ٍَالرئيسية

ديفيد هيرست: كيف تدمر إسرائيل النفوذ الأمريكي العالمي بقنبلةٍ تلو الأخرى؟

شفقنا- وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو داخل مبنى وزارة الدفاع الإسرائيلية في تل أبي في 12 أكتوبر/تشرين 2023/رويترز

دخلنا الشهر الثاني من الحرب على غزة وإسرائيل لا تمتلك استراتيجية موثوقة للخروج من الحرب.

ولن نشهد لحظة “إتمام المهمة” أو أي خطابٍ يُشبه ذلك الذي ألقاه جورج بوش الابن على متن حاملة الطائرة يو إس إس أبراهام لينكولن، حين أعلن النصر في العراق يوم الأول من مايو/أيار عام 2003.

إذ قاومت إسرائيل الدعوات المطالبة بوقف إطلاق النار، ولم تعثر الولايات المتحدة حتى الآن على طرقٍ لإقناعها بوقف أعمال القتال مؤقتاً -ولو لبضع ساعات-، ناهيك عن الاتفاق على هدنة أطول تُتيح تبادل الرهائن والسجناء.

وبالنسبة لجو بايدن، يُمكن القول إن إسرائيل تُمثل قطاراً جامحاً خرج عن القضبان ودمّر خطط الرئيس الأمريكي للانسحاب العسكري الاستراتيجي من المنطقة، كما دمّر اتفاقيات أبراهام والكثير من سلطة بايدن في العالم المسلم والجنوب العالمي.

وإذا لم يتصرف بايدن بحذر، فربما تؤدي القوة المدمرة لهذه الحرب إلى عرقلة خططه للفوز بولايةٍ رئاسية ثانية. وقد بدأ رصيده السياسي ينفد داخل أرض الوطن بالفعل.

ولو فكّر مجرد التفكير في استغلال واحدةٍ من أدوات ضغطه المتعددة لإيقاف قصف غزة -بتعطيل إمدادات القنابل والقذائف الذكية مثلاً-، فسوف يتعرض لهجوم كامل من الجمهوريين.

ولا تقود الولايات المتحدة هذه الحرب حتى من المؤخرة -بحسب مزحة باراك أوباما الصغيرة حول الإطاحة الكارثية بالديكتاتور الليبي معمر القذافي. بل يجري جرّ الأقدام الأمريكية اليوم إلى داخل جحر الأرنب.

مواجهات مؤلمة

يخوض الدبلوماسيون ورؤساء الاستخبارات الأمريكية مواجهات مؤلمة مع نظرائهم العرب والأتراك خلال جولاتهم الإقليمية.

حيث يخبرهم هؤلاء في وجوههم خلال الاجتماعات التي تدوم لساعات بأن إسرائيل تشن حملة إبادة جماعية انتقامية، وأن الولايات المتحدة تدعم تلك الإبادة الجماعية، وأن دعمها لهذه الحرب يُمزِّق صورتها في العالم الإسلامي. ولكن لنضع جرائم الحرب جانباً الآن ونطرح السؤال التالي: ما هي سياسة الولايات المتحدة في الواقع؟

لقد شنّت الولايات المتحدة حرباً ضد العالم بأسره من أجل التخلص من تنظيم القاعدة، لكن كيانات القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية لا تزال موجودة إلى يومنا هذا، فكيف سينجح الإسرائيليون في القضاء على حركة أكثر انضباطاً وأعمق جذوراً مثل حماس؟ ولماذا يريدون إخراج حماس من غزة؟ إذ تُعَدُّ أنشطة حركة حماس محليةً داخل غزة. أم هل نسيت الولايات المتحدة أيام اختطاف المزارعين والطائرات على يد حركة فتح -أول حركات المقاومة المسلحة الفلسطينية؟ لماذا يريدون تحويل حماس إلى حركةٍ عالمية؟

لن تجد إجابات مقنعة عن هذه الأسئلة لدى الدبلوماسيين ورؤساء الأجهزة الأمنية. حيث يشترك هؤلاء خلال الجلسات الخاصة في الرأي القائل باستحالة القضاء على حماس، وعدم امتلاك إسرائيل لاستراتيجية خروج، وأن إسرائيل توقفت عن الاستماع إليهم حتى قبل بداية الحرب.

أما الآمال في قدرة بايدن على احتواء إسرائيل باحتضانها خلال الأيام الأولى التي أعقبت هجوم المقاتلين الفلسطينيين، يوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول، فقد جاءت بنتائج عكسية على نحو مذهل.

حيث يُقر وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في الجلسات الخاصة بمدى سوء العلاقات مع نتنياهو قبل بداية الحرب، ومدى خيبة الأمل التي تشعر بها الولايات المتحدة تجاهه الآن.

وربما أدرك الجميع الآن حجم الورطة العميقة التي تعانيها سياسة الشرق الأوسط الخاصة بإدارة أعلنت أن “أمريكا قد عادت”.

ويتركنا هذا أمام سؤال مفتوح حول الكيفية التي يجب أن تدير بها القيادة العربية هذه الأزمة.

توقعات منخفضة

تستضيف المملكة العربية السعودية قمتين في الرياض. قمة عربية وأخرى إسلامية، في يوم السبت، 11 نوفمبر/تشرين الثاني.

وتشير السوابق التاريخية إلى ضرورة خفض التوقعات؛ إذ لم يسبق لأي من المنتديين أن أنتج شيئاً جوهرياً من قبل، باستثناء الخطب الرنانة.

ولا أتوقع أي شيء مختلف هذه المرة.

حيث جاءت أقوى ردود الفعل على القصف هذه المرة من مصر والأردن، أول دولتين تعترفان بإسرائيل. لكن كلا البلدين عرضة للخطر الشديد في الواقع بسبب اعتمادهما على المساعدات والأموال الغربية.

ولنتحدث عن مصر على سبيل المثال؛ إذ أوضح الجيش المصري والدولة العميقة أن التطهير العرقي في غزة هو أمرٌ غير مقبول، وأنهم لن يُسلموا ذرة تراب واحدة من سيناء لمشروع إعادة توطين أهل غزة.

وهذا هو الوجه الأول لمصر.

بينما تكشف مصر عن وجهها الآخر عند معبر رفح الحدودي مع غزة، والذي لا يزال مفتوحاً بصفةٍ متقطعة.

وأتفهّم أن مصر ضغطت لاستبدال المسؤولين المتحكمين في المعبر من جانب غزة، الذي يُشغِّله حالياً مسؤولون من وزارة الداخلية الفلسطينية التي تُديرها حركة حماس. وقد أرادت مصر أن يتواجد مسؤولون من الأمم المتحدة هناك، لكنها حاولت تقديم الأمر باعتباره طلباً أمريكياً. ورغم ذلك، أنكرت الولايات المتحدة مسؤوليتها عن الطلب عند سؤالها عنه بواسطة دولة عربيةٍ ثالثة، وتبيّن في النهاية أنه مقترح من جانب مصر فقط.

وهناك دلالات أخرى على أن الموقف المصري ليس بالقوة التي يبدو عليها.

حيث نشر موقع مدى مصر، بعد يومين من هجوم حماس، خبراً يُفيد بأن محافظ شمال سيناء محمد عبد الفضيل شوشة، يُنسّق الاستعدادات لاستقبال تدفق ضخم من اللاجئين.

وأصدر شوشة أوامره بحصر الإمكانات مثل المطاحن والمخابز الحكومية، والأسواق ومحطات الوقود، و”كذلك القدرة الاستيعابية للمدارس والوحدات السكنية والأراضي الفضاء لاستخدامها كأماكن إيواء إذا تطلب الأمر ذلك”.

وتتجلى دلالة أخرى في المظاهرات الشعبية الداعمة لغزة. حيث شهدت القاهرة أكبر تظاهرة لفلسطين منذ عقدٍ كامل عندما فُتِحَت أبواب ميدان التحرير خلال الأيام الأولى من الصراع. لكنهم سرعان ما أدركوا أن النشاط السياسي قد يخرج عن السيطرة، فجاءت حملة القمع سريعاً ولم تخرج أي تظاهرات أخرى منذ ذلك الحين.

ويعيش الأردن على الجانب الآخر حالة قلق حقيقية. إذ قال وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، إن أي تهجير للفلسطينيين من غزة سيعتبره الأردن بمثابة “إعلان حرب”. بينما أجرت الملكة رانيا مقابلات قوية مع شبكة CNN الأمريكية.

لكن الأردن منع مواطنيه من الوصول إلى الحدود مع إسرائيل، ولا يستطيع توجيه سياساته سوى عبر قنوات المجتمع الدولي. ولم يسحب سفيره من إسرائيل إلّا بعد أن قطعت بوليفيا كامل علاقاتها بإسرائيل.

ردود فعلٍ ضعيفة

أصدرت سوريا في البداية بياناً للتعبير عن دعمها للشعب الفلسطيني. وفي الـ26 من أكتوبر/تشرين الأول، قال الرئيس بشار الأسد إن “جوهر السياسة الأمريكية مبني على التصعيد العسكري وخلق الفوضى”.

ولا يزال رد فعل السعودية قيد الإعداد، بينما لا تزال جارتها قطر مترددة في اعتبارها قضيةً خاسرة، بعد خروجها مؤخراً من الحصار المفروض على أراضيها ومجالها الجوي. لكن هناك حالة عداء عميقة في الدوحة تجاه الإمارات العربية المتحدة.

وقد أدانت السعودية قتل المدنيين الفلسطينيين، وأصدر وزير خارجيتها سلسلةً من البيانات القوية، لكن لا أحد يعرف ما يريده ولي العهد محمد بن سلمان حتى الآن؛ إذ لم يسمح بخروج أي احتجاجات كتلك التي حدثت في عمّان أو القاهرة أو بيروت. كما استمر مهرجان الرياض حسب الخطة، وكأن شيئاً لم يحدث بالقرب من الأراضي السعودية.

ولم تقل أي من الدول الإقليمية إن حماس تُعد شريكاً شرعياً في المفاوضات، باستثناء قطر وتركيا وإيران وماليزيا.

وتُوشك تركيا على صياغة مقترحها الخاص لهدنةٍ ستحافظ عليها الدول الضامنة. وربما يكون الأمر مشابهاً لدور قوة الأمم المتحدة المؤقتة (اليونيفيل) في جنوب لبنان.

لكن إذا كانت تركيا تنوي لعب دورٍ مماثل في غزة، فيجب أن تكون على قناعةٍ بأن عملية السلام التي ستضمنها تحتاج إلى نهاية محددة. أو بعبارةٍ أخرى، يجب أن تُتوّج هذه الدفعة نحو السلام بقيام دولة فلسطينية قريباً، بعكس وعود أوسلو التي لم تتحقق مطلقاً.

وقد دمّر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو علاقته الشخصية بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين أيضاً. يُذكر أن تلك العلاقة كانت شديدة التقارب في وقتٍ من الأوقات، لدرجة أن رئيس الوزراء الإسرائيلي أقنع روسيا بإنزال شحنة صواريخ إس-400 من على متن قطارات الشحن، بعد أن كانت متجهةً إلى طهران.

وتكرّر الأمر ذاته مع الصين، التي سعت إسرائيل بصبرٍ إلى بناء علاقة تجارية قوية معها.

إذ قال وزير الخارجية الصيني وانغ يي إن الصين تدين وتعارض بشدة التصرفات التي تؤذي المدنيين وتنتهك القانون الدولي، كما دعا إلى وقف إطلاق النار لإيقاف الحرب فوراً، مع توفير شروط المعيشة الأساسية للناس في غزة. وتبدو تلك التصريحات في سياق هذا الصراع وكأنها عودة إلى حقبة الرئيس ماو.

“إسرائيل قابلة للهزيمة”

من المؤكد أن حماس لا تتصرف وكأنها قد استسلمت أو تواجه خطر الانقراض الوشيك. بل تُلحق حماس الخسائر الفادحة بالدبابات، وناقلات الأفراد، والجنود الإسرائيليين بمعدلات أكبر من معايير الحملة السابقة. وقد اعترفت بخسارة نحو 200 من مقاتليها، وذلك من أصل جيش يُحتمل أن قوامه يبلغ 60 ألف مقاتل.

أما بالنسبة لرئيس المخابرات المصرية عباس كامل، وكذلك قطر، فإن حماس لا تزال جهة التواصل المثلى لوقف الصراع. حيث برهنت على أنها تستطيع مقاومة خصم أكثر قوة بمراحلٍ لأكثر من شهرٍ كامل، على الرغم من حجم الدمار الذي ألحقته إسرائيل بغزة.

 

ولن يمر هذا الأمر مرور الكرام على الأجيال المستقبلية من المقاتلين الفلسطينيين؛ إذ أدت هجمات الـ7 من أكتوبر/تشرين الأول، وكل ما أعقبها من معارك، إلى تنصيب لافتة مضيئة كبيرة في السماء تحمل العبارة التالية: “إسرائيل قابلة للهزيمة”.

وإذا كانت الرسالة الوحيدة التي ستصل إسرائيل من هذه الحرب هي أن هذا الصراع لا يُمكن إنهاؤه بقوة السلاح، فسوف يعني ذلك أن الصراع قد شهد إحراز تقدم، على الرغم من المعاناة الرهيبة التي تحمّلها المدنيون خلال هذه الحرب.

والأهم من ذلك أن هذه الحرب ستكون قد أسفرت عن إحداث تحول كبير في المجتمع الدولي، مع خسارة الولايات المتحدة وأوروبا أمام بقية العالم مرةً أخرى. حيث يتآكل مجال نفوذها في ضمور تتسارع وتيرته بفضل غطرستها.

وأمام الاختبار، أثبت الغرب فشله في تعديل سياسة الدعم الأعمى لإسرائيل دون تفكير، وهي السياسة التي انتهت فترة صلاحيتها منذ زمن بعيد.

– هذا الموضوع مُترجم عن موقع Middle East Eye البريطاني.

عربی بوست

النهایة

المصدر
الكاتب:Shafaqna1
الموقع : ar.shafaqna.com
نشر الخبر اول مرة بتاريخ : 2023-11-12 20:00:28
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى