موضوعات وتقارير

المشتركات والمصلحة بين العام والخاص

د. نادر عجمي

منذ عدة سنوات يلاحظ في المجتمع غياب تام “للهم الجمعي” فأصبح الناس يهتمون بشؤونهم الخاصة الفردية: الاجتماعية، المالية، المعيشية وحتى الدينية عملاً بقاعدة “انجُ بنفسك” أو
“انا ومن بعدي الطوفان” ، “فالهم الفردي” سائد وهو البوصلة والهدف.

وهناك شبه غياب للتوعية الجمعية المجتمعية التي بها تكبر وتزدهر الجماعات والمجتمعات.

#لاحظوا أغلب كلمات رجال الدين تتحدث عن “التزام المؤمن” ولا تتطرق الى علاقة المؤمن مع المجتمع وواجباته تجاه مجتمعه.

وأغلب المواطنين جل همهم تأمين حاجاتهم الشخصية ولو كان ذلك ضربًا من ضروب الإضرار بالمجتمع العام.

فهذه “السلوكية الفردية” مسموحة في الأطر الخاصة لها، أما فيما خص المجتمع فهي مقيدة وليست مطلقة، حتى قبل الدولة أو في ظل غيابها أو تقصيرها عادة الناس تحتكم إلى: العرف والعادة، الأخلاق والدين لنظم أمورهم.

#فالمشتركات في الحياة العامة أكثر من غيرها وأكبر وأهم من بيت المواطن وسيارته وماله ، فمن دون المشتركات لا قيمة لشيء.

وفي #القانون تتقدم المصلحة العامة بكل الأحوال على المصلحة الخاصة، وفي الدين الإسلامي هم الأمة والمسلمين يتقدم على غيره، وصلاة الجماعة أفضل من صلاة الفرادى ، والحج واجب فردي لكن أبعاده جماعية، والانتصار على الأعداء هو هدف للجماعة. في المأثورات “يد الله مع الجماعة”، وفي القرآن الكريم “كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون = جماعة” .

والمدن العريقة دخلت التاريخ بعمارتها وتنظيمها العام وليس بجمالية منازلها العائلية الخاصة.

إن موجة التغاضي والتغافل والتقصير #واتركوها #وماخصنا #وماخصني #ويصطفلوا بات لها تبعات وخيمة وخطيرة جداً وتهدد المجتمع من أساسه.

فهل هي نتيجة ارتدادية للسلوك الفردي الذي فرضته كورونا ؟! أم نتيجة التصفير العظيم الذي فرضته علينا وسائل الشاشة عن بعد؟!

هل هي أزمة ثقافة مجتمع أم نظام ؟!
أم هي نتيجة لغياب الدولة ؟! ممكن، لكن في كل المناطق هناك انهيار لليرة اللبنانية ، وفي كل المناطق سعر ربطة الخبر ذاته، والكهرباء مقننة ومشددة، وكل المناطق تعاني من ضعف الدولة المركزية والوزارات، وفي كل المناطق فقراء، فلما لا نرى فيها هذا التفلت؟! وهذا الانحلال، وهذا اللاكتراث، وهذه اللامسؤولية؟!.

إن ما يحصل في المجتمع من استخفاف واستباحة للمشتركات والمصلحة العامة يشبه جريمة قتل تحصل في رابعة النهار والناس يتحلقون حول الجاني ويتفرجون عليه وهو يبرح ضحيته ضرباً حتى الموت، دون تحريك أي ساكن !

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى