موضوعات وتقارير

“الحَبَل” اليهودي بالعالم كله لا يلد إلا بفلسطين

 

محمد السماك -أساس ميديا-

عندما أعلن الرئيس فلاديمير بوتين عن العمليّة العسكرية على أوكرانيا وصفها بأنّها عملية وطنية للدفاع عن الروس الذين يتعرّضون للاضطهاد في المناطق الشرقية من أوكرانيا. والقول إنّ العمليّة العسكريّة وطنية، يعني أنّ على جميع القوى دعمها ومؤازرتها، ومن بينها، بل في مقدَّمها، المؤسّسات والمراجع الدينية.

تجاوب البطريرك الأرثوذكسي كيريل مع هذه الدعوة، حتى إنّه بادر مراراً إلى مباركة القوات التي تتوجّه إلى الجبهة، وحتى إلى مباركة الأسلحة والذخائر الروسيّة.

ولم يتردّد مفتي روسيا الشيخ طلعت تاج الدين في السير على خطى البطريرك، حتى إنّ قوّات عسكرية من جمهورية الشيشان تشارك في الحرب، وقد خاضت حرب شوارع في العديد من مدن شرق أوكرانيا. وذهب الرئيس الشيشانيّ إلى تحريض الرئيس بوتين على استخدام السلاح النووي التكتيكي لحسم الحرب. أمّا المفتي تاج الدين فقد ذكّر المقاتلين الشيشان بأنّ مَن يستشهد منهم فإنّ الجنّة سوف تكون بانتظاره.

الكرملين وموقفه من الأديان

إلى جانب المسيحية الأرثوذكسية والإسلام، يعترف الكرملين من المسيحية بالكاثوليكية فقط. وقد سحب اعترافه بالكنيسة الإنجيلية بقانون صدر عن مجلس الدوما (النواب). ويعترف الكرملين أيضاً باليهودية والبوذية. إلّا أنّ الكاثوليك أقليّة صغيرة. انتقل معظمهم من عمق روسيا إلى أوكرانيا. وهم يتبعون الفاتيكان. والبابا فرنسيس أدان الحرب بشدّة، ودعا الرئيس بوتين إلى وقفها. ولكن من دون جدوى. وحاول البابا التعاون مع البطريرك كيريل، لكن من دون جدوى أيضاً، فكان أن رفع الصوت عالياً ضدّ الحرب. وكان البابا فرنسيس والبطريرك كيريل قد اجتمعا مرّة واحدة منذ سنوات قليلة في كوبا للبحث في أوضاع مسيحيّي الشرق عندما كان المتطرّفون الإرهابيون يرتكبون جرائمهم ضدّ المسيحيّين والمسلمين على حدّ سواء في سوريا والعراق وسواهما. وجرى إعداد لقاء بينهما في كازاخستان خلال مؤتمر دولي ديني في الشهر الماضي. غير أنّ اللقاء لم يتمّ.

الفاتيكان يجهد لوقف الحرب الروسية

يعتقد الفاتيكان أنّ جهداً مسيحيّاً مشتركاً بين الكنيستين الكاثوليكية والأرثوذكسية للضغط على السياسيين في أوروبا والولايات المتحدة يمكن أن يغيّر الوضع باتجاه وقف الحرب.

فالبابا يعرف أنّ الرئيس الأميركي جو بايدن يدين بالمسيحية الكاثوليكية. ولكنّه يعرف أيضاً أنّ القوى السياسية الأميركية تتأثّر في الدرجة الأولى بتوجّهات الكنيسة الإنجيلية. وربّما الحركة الدينية المسيحانية – الصهيونية هي الأوسع نفوذاً والأشدّ تأثيراً، إلّا أنّ الأدبيّات الدينية لهذه الحركة تتوجّه نحو مكان آخر، وهو إسرائيل، وانتظار العودة الثانية للمسيح. لن تكون عودة المسيح في أوكرانيا، بل في فلسطين، ولذلك تعتبر هذه الحركة الواسعة النفوذ السياسي في الولايات المتحدة ما يجري في أوكرانيا خارج دائرة الاهتمام الديني.

أدوار اليهود المُلتبسة

أمّا اليهود الروس فقد وجدوا أنفسهم مرّة جديدة في وضع لا يُحسدون عليه. فكبير الحاخامات في موسكو بنحاس غولدشميت هو من أصل سويسري. وعندما تلقّى التعليمات بوجوب إعلان تأييد العمليّة العسكرية الروسية في أوكرانيا، آثر الصمت ثمّ غادر موسكو إلى بلاده. ومن هناك أعلن أنّه اضطرّ إلى اتّخاذ هذا الموقف لأنّ تأييد العملية العسكرية يتناقض مع قناعاته الأخلاقية – الدينية (ماذا بشأن العمليات العسكرية الإسرائيلية ضدّ غزّة والضفّة الغربية؟؟). إنّ تأييد العملية العسكرية والاستجابة لطلب الرئيس بوتين والبطريرك كيريل يسيئان إلى اليهود في أوروبا والولايات المتحدة، وعدم تأييد العملية يعرّض يهود روسيا للانتقام. أضف إلى ذلك أنّ المشاعر الروسية ضدّ اليهود منذ العهد القيصري لم تكن أبداً مشاعر ودّيّة، وإن لم تُعلن.

وبالفعل ما إن غادر كبير الحاخامات موسكو حتى كرّت سبحة الهجرة اليهودية من روسيا إلى إسرائيل خوفاً من ردود فعل انتقامية. وبالنتيجة فإن مزيداً من الهجرة اليهودية هو مزيدٌ من المستوطنات في الضفّة الغربية والنقب. والمزيد من هذه المستوطنات يعني المزيد من اضطهاد الفلسطينيّين، مسلمين ومسيحيّين، وتهديم بيوتهم وأحيائهم.

سبقت هجرةُ اليهود من روسيا هجرةَ يهود أوكرانيا، وقد استُقبلوا في إسرائيل استقبال المواطنين وفق “قانون العودة” الإسرائيلي.

هكذا منذ وعد بلفور حتى اليوم تحمِل الأزمات الدوليّة التي يكون اليهود طرفاً فيها أو ضحاياها، لكنّها لا تلد إلا في فلسطين!!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى