«التجارة باليوان».. هل تحمي دول الخليج من هيمنة الدولار؟
وليد منصور –
أبرمت بكين أول صفقة طاقة على الإطلاق تمت تسويتها باليوان تتعلق بالغاز الطبيعي الإماراتي المسال في الربع الأول 2023، ولكن إذا أصبحت هذه الممارسة أكثر شيوعاً في ظل زيادة الاهتمام العالمي بالتخلص من الدولرة، فإن ذلك قد يتيح لدول المنطقة فرصة لتوسيع التجارة المستقرة باليوان لتحذير الولايات المتحدة.
نقل تقرير حديث بقلم سيباستيان كاستيلير على «المونيتور» حديث الرئيس الصيني شي جين بينغ، بأن ثاني أكبر اقتصاد في العالم، الذي استورد نحو ثلث صادرات النفط الخام لدول الخليج في 2020، سيدفع باتجاه تجارة النفط والغاز التي تتم تسويتها باليوان، وسط مراقبة أميركية عن كثب لشهية الخليج للتجارة باليوان.
وفي فبراير 2023، استحوذ الدولار على %84.3 من تمويل التجارة العالمية، انخفاضاً من %86.8 في العام السابق. وفي الوقت نفسه، زادت حصة اليوان بأكثر من الضعف لتصل إلى %4.5، إذ ستساعد التجارة التي تتم تسويتها باليوان الصين في التخفيف من مخاطر العملة – لم يعد اليوان مرتبطاً بشكل مباشر بالدولار منذ 2005 – لكن بكين تتحكم في كيفية تعويمه مقابل الدولار.
خيارات بديلة
التحول الكبير إلى التجارة التي تتم تسويتها باليوان، على الرغم من أنه غير مرجح على المدى القصير، فإنه من شأنه أن يحمي دول الخليج من المخاطر المتعلقة بهيمنة الدولار. ففي 2022 منعت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي البنك المركزي الروسي من بيع احتياطيه من الدولار واليورو والعملات الأجنبية الأخرى انتقاماً لغزو أوكرانيا، وهذا الوضع دفع العديد من الدول، بما في ذلك دول الخليج، إلى «النظر في الخيارات الأخرى كقناة احتياطية في حالة حدوث أي خطأ»، حيث إن الاستجابة النقدية لغزو أوكرانيا قدمت للصين «حجة قوية» للترويج لنظام دفع بديل.
ويرى التقرير أن بكين تخطط لزيادة نشاطها في المنطقة، ليكون لها وزن أكبر على مواردها النفطية. ومع ذلك، قال لي تشن سيم الباحث غير المقيم المتخصص في العلاقات بين آسيا والخليج في معهد الشرق الأوسط، وهو مؤسسة فكرية في واشنطن: «إذا قامت دول الخليج بتسوية التجارة باليوان، فإن السؤال التالي هو: ما الذي سيفعلونه باليوان؟ علماً بأن الصين تطبق قيوداً على قابلية تحويل اليوان إلى عملات أخرى».
هدف أكبر
وتنظر دول الخليج في بعض التجارة التي تتم تسويتها باليوان كونها أداة لتحقيق هدف أكبر، وإجراء لبناء الثقة، بحيث يشعر الصينيون بمزيد من الراحة في التعامل مع المنطقة، خصوصاً أن دول الخليج ماضية في تنويع اقتصاداتها. وبالتالي، ستكون قادرة على شراء الكثير من السلع من الصين، لذلك لن تمانع في الاحتفاظ بمزيد من اليوان.
وتعني الحقائق الاقتصادية الحالية أن خطاب التحوط الإستراتيجي، إلى جانب بعض تجارة الطاقة، سيظل مقصوراً على كونه سرداً سياسياً على المدى القصير. حيث ترتبط المصالح الاقتصادية الأساسية لدول الخليج ارتباطاً وثيقاً بالدولار، وعملاتها مربوطة بالدولار باستثناء الدينار الكويتي المربوط بسلة عملات يهيمن عليها الدولار. ويقول بعض المحللين إن التجارة التي تتم تسويتها باليوان قد تشجع دول الخليج على اتباع الكويت وإعادة ربط عملاتها بسلة عملات.
3 سيناريوهات
1 – الصين لا تهدف إلى هيمنة العملة
يرتبط استعداد الصين للدفع باتجاه المزيد من التجارة التي تتم تسويتها باليوان مع مصدري النفط في الخليج بشكل غير مباشر بما إذا كانت تريد أن تلعب دوراً أكثر مركزية في مجال العملة، وأن تتولى في النهاية دور احتياطي العملة العالمية. لكن من أجل الحصول على عملة احتياطية، يقول المحللون إنه يجب أن تكون لديك بيئة يرغب فيها الأجانب في إيداع مدخراتهم الزائدة، وللقيام بذلك عليك أن تتخلى عن السيطرة على حساب رأس المال الخاص بك، وهو أمر عازمة الصين على عدم القيام به.
2 – التجارة الخليجية لن تتحرك وحدها
بلغت قيمة صادرات الطاقة الخليجية إلى الصين 186 مليار دولار فقط العام الماضي. ويمثل هذا نحو %0.7 من تجارة البضائع العالمية، التي تقدرها منظمة التجارة العالمية بـ25.3 تريليون دولار في عام 2022.
أيضاً، تمتد هيمنة الدولار إلى ما وراء التجارة، إذ إن وضع العملة الاحتياطية للدولار جعلها العملة المفضلة للمستثمرين والبنوك المركزية لتخزين الثروة والفوائض التجارية، حيث تتعرض دول الخليج لأصول دولارية من خلال امتلاك سندات خزانة أميركية – بإجمالي 215 مليار دولار اعتباراً من فبراير 2023 للسعودية والإمارات والكويت – والاستثمارات السيادية.
3 – السيناريو الأكثر احتمالاً
سيتم استخدام اليوان على نطاق أوسع، إقليمياً، إن لم يكن عالمياً، ربما لأننا ندخل عالم ما بعد إجماع واشنطن، حيث إن شريحة اليوان بعيداً عن الهيمنة العالمية للدولار مبالغ فيها في المستقبل المنظور. ومع ذلك، يمكن أن تصبح تجارة الطاقة بين الصين ودول الخليج هي الأداة المفضلة للصين للعب اللعبة الطويلة مقابل الدولار والبدء في تدويل اليوان، إذا كانت بكين تهدف إلى ذلك.