ٍَالرئيسية

الذكرى العطرة للمبعث النبوي الشريف

شفقنا – يحتفل العالم الاسلامي بمرور أربعة عشر قرنا ونصف على بعثة النبي محمد (ص)، وبهذه المناسبة العطرة نزف أزكى آيات التهاني الى جميع المسلمين سائلين المولى سبحانه وتعالى أن يجعلنا من السائرين على هدي الرسالة المحمدية والمستنيرين بنورها والمقتفين أثرها.

“هُوَ الَّذي بَعَثَ فِي الأُمِّيّينَ رَسولًا مِنهُم يَتلو عَلَيهِم آياتِهِ وَيُزَكّيهِم وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتابَ وَالحِكمَةَ وَإِن كانوا مِن قَبلُ لَفي ضَلالٍ مُبينٍ”.

وعليه، فإن يوم 27 رجب لسنة 13 قبل الهجرة يحمل ذكرى رسالة خالدة وولادة النور والرحمة الإلهية، ففي هذا اليوم المبارك بدأت البعثة النبوية الشريفة، فالمبعث النبوي الشريف هو مبعث النور ومولد الرسالة والقرآن الكريم، وانطلاقة الحضارة الإسلامية، ثم إن هذا اليوم هو يوم عيد ليس فقط للأمة الإسلامية ولكن للبشرية جمعاء فبعثة الرسول صلى الله عليه وآله عمّت بركتها الكائنات.

البعثة، هي مصطلح يشير إلى تنصيب الرسول محمد صلی الله عليه وآله وسلم لمقام النبوة والرسالة وتبليغ الإسلام لهداية الناس، وقد كانت بعثة الرسول في غار حراء الواقع في جبل النور القريب من مكة، وذلك في 27 رجب، للسنة الثالثة عشرة قبل الهجرة. وكان حينها الرسول صلی الله عليه وآله وسلم في الأربعين من عمره.

كانت الديانة الوثنية شائعة بشكل كبير بين أهل مكة قبل البعثة، كما كان أتباع الديانات السماوية متواجدين في أنحاء متفرقة من شبه الجزيرة العربية، وبعد بعثة النبي صلی الله عليه وآله وسلم انتشر الإسلام في كامل الحجاز، وحلّ محل الديانات السابقة.

 

البعثة لغة واصطلاحًا

أصل كلمة البعثة من «بعث»، وهي بمعنى الإرسال والتوجيه.

البعثة في الاصطلاح بمعنى إرسال شخص من قبل الله تعالى إلى الناس ليدعوهم إلى دينه. والبعثة عند المسلمين بمعنى بعثة النبي الأكرم محمد صلی الله عليه وآله وسلم.

 

البعثة في القرآن

البعثة في مفهومها القرآني بمعنى السير والوصول إلى مرحلة خاصة من التكامل مع تطور وتحول، ولذا استعمل لبعث الأموات يوم الحشر؛ لأنّه بداية تحول عظيم ودخول في أجواء جديدة وهي عالم الآخرة. وإن كان يغلب على استخدام هذا المصطلح لبعثة الأنبياء وإرسالهم لهداية الناس.

القرآن الكريم في جميع الموارد ينسب البعث إلى الله، أي: بعث الموتى والتقنين الخاص لعالم الوجود وإرسال الرسل، فهذه القضايا بأسرها تكشف عن إرادة الله المطلقة في إدارة الكون وعالم الوجود.

فالملفت في بعثة الأنبياء هي منة الله تعالى على الناس، فهذه المنة، أولاً للهداية والإرشاد وثانياً أن الله أرسل الرسل وبعث الأنبياء من بين الناس ومن جنسهم. وإن كان بعثة الأنبياء من بين الناس قد تسبب باستهزائهم وإنكارهم من قبل المشركين والمتكبرين والمعاندين، لكنها لا تخلو عن حكمة كامنة؛ إذ أنّ الأنبياء – كما ورد في القرآن – هم الأسوة والنموذج الأعلى. فلو بُعثوا من غير نوع البشر ما تمكنوا أن يكونوا أسوة للناس، فهذه سنة من سنن الله تبارك وتعالى أن بعث لكل قسم من الخلق رسولاً من أنفسهم لتكون الحجة البالغة لله تعالى.

 

بعثة النبي الأكرم (ص)

في الأربعين من عمره بُعث النبي الأعظم صلی الله عليه وآله وسلم للرسالة، وقيل ـ وهو مخالف للمشهور ـ أنّه بُعث في الثالث والأربعين من عمره، ويرجع سبب هذا الاختلاف إلى مفهوم البعثة، فهل البعثة بدأت بنزول الآيات الآولى للقرآن، أو بدأت بالإعلان الرسمي لها؟ وبناء على ما نقله المؤرخون إنّ هذا الحدث وقع في يوم الإثنين سنة الأربعين بعد عام الفيل، وبحسب بعض الأخبار كانت في 17 أو 18 من شهر رمضان، وقيل أنّها حدثت في بداية شهر ربيع الأول أو أيامها الأولى، ويرى مشهور الشيعة الإمامية أن بعثة النبي (ص) كانت في 27 رجب.

عندما كان النبي الأكرم محمد صلی الله عليه وآله وسلم في غار حراء وفي جبل النور يعبد الله، ويتفكر في خلق السموات والأرض نزلت عليه الآيات الأولى من سورة العلق: “اقرأ باسم ربك الذي خلق”، وبذلك بدأت دعوته، واستمرت هذه الدعوة بنزول الآيات الأولى من سورة المدثر.

في بداية رسالته أخبر النبي الأكرم صلی الله عليه وآله وسلم زوجته خديجة وابن عمه علي بن أبي طالب (ع) بذلك. وبنزول آية “وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ” قام النبي بدعوة أهله وعشيرته وبذلك دخلت دعوته في مرحلة جديدة. وفي نفس السنة، بنزول آية “فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ” دعا الناس إلى الإسلام في سوق عكاظ وأعلن عن رسالته.

في ذلك اليوم قام أبو لهب باستهزاء النبي (ص)، وتبعه آخرون. فأسلم عدد قليل من الناس وآمنوا برسالته والتحقوا بالمسلمين الأوائل الذين آمنوا من قبل.

 

استعداده (ص) لتلقّي الوحي

حينما نزل جبرائيل لأول مرة بالوحي على النبي (ص) كان فيه هيبة وثقل عظيم للرسالة بحيث عندما وصل إلى زوجته قال لها: دثّريني، ولكن لا ينقل عنه دهشة أو استغراب من هذا الموقف؛ لأن الظروف كانت مهيأة وأنّه مستعد لتلقي الوحي والارتباط بعالم الغيب، فكان على علم بآثار جبرئيل قبل أن ينزل عليه الوحي ويشاهده.

وكان النبي يمتلك فطرة طاهرة منذ أيام عمره الأولى وكانت الفئات الحاكمة في مكة حينها ملتهية بعبادة الأصنام، مما جعله يميل إلى العزلة والاعتكاف والعبادة في جبال مكة، وكانت عبادته تمتد على مدى شهر، ومن ثم يرجع (ص) إلى مكة. وكما ورد أن إسرافيل وكّل به ثلاث سنين وجبرئيل عشرين سنة وذلك قبل البعثة هيّأت له الأرضية المناسبة لتلقي الوحي.

إذا قبلنا هذه الروايات فعلينا أن نقف أمام الروايات التي تحكي عن عدم معرفة النبي صلی الله عليه وآله وسلم عن أجواء الوحي، ونتأمل فيها، فالأخبار التي تتحدث عن النبي (ص) بأنّه لم يصدّق أنه نزل عليه الوحي فأدى إلى ذعره أو خشيته بأن اعتراه الجن، فاستشار خديجة في ذلك أو التعاليم التي وجهها ورقة بن نوفل إليه؛ ليدله على صدق رسالته ونبوته يخالف تماماً مع مراحل تربيته والبصيرة التي وقف عليها قبل البعثة.

 

مكانة المبعث النبوي بين المسلمين

لبعثة النبي (ص) مكانة متميزة بين المسلمين، وتعتبر بداية الشريعة الإسلامية، تلك الشريعة التي بدأت بأتباع قلائل وفي ظروف صعبة، ثم انتشرت في أنحاء العالم حتى أصبحت تهواها القلوب، كما أنها بداية تطور عظيم ومنعطف تاريخي في حياة الإنسان.

 

وقفة مع هذه الذكرى الخالدة والمباركة

إن هذه الذكرى العطرة تستوجب منا الوقوف بتأمل عند محطات من سيرته صلى الله عليه وآله في الدعوة إلى الإسلام وتوحيد الله تعالى، لنتأسى بها في جميع مراحل حياتنا خصوصاً مرحلتنا الراهنة المعبأة بالتيارات المنحرفة، ونستوحي منها الكثير من الدروس النافعة… ومنها:

1- استذكار صمود الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وصبره ورفضه لأي مساومة على حساب المبادئ؛

2 –  التضحية في سبيل المبدأ والحق، وتحمل المشاق من أجل إعلاء كلمة الله تعالى والدعوة إليه؛

3 –  التحلي بالخلق الرفيع الذي كان من السمات البارزة له صلى الله عليه وآله في دعوته الشريفة، وما تميزت به حياته الرسالية من الحكمة والموعظة الحسنة؛

4 –  الجانب العبادي الذي تميزت به سيرته صلى الله عليه وآله؛

5 –  من كلماته (صلى الله عليه وآله) المأثورة:

عن الامام أبي جعفر محمد بن علي الباقر الخامس من أئمة أهل البيت عليهم السلام قال، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): “لأنبئكم بالمؤمن؟ من ائتمنه المؤمنون على أنفسهم وأموالهم، ألا أنبئكم بالمسلم؟ من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر سيئاته”.

نسأل الحق جلّت قدرته وبمقام مقام النبوة وعظمتها أن يمطر علينا شآبيب رحمته ويوحد كلمتنا على الهدى والتقوى إنه ولي التوفيق.

((وما ارسلناك إلا رحمة للعالمين))

انتهى

المصدر
الكاتب:Sabokrohh
الموقع : ar.shafaqna.com
نشر الخبر اول مرة بتاريخ : 2024-02-08 17:38:11
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى