بنية أمنية إقليمية، يتعين على الولايات المتحدة تشكيل فريق عمل فرعي مع الدول الأعضاء لتقييم قدراتها الحالية، وتقديم التوصيات بشأن استراتيجية استحواذ إقليمية لتحقيق تكافؤ الفرص، وإصدار التوصيات بشأن وضع أجهزة الاستشعار لضمان أقصى قدر من التغطية الإقليمية، وصياغة خطة مشتريات وتمويل متعددة السنوات. على واشنطن أيضاً أن تستعدّ لتسهيل أي مبيعات عسكرية خارجية من شأنها تعزيز هذه البنية الأمنية المشتركة.
تحسين تبادل المعلومات. تقدّم الولايات المتحدة حالياً التحذيرات والبيانات حول التهديدات الجوية وغيرها من المعلومات الاستخبارية العسكرية لشركائها في الشرق الأوسط من خلال منشآت مثل “مركز العمليات الجوية المشتركة” في “قاعدة العديد الجوية” في قطر. وتتمثل الخطوة التالية في مشاركة هذه المعلومات في الوقت الفعلي، الأمر الذي يتطلب من الدول الأعضاء في “مجلس التعاون الخليجي” تنسيق اتفاقاتها الثنائية ومتعددة الأطراف لمشاركة المعلومات الاستخبارية مع الولايات المتحدة ومع بعضها البعض أيضاً. بالإضافة إلى ذلك، يتعين عليها الاستثمار في أنظمة تواصل آمنة قادرة على إتاحة مشاركة المعلومات متعددة الأطراف في الوقت الفعلي، مع ضمان عدم قدرة الخصوم على تعريض الشبكة للخطر. وتُعتبر هذه الخطوات ممكنة من الناحية الفنية حالياً. – ويتطلب قرار اتخاذها من صناع القرار في “مجلس التعاون الخليجي” أن يسمحوا بمثل هذه المشاركة مع الولايات المتحدة ومع بعضهم البعض.
دعم التقدم التدريجي. تتمثل البنية الأمنية الأكثر فعاليةً من حيث العمليات في إنشاء منطقة متكاملة كلياً تتقاسم فيها الولايات المتحدة وإسرائيل والشركاء العرب المسؤوليات والقدرات الدفاعية مع دول حليفة أخرى تشاركها الفكر نفسه مثل بريطانيا وفرنسا. ويوفّر نظام الدفاع الجوي الإسرائيلي متعدد الطبقات والفعال، والسجلّ الإسرائيلي الطويل الأمد من التعاون مع “وكالة الدفاع الصاروخي” الأمريكية أساساً مهماً لهذه الجهود الرامية لتحقيق دفاع جوي وصاروخي متكامل أوسع نطاقاً. إلا أنه في ظل البيئة الحالية للعمليات الإسرائيلية في غزة، ليست جميع العواصم العربية على استعدادٍ للتطبيع مع إسرائيل أو حتى العمل مع جيشها وراء الكواليس. لذلك، تشكّل فرق العمل المشتركة بين الولايات المتحدة ودول “مجلس التعاون الخليجي” آليةً جوهريةً لإبقاء التركيز على الدفاع الجوي والأمن البحري حتى في خضمّ الأزمات الإقليمية. على المسؤولين الأمريكيين مواصلة الاجتماع تحت رعاية هذه الفرق، وفي الوقت نفسه لقاء الشركاء من دول “مجلس التعاون الخليجي” وخارجه ممن يرغبون في العمل مع إسرائيل في مجالاتٍ أخرى. ولا يزال من الممكن دعوة الدول الشريكة التي لا تربطها علاقات دبلوماسية مع إسرائيل لمراقبة المناورات متعددة الجنسيات التي تضم إسرائيل، على أن تجري أيضاً إحاطتها بالنجاح الذي حققه الائتلاف الدفاعي في 13 نيسان/أبريل.