بالفیدیو و الصور ؛ صلاة التراويح في مراكز الإيواء.. الغزيون النازحون يستذكرون سنوات الصيام الماضية الهادئة
مراكز الإيواء بدل المساجد
ولكل من هؤلاء المواطنين النازحين ذكريات مع هذه الصلاة قبل هذه الحرب، التي بدلت جميع عادات الغزيين، بسبب قساوتها التي خلّفت مئات آلاف الضحايا. غير أن هؤلاء بحكم تواجدهم في مكان واحد كبير، يحيون ما لا يستطع سكانُ المنازل إحياءه في هذا الشهر، إذ يتيح لهم توفر مكان فسيح داخل مراكز الإيواء إقامة هذه الصلاة، التي تعتبر واحدة من أهم المناسك التي تميز شهر الصيام.
وفي أحد مراكز الإيواء، جنوب مخيم النصيرات وسط قطاع غزة، يبدأ بعض المصلين من نزلاء المركز، بالتوافد إلى الساحة، حتى قبل ترديد أذان العشاء، ويبدأ هؤلاء بوضع سجاد الصلاة جنبا إلى جنب، حتى تتشكل أسطرٌ من المصلين، تملأ الساحة، وتضفي جواً رمضانياً، يعيد هؤلاء إلى شيء من روحانيات رمضان السابقة، التي كانت قائمة، في السنوات الماضية، التي لم تكن فيها حروب.
وعلى عكس ما كان هؤلاء سابقاً، إذ كان المصلون يقيمون هذه الصلاة في المساجد القريبة من منازلهم، برفقة أقارب أو جيران لهم، فإن الحال في هذا الوقت بسبب الحرب تبدل، ففي مراكز الإيواء يتواجد مواطنون من شتى مناطق قطاع غزة. يقول أبو أحمد، الرجل الستيني النازح وأسرته من إحدى مناطق شرق مدينة غزة، إن المصلين، وجيرانه في المركز، من بينهم من كان يقطن في أحياء أخرى في المدينة، وآخرون من مناطق تقع شمال المدينة، وأنه لم يكن يعرف أحداً منهم قبل الحرب، في حين تعرف على آخرين جيداً، من خلال الجلوس جنباً إلى جنب خلال صلاة التراويح.
ذكريات ماضية
ويستذكر هذا الرجل، خلال حديثه لـ “القدس العربي”، ما كان وما أصبح حالياً، بسبب ظروف الحرب الدامية، ويشير إلى أنه يحافظ على أداء هذه الصلاة التي يشعر فيها بروحانيات الشهر، منذ أكثر من 30 عاماً، وأن لهذه الصلاة ذكريات جميلة سابقة، إذ كان يحرص دوماً على الذهاب مع أحفاده إلى مسجد قريب من منزلهم، ويؤدون الصلاة، ومن ثم العودة للمنزل، ليلاقي زوجته قد حضّرت لهم بعض حلويات الشهر.
ويضيف: “في المسجد وخلال العودة للمنزل، كنت أتحدث مع الجيران والأصدقاء، وأسمع أخبارهم”، ويتابع أبو أحمد، وهو مدرس متقاعد: “كانت أجواء جميلة، والآن نحاول أن نعيدها، لكن هذه الحرب تحرمنا من العيش وفقاً للطريقة التي اعتدنا عليها”.
هذا الرجل، الذي نزح وأسرته منذ بدايات الحرب، يشير إلى أن الكثير من جيرانه ممن بقوا في غزة، قضوا في هجمات للجيش الإسرائيلي، في حين دمر الكثير من منازل الحي، علاوة على المسجد الذي كانوا يقيمون فيه الصلاة.
وليس بعيداً عمّا يعانيه هذا الرجل، تحدث رائد النجار، النازح من شمال القطاع عن ذكريات رمضان، ما قبل وما بعد الحرب، ويقول: “كنت أنتظر قدوم رمضان، الأجواء الجميلة لا تزال تقف أمامي، صلاة التراويح وزيارة أخواتي وعماتي، وأكل وعصير رمضان”، ويتابع: “منذ بداية رمضان، وبسبب قلة الإمكانيات والطعام، لم نشرب أي نوع عصير، ولم نأكل القطايف”.
لكن رائد يشير إلى أن النعمة الوحيدة الباقية من الشهر تمكنه، بسبب وجوده في مركز إيواء، من إقامة صلاة التراويح جماعة، ويقول: “الأجواء وقت التراويح جميلة، نستعيد فيها الذكريات التي كنا نعيشها زمان”.
ويؤكد أيضاً أنه لم يسبق له أن عاش أجواء صعبة مثل هذه الأجواء، حتى في الحروب الماضية التي شنتها إسرائيل ضد غزة في رمضان، وتحديداً في صيف 2014، وفي مايو من العام 2021، ويؤكد أن حجم المأساة الإنسانية والدمار والقتل لم يسبق له مثيل.
هذا الشاب وغيره من المصلين الذين يؤدون هذه الصلاة، يركزون في أدعيتهم على أن يخلصهم الله من الحرب قريباً، كما يؤمن المصلون في نهاية الصلاة وراء الإمام، وهو يدعو بشفاء مصابي الحرب، وحلول الهدوء وإعانة السكان.
وفي غزة وبسبب ظروف الحرب، لا تقام الصلوات، بما فيها التراويح في أغلب المساجد، كما أن قوات الاحتلال قامت بتدمير المساجد في مناطق غزة والشمال، خلال العملية البرية الواسعة، كما دمرت الكثير من المساجد، في باقي مناطق القطاع أيضًا.
كما أن ظروف الحرب، والغارات الإسرائيلية التي تكثر ليلاً، تجبر السكان على المكوث في منازلهم، مع حلول الليل، وتتوقف بشكل شبه كامل الحركة في الشوارع.
وحسب صور متداولة على مواقع التواصل الاجتماعي، فإن هناك مواطنين وبأعداد قليلة، أقاموا، في بدايات الشهر الفضيل، صلاة التراويح في بعض الشوارع، بسبب تدمير المساجد هناك، كما جرى تناقل صور أخرى لمواطنين من مدينة رفح، يقيمون صلاة التراويح في بعض الطرقات والساحات العامة وبعض مساجد المدينة.
قصف 500 مسجد
وقال المكتب الإعلامي الحكومي في غزة إن الشعب الفلسطيني في القطاع استقبل شهر رمضان المبارك، باستمرار “حرب الإبادة الجماعية”، والقتل والنزوح “في جريمة فظيعة ضد الإنسانية يرتكبها جيش الاحتلال”.
وأكد أن جيش الاحتلال استهدف أكثر من 500 مسجدٍ، بينها 220 مسجداً هدمها بشكل كلي، و290 مسجداً بشكل جزئي، بحيث باتت غير صالحة للصلاة.
ولفت إلى أن المساجد هي المنارات الدينية الأولى التي يؤُمّها الفلسطينيون للصلوات، وخاصة صلاة التراويح.
وفي محاولة من بعض النزلاء وشبان متطوعين يقدمون إلى مراكز الإيواء، يجري، في بعض الأيام، تنظيم أمسيات رمضانية، يعلن الفريق المتطوع خلالها على توزيع بعض الجوائز، خاصة على الأطفال الصائمين.
وقبيل موعد آذان المغرب إيذاناً بتناول طعام الإفطار، يجري تنظيم هذه الأمسيات، ويتخللها طرح أسئلة على الحاضرين، وقد فرحت الطفلة سارة ذات الـ 12 عاماً، كثيراً حين حصلت على هدية عبارة عن لعبة بلاستيكية، بعدما أجابت على سؤال ديني يناسب سنها.
وقد قالت هذه الطفلة لـ “القدس العربي”، بعد أن استلمت جائزتها: “هذه إشي جميل، السنة الماضية، كنت وصاحباتي نلعب قبل الفطور، وفي الليل كنا نضيء فانوس رمضان وإضاءات كثيرة في البيت”.
وعبّرت الطفلة عن مخاوفها الكثيرة كباقي أطفال غزة، بسبب الحرب، التي تتخلّلها أصوات قصف عنيف يقع في مناطق عدة، منها مناطق قريبة من مركز الإيواء: “إمتا تنتهي الحرب، اشتقت لبيتي وصاحباتي، وخايفة كتير من القصف”.
المصدر
الكاتب:حسین
الموقع : ar.shafaqna.com
نشر الخبر اول مرة بتاريخ : 2024-03-28 17:00:32
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي