ٍَالرئيسية

ألقت على الجزائر قنابل أقوى من هيروشيما وعاملتها كمختبر نووي.. منظمات تطالب فرنسا بتحمل المسؤولية 

إحدى مواقع التجارب النووية الفرنسية في الجزائر، أرشيفية/ رويترز
إحدى مواقع التجارب النووية الفرنسية في الجزائر، أرشيفية/ رويترز

من جانبه، دعا “مرصد التسلح” بفرنسا، ومقره ليون، في بيان مشترك الثلاثاء، وقَّعت عليه عدة منظمات، بما في ذلك منظمة “شعاع”، والحملة الدولية للقضاء على الأسلحة النووية (ICAN) “إيكان” فرنسا، وفرع “إيكان” ألمانيا، ومنظمة الأطباء الدوليين لمنع الحرب النووية (IPPNW)، ومبادرات نزع السلاح النووي (IDN)، دعت “الدولة الفرنسية إلى رفع السرية عن الملفات المرتبطة بالتفجيرات والتجارب النووية في الجزائر”، وتزويد الأخيرة “بالقائمة الكاملة لمواقع دفن النفايات النووية مع وصف تفصيلي للمواد المدفونة.. وتسهيل التعويض وتسريعه للضحايا الجزائريين”.

ونوّهت المنظمات الموقعة حسب نفس البيان “بإنشاء الرئيسين تبون وماكرون للجنة مشتركة للمؤرخين”، ودعت إلى “تسريع عملها، خصوصاً ما يخص عواقب التجارب النووية”.

فيما قال بيان “مرصد التسلح” بفرنسا إن عدد الجزائريين الذين طالتهم آثار هذه التجارب النووية “لا يقل عن 42 ألف نسمة، يعاني الكثير منهم من أمراض مرتبطة بالتعرض للإشعاع”.

الغبار النووي المشع العابر للقارات.. خطر مستدام 

لكن اللافت هو تطرّق بيان المرصد إلى قضية بالغة الأهمية اليوم، ألا وهي قضية تنقل الغبار النووي المشع إلى دول الجوار، وقال إنه تم “اكتشاف آثار للغبار النووي في مناطق نائية مثل السنغال وساحل العاج وبوركينا فاسو والسودان، وحتى في فرنسا أثناء العواصف الرملية”.

ففي كل عام تتسبب الزوابع الرملية المعتادة في الصحراء الجزائرية، في نقل الغبار المشع إلى دول أخرى، بما في ذلك فرنسا ودول أوروبية أخرى.

يوضح تقرير “جمعية من أجل مراقبة الإشعاعات النووية في الغرب” (ACRO) ومقرها فرنسا، متعلق بالتجارب النووية الفرنسية في الجزائر، بأن تحليلاتها كشفت عن وجود بقايا تلوث إشعاعي ترجع إلى اختبارات القنبلة الذرية التي أجرتها فرنسا في الستينيات، في الغبار الذي تحمله الرياح من الصحراء الجزائرية نحو أجواء أوروبا.

وتابعت (ACRO) بأن تحليلها كشف عن وجود عنصر السيزيوم 137 المشع في عينة رمال تبلغ 30 غراماً، جمعتها بتاريخ 16 مارس/آذار 2022، في تورين، الواقعة في مدينة تور وسط فرنسا، بمستوى مشابه جداً لتحليل سابق في 2021.


وخلصت إلى سقوط ما يقرب من 75000 بيكريل من السيزيوم-137 لكل كيلومتر مربع في منطقة تورين (أو 75 ميلي بيكريل/م2).

وأشارت إلى أن هذه الرواسب الملوثة تبقى منخفضة ودون مخاطر صحية، لكنها تضاف إلى ترسبات أخرى لاختبارات نووية ما بين سنوات 1960 و1970، ناهيك عن كارثة تشيرنوبل (26 أبريل/نيسان 1986 بشمال كييف في أوكرانيا).

كما أحصت “جمعية من أجل مراقبة الإشعاعات النووية في الغرب” (ACRO) منذ بداية الستينيات، إجراء فرنسا تجارب نووية جوية في صحراء الجزائر، وتحديداً منطقة رقان عام 1960، وحتى التجربة النهائية عام 1996 في بولينيزيا الفرنسية، لـ210 عمليات تفجير نووية.

التجارب النووية الفرنسية وقانون “الإبادة البيئية”

في سياق متصل، قال جان ماري كولين، مدير الحملة الدولية للقضاء على الأسلحة النووية (ICAN) “إيكان” فرنسا (حاصلة على جائزة نوبل للسلام في 2017)، إن فرنسا نفَّذت 17 تجربة نووية في الجزائر، و193 تجربة أخرى في بولينيزيا، ما تسبب في إلحاق أضرار دائمة وخطيرة بالبيئة الطبيعية للبلدين.

وقال كولين: “هذا ما لا يمكن لأحد إنكاره، وهو ما نراه من خلال أطنان من الصخور المشعة الموجودة في مواقع تلك التجارب تحت الأرض في الجزائر، بمنطقة عين إيكر، وتحديداً جبل تان أفلا، كما هو الحال أيضاً في أعماق الجزر المرجانية البولينيزية، حيث لاحظنا وجود مواد مشعة ونفايات نووية تم التخلص منها مباشرة من قبل السلطات العسكرية الفرنسية”.

بالنسبة لقانون “الإبادة البيئية” يوضح مدير منظمة “إيكان” فرنسا بأن هذا القانون يشير تحديداً إلى “عمليات تخريب بيئية على نطاق واسع، تؤدي إلى أضرار مدمرة للأرض، بما في ذلك التجارب النووية أو الأسوأ من ذلك في حال استعمال الأسلحة النووية خلال الحروب”.

إحدى مواقع التجارب النووية الفرنسية في الجزائر، أرشيفية/ رويترز
إحدى مواقع التجارب النووية الفرنسية في الجزائر، أرشيفية/ رويترز

ويشرح محدثنا: “لكن لو نظرنا إلى القانون الفرنسي وهو يعترف بمسألة الإبادة البيئية، التي تم تشريعها في 22 أغسطس/آب 2021، فإننا نجدها تقتصر بشكل رئيسي على أعمال التلويث العمدية أو الحوادث الضارة المرتبطة بالأنشطة الصناعية على سبيل المثال، أو بالأفراد.

أما بالنسبة إلى القانون الأوروبي الذي يعترف أيضاً بمسألة الإبادة البيئية، فقد جاء بهدف مكافحة الجرائم البيئية، إذاً فإن هذين القانونين لا يتطرقان إلى مسألة التجارب النووية، وخصوصاً أنها وقعت في الماضي”.

يضيف جان ماري كولين في مداخلته أنه يمكن النظر إلى هذه القضية من زاوية أخرى هي قانون مورين (هيرفي مورين سياسي فرنسي)، والمتعلقة بمسألة الاعتراف بضحايا التجارب النووية التي تم سنّها في 2010. فهو “أشار إلى المسألة البيئية، وقد كان الهدف الاستجابة لمطالب الأشخاص الذين يعانون من أمراض سببتها التجارب النووية الـ210، لكن ليس للإجابة عن المشكلة البيئية”.

“يمكن للجزائر أن تحصل على مساعدة تقنية لمكافحة التلوث النووي”

وبالنسبة إلى الجزائر، يقترح مدير الحملة الدولية للقضاء على الأسلحة النووية (ICAN)، أن تلجأ إلى إبرام اتفاق ثنائي مع فرنسا، “يمكن أن يسمح لها بالحصول على الاعتراف بمجمل تلك الأضرار”.

ودعا كولين أيضاً “الدولة الفرنسية إلى نشر لائحة بالنفايات النووية التي تم طمرها ومواقعها”، مشيراً إلى تقرير سابق كشفت عنه منظمته في عام 2020 تحت عنوان تحت الرمال المشعة.

يتابع في الإطار نفسه: “كما يمكن للجزائر التحرك عبر اتفاقية حظر الأسلحة النووية (TIAN)، التي دخلت حيز التنفيذ منذ 2022، والتي تعد الجزائر دولة موقعة عليها (20 سبتمبر/أيلول 2017)، للاستفادة من مساعدة الدول الأعضاء في هذه الاتفاقية، والتي تفرض التزامات في مجال إعادة تأهيل البيئة. دعم يمكن أن يكون تقنياً أو مالياً، وهنا يمكن لفرنسا أن تقدم خبرتها لها”.

من جانبه، قال د. سلام عبد الصمد، أستاذ القانون الدولي، إن موضوع التجارب النووية في الجزائر وجزر بولينيزيا لأمر مؤسف للغاية “لأننا لا نرى أي تقدم في هذا الملف، خاصة أن التجارب التي جرت في الصحراء الجزائرية تسببت في وقوع ضحايا وخسائر وأضرار مادية ومعنوية، حتى قيل إن قوة التفجيرات فاقت عشرات الأضعاف تفجيري هيروشيما وناغازاكي في اليابان”.

ونوّه عبد الصمد إلى أن “فرنسا اليوم هي ليست نفسها كما كانت في 1960، وقوانينها ليست نفسها في ذلك الوقت. فرنسا اليوم تخضع لقوانين تدعو للحفاظ على البيئة، وتشدد على وجوب مكافحة كل أشكال التلوث وعلى رأسها التلوث النووي. وهي أيضاً خاضعة لقوانين الاتحاد الأوروبي، في ظل وجود قرارات أوروبية تمنع كل ما من شأنه أن يلوث البيئة، ناهيك عن وجود جملة من المعاهدات الدولية”.

ودعا أستاذ القانون الدولي الجمعيات والمنظمات البيئية وحتى المحاكم البيئية الفرنسية والأوروبية إلى التحرك لإنصاف الضحايا والمتضررين، وأن يتم منح التعويضات المناسبة لكل من تضرر بسبب التفجيرات النووية الفرنسية.

للإشارة، فقد أجرت فرنسا 17 تجربة نووية بالصحراء الجزائرية في الفترة ما بين 1960 و1966، وعشرات التجارب في بولينيزيا بجزر موروروا وفانغاتوفا المرجانية في الغلاف الجوي وأيضاً تحت الأرض.

وللوقوف عند أبرز التجارب النووية الفرنسية، أحصت وكالة الأنباء الفرنسية أبرزها، وفقاً للتالي:

18 مارس/آذار 1962: وقّعت الجزائر وفرنسا على اتفاقيات “إيفيان”، والتي تحددت بموجبها معالم استقلال البلاد، فيما حصل الفرنسيون بموجبها على امتياز يسمح بمواصلة استغلال الصحراء الجزائرية لخمس سنوات إضافية.

1 مايو/أيار 1962: وقع حادث خلال تجربة نووية فرنسية بمنطقة رقان، أدى لتسرب إشعاعات نووية.

16 فبراير/شباط 1966: أجرت فرنسا آخر تجربة نووية لها بالجزائر وأعادت تسليم موقعين.

2 يوليو/تموز 1966: أجرت فرنسا أول تجربة نووية في بولينيزيا.

24 أغسطس/آب 1968: انفجرت أول قنبلة نووية هيدروجينية فرنسية بمنطقة فنغاتوفا ببولينيزيا، وضاهت قوتها 170 قنبلة هيروشيما مجتمعة.

6 أغسطس/آب 1985: رفضت فرنسا المصادقة على اتفاق “راروتونغا” الذي أعلن جنوب المحيط الهادي بموجبه منطقة خالية من النووي.

8 أبريل/نيسان 1992: قرر الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا ميتران تعليق التجارب النووية الفرنسية لعام واحد، لتتجدد بعدها.

13 يونيو/حزيران 1995: أعلن الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك أن بلاده ستقوم بآخر تجاربها النووية.

27 يناير/كانون الثاني 1996: أطلقت فرنسا آخر سلسلة من التجارب النووية وكانت بمنطقة فانغاتوفا.

25 مارس/آذار 1996: وقّعت فرنسا على اتفاق “راروتونغا”.

24 مارس/آذار 2009: تقدمت فرنسا بمشروع قانون لتعويض ضحايا تجاربها النووية.

للإشارة، فلطالما طالبت الجزائر وبولينيزيا فرنسا بالاعتراف والتعويض عن الأضرار الناجمة عن تجاربها النووية. فقد دعا وزير الخارجية الجزائري، نهاية ديسمبر/كانون الأول 2023، فرنسا إلى “الاعتراف بالأضرار التي ألحقتها هذه التجارب” فضلاً عن تقديم “تعويضات”.

لكن القضاء الفرنسي يرفض طلبات التعويض المقدمة من أقارب الضحايا. فقد رفضت المحكمة الإدارية في ستراسبورغ بشرق فرنسا، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، طلبات من أقارب أشخاص لقوا حتفهم نتيجة للتجارب النووية الفرنسية بالجزائر وفي بولينيزيا، بين عامي 1960 و1998، بحجة التقادم.

حيث إن القانون الفرنسي يسمح، منذ يناير/كانون الثاني 2010، بالاعتراف بالضحايا المباشرين لهذه التجارب النووية وتعويضهم، لكنه لا ينص على أي تدابير لأقاربهم فيما يتعلق بالضرر المعنوي أو العائلي أو المادي.

ومنذ صدور قانون 2010، أنشئت لجنة لتعويض ضحايا التجارب النووية، وسجل 2282 ملف مطالبات تعويض في الفترة ما بين مطلع 2010 ونهاية 2022.

ومع تسجيل 328 طلباً جديداً، فإن 2022 هو العام الثاني من ناحية عدد الطلبات المسجلة بعد 2010. وفي 53% من الحالات تم الاعتراف بالأشخاص كضحايا.

النهایة

المصدر
الكاتب:Shafaqna1
الموقع : ar.shafaqna.com
نشر الخبر اول مرة بتاريخ : 2024-02-15 19:06:46
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى