ٍَالرئيسية

موظفون يكشفون أسرار وكواليس انحياز سي إن إن لـ’إسرائيل’

العالم- فلسطين المحتلة

يقول الصحافيون في غرف الأخبار التابعة لشبكة سي إن إن في الولايات المتحدة وخارجها، إن عمليات البث قد تعرضت للتشويه بسبب مراسيم الإدارة وعملية الموافقة على القصة التي أدت إلى تغطية جزئية لعملية طوفان الأقصى والعدوان الإسرائيلي على غزة.

ونقلت صحيفة “ذا غارديان” البريطانية عن أحد موظفي “سي إن إن”، أن غالبية الأخبار منذ بدء الحرب، بغض النظر عن مدى دقة التقارير الأولية، قد انحرفت بسبب التحيز المنهجي والمؤسساتي داخل الشبكة تجاه إسرائيل”، موضحاً انه تغطية سي إن إن للحرب على غزة تعتبر بمثابة “سوء ممارسة صحافية”.

ووفقاً لما نقلته الصحيفة عن ستة من موظفي “سي إن إن” في غرف أخبار متعددة، وأكثر من 12 مذكرة داخلية ورسائل بريد إلكتروني حصلت عليها الصحيفة، فإن القرارات الإخبارية اليومية تتشكل من خلال تدفق التوجيهات من مقر “سي إن إن” في أتلانتا، والتي وضعت مبادئ توجيهية صارمة بشأن التغطية.

تتضمن توصيات قيادة “سي إن إن” قيوداً مشددة على نقل آراء حركة حماس ونقل وجهات نظر فلسطينية أخرى، في حين تؤخذ تصريحات الحكومة الإسرائيلية على محمل الجد. إضافة إلى ذلك، تجب الموافقة على كل تقرير عن العدوان عن طريق مكتب القدس قبل بثها أو نشرها.

ويقول صحافيو “سي إن إن” إن أسلوب التغطية حدده رئيس التحرير الجديد ومديرها التنفيذي، مارك تومسون، الذي تولى منصبه بعد يومين من عملية طوفان الأقصى.

ويشعر بعض الموظفين بالقلق إزاء استعداد تومسون لمقاومة المحاولات الخارجية للتأثير على التغطية، بالنظر إلى أنه في منصبه السابق كمدير عام لهيئة الإذاعة البريطانية، اتُهم بالرضوخ لضغوط الحكومة الإسرائيلية في عدد من المناسبات، بما في ذلك المطالبة بإزالة إحدى أهم مراسِلات المؤسسة من موقعها في القدس عام 2005.

كبار الموظفين يتشاجرون مع الإدارة

تنقل “ذا غارديان” عن مطلعين إن قواعد الإدارة أدت، خاصة في الأسابيع الأولى من العدوان، إلى تركيز أكبر على الرواية الإسرائيلية عن الحرب باعتبارها مطاردة لحركة حماس وأنفاقها، وعدم التركيز بشكل كافٍ على حجم الضحايا المدنيين الفلسطينيين والدمار في غزة.

كيف يؤثر الاحتلال في تغطية شبكة سي إن إن العدوان على غزة؟

ووصف أحد الصحافيين “الانقسام” داخل الشبكة بأن “كبار الموظفين الذين لا يتفقون مع الوضع الراهن يتشاجرون مع المديرين التنفيذيين الذين يصدرون الأوامر، ويتساءلون كيف يمكننا أن نروي القصة بفعالية مع وجود مثل هذه التوجيهات التقييدية”.

وأضاف: “ضغط كثيرون من أجل بث المزيد من المحتوى من غزة. وبحلول الوقت الذي تمر فيه هذه التقارير عبر القدس وتصل إلى التلفزيون أو الصفحة الرئيسية، فإن التغييرات الحاسمة، من إدخال لغة غير دقيقة إلى الجهل بالقصص المهمة، تضمن أن كل تقرير تقريباً، بغض النظر عن مدى إدانته، يعفي إسرائيل من ارتكاب المخالفات”.

يقول موظفو “سي إن إن” إن بعض الصحافيين ذوي الخبرة في تغطية “الصراع” وأحداث المنطقة، تجنبوا القيام بمهام في إسرائيل لأنهم لا يعتقدون أنهم سيكونون أحراراً في رواية القصة بأكملها. ويتكهن آخرون بأن كبار المحررين يُبعَدون.

“سي إن إن” تسير بتعليمات عليا

في الاجتماع التحريري الأول لتومسون، بعد يومين من عملية طوفان الأقصى، وصف رئيس الشبكة الجديد تغطية “سي إن إن” للقصة سريعة الحركة بأنها “رائعة في الأساس”.

وقال طومسون إنه يريد من المشاهدين أن يفهموا ما هي “حماس” وما تمثله وما كانت تحاول تحقيقه من خلال الهجوم. ورأى بعض المستمعين أن ذلك هدف صحافي مُحبذ. لكنهم قالوا إنه مع مرور الوقت، أصبح من الواضح أن لديه توقعات أكثر، تحديداً حول كيفية تغطية الصحافيين لما يحدث.

في أواخر أكتوبر/تشرين الأول، مع ارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين بسبب العدوان الإسرائيلي، وبينما كان جيش دولة الاحتلال يستعد لغزوه البري، وصلت مجموعة من الإرشادات إلى صناديق البريد الإلكتروني لموظفي “سي إن إن”.

وأشارت ملاحظة في أعلى المذكرة المكونة من صفحتين إلى تعليمات “من مارك” بالانتباه إلى فقرة معينة ضمن “إرشادات التغطية”. وجاء في الفقرة أنه بينما ستنقل “سي إن إن” العواقب الإنسانية للهجوم الإسرائيلي والسياق التاريخي للقصة، “يجب علينا أن نستمر دائماً في تذكير جمهورنا بالسبب المباشر لهذا الصراع الحالي، وهو هجوم حماس والقتل الجماعي واختطاف المدنيين”.

وقال موظفو “سي إن إن” إن المذكرة عززت إطاراً للتقارير استخدم طوفان الأقصى لتبرير التصرفات الإسرائيلية ضمنياً، وأن السياق أو التاريخ الآخر غالباً ما يكون غير مرحب به، أو مهمشاً.

وذكر أحد الموظفين أن “كل عمل تقوم به إسرائيل، من إسقاط صواريخ ضخمة تمحو شوارع بأكملها، إلى تدمير عائلات بأكملها، ينتهي به الأمر إلى التلاعب بالتغطية لخلق قصة مفادها أنه مبرر”.

وذكرت المذكرة نفسها أن أي إشارة إلى أرقام الضحايا الصادرة عن وزارة الصحة في غزة يجب أن تشير إلى أنها “تسيطر عليها حماس”، ما يعني أن التقارير عن وفاة آلاف الأطفال لا يمكن الاعتماد عليها، على الرغم من أن منظمة الصحة العالمية والهيئات الدولية الأخرى قالت إنها دقيقة إلى حد كبير.

كواليس إدارة تغطية “سي إن إن” للعدوان

يدير التغطية من مقر شبكة “سي إن إن” في أتلانتا “الثالوث” المكون من الأقسام الآتية: قسم المعايير والممارسات الإخبارية، والقسم القانوني، وقسم التحقق.

وأصدر المدير الأول للمعايير والممارسات الإخبارية، ديفيد ليندسي، توجيهاً في أوائل نوفمبر/تشرين الثاني، يحظر فعلياً نشر معظم بيانات حركة حماس، واصفاً إياها بأنها “خطابات تحريضية ودعاية”. وكتب: “يجب أن نكون حريصين على عدم منحها منصة”.

وقال ليندسي إنه إذا اعتُبر البيان مهماً من الناحية التحريرية “فيمكننا استخدامه إذا كان مصحوباً بسياق أكبر، ويفضل أن يكون كتابة رقمية. دعونا نتجنب تشغيله كمقطع صوتي أو اقتباس مستقل”.

وفي المقابل، أشار أحد موظفي “سي إن إن” إلى أن الشبكة بثت بشكل متكرر خطاباً تحريضياً ودعاية من المسؤولين الإسرائيليين والمؤيدين الأميركيين، وغالباً ما كان ذلك من دون رد في المقابلات.

المؤسسات الإعلامية الغربية تضغط على الصحافيين المتضامنين مع فلسطين

ولفت إلى أن قنوات أخرى أجرت مقابلات مع قادة في حركة حماس، في حين “سي إن إن” لم تفعل. وقال أحد الموظفين إن هناك وجهة نظر بين المراسلين مفادها أنه “من المؤلم إجراء مقابلة مع حماس بعد الثالوث”.

وصدرت تعليمات لمكاتب الأخبار والمراسلين في “سي إن إن” بعدم استخدام أي فيديو تسجله حماس “تحت أي ظرف من الظروف ما لم يتم الحصول على موافقة الثالوث والقيادة التحريرية العليا”.

وقد جرى التأكيد على هذا الموقف في تعليمات أخرى صدرت في 23 أكتوبر/تشرين الأول، مفادها أن التقارير يجب ألا تظهر تسجيلات “حماس” لإطلاق سراح الرهينتين الإسرائيليتين، نوريت كوبر ويوشيفيد ليفشيتز.

بعد يومين، أرسل ليندسي تعليمات إضافية مفادها أن مقطع الفيديو الذي يظهر ليفشيتز البالغة من العمر 85 عاماً وهي تصافح أحد آسريها “لا يمكن استخدامه إلا عند الكتابة على وجه التحديد عن قرارها بمصافحة آسرها”.

“سيكند آي”… إسرائيل أولاً

إضافة إلى المراسيم الصادرة من أتلانتا، فإن لدى “سي إن إن” سياسة طويلة الأمد، مفادها أن جميع النسخ المتعلقة بالوضع الإسرائيلي الفلسطيني يجب أن يوافق على بثها أو نشرها مكتب القدس. وفي يوليو/تموز 2023، أنشأت الشبكة عملية أطلقت عليها اسم “سيكند آي” لتسريع تلك الموافقات.

قال رئيس مكتب القدس، ريتشارد غرين، للموظفين في مذكرة أعلن فيها عن مشروع “سيكند آي”، إنه نظراً لأن تغطية “الصراع الإسرائيلي الفلسطيني” يدققها “طرفا الصراع”، فقد أُنشئ هذا الإجراء باعتباره “شبكة أمان حتى لا نستخدم لغة أو كلمات غير دقيقة قد تبدو محايدة، ولكن يمكن أن يكون لها معانٍ مشفرة”.

وقال موظفو “سسي إن إن” إنه لا يوجد خطأ بطبيعته في هذا المطلب، نظراً للحساسية الكبيرة للتغطية، مع الأخذ بعين الاعتبار الطبيعة العدوانية للسلطات الإسرائيلية والمنظمات المؤيدة لإسرائيل وسعيها للتأثير على التغطية. لكن هناك يشعر بأن الإجراء، الذي كان يهدف في الأصل إلى الحفاظ على المعايير، أصبح أداة للرقابة الذاتية لتجنب الجدل.

وإحدى نتائج “سيكند آي” تتمثل في أن التصريحات الرسمية الإسرائيلية غالباً ما يجري بثها بسرعة على الهواء، بينما التصريحات الصادرة عن الفلسطينيين، وليس فقط “حماس”، يجري تأخيرها أو عدم تغطيتها مطلقاً.

إسرائيل تستهدف الإعلاميين لضمان نشر روايتها فقط

وقال أحد موظفي “سي إن إن” إن التعديلات التي تجريها “سيكند آي” غالباً ما تهدف إلى تجنب انتقادات المنظمات المؤيدة لإسرائيل. ويخشى موظفون أن تكون النتيجة شبكة تعمل كرقيب بديل نيابة عن الحكومة الإسرائيلية.

وقال أحد مسؤولي الشبكة: “يؤدي النظام إلى قيام أفراد مختارين بتحرير جميع التقارير مع تحيز مؤسسي مؤيِد لإسرائيل، وغالباً ما يستخدمون لغة سلبية لإعفاء الجيش الإسرائيلي من المسؤولية، والتقليل من شأن الوفيات الفلسطينية والهجمات الإسرائيلية”.

فروق في التغطية داخل “سي إن إن” نفسها

لا يرى الأميركيون والجمهور العالمي نفس التغطية حول الأحداث في قطاع غزة. يقدم مراسلو “سي إن إن” تقارير شاملة، غالباً ما تُسُلط الضوء عليها على قناة “سي إن إن إنترناشيونال”، التي تُشاهَد خارج الولايات المتحدة.

لكن على “سي إن إن” المتاحة في الولايات المتحدة، فإن هذه التقارير مهمشة بسبب ساعات من المقابلات مع المسؤولين الإسرائيليين ومؤيدي العدوان على قطاع غزة، الذين مُنحوا الحرية في عرض آرائهم، وغالباً ما يكون ذلك من دون تقديم الرأي الآخر.

ليس هذا فقط، أحياناً يقدم مذيعو البرامج في النسخة الأميركية من الشبكة آراءهم وتصريحاتهم الداعمة لإسرائيل. وفي الوقت نفسه، كانت الأصوات ووجهات النظر الفلسطينية مسموعة بشكل أقل بكثير وتم الرد عليها بشكل أكثر صرامة، مع تحجيمها والتشكيك فيها.

وخلُص موظف إلى أن المعايير مزدوجة بشكل صارخ، إذ “لا بأس بالنسبة لنا أن نكون مندمجين مع الجيش الإسرائيلي، وننتج تقارير يراقبها الجيش، لكن لا يمكننا التحدث مع الحركة التي فازت بأغلبية الأصوات في غزة [حماس] سواء أحببنا ذلك أم لا”، مذكراً بأن “مشاهدي سي إن إن مُنعوا من الاستماع إلى طرف رئيسي في هذه القصة”.

وأضاف: “ليس من الصحافة أن نقول إننا لن نتحدث إلى شخص ما لأننا لا نحب ما يفعله”، مذكراً بأن الشبكة تحدثت مع كثير من “أعداء أميركا” على مر السنين: “لقد أجرينا مقابلة مع معمر القذافي. وأجرينا مقابلة مع أسامة بن لادن”، متسائلاً: “ما هو المختلف هذه المرة؟”.

المصدر
الكاتب:
الموقع : www.alalam.ir
نشر الخبر اول مرة بتاريخ : 2024-02-07 10:02:59
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى