3 سنوات على “17 تشرين”: لا تدَعوا “منظومة الترسيم” ترثُ “منظومة الفساد”
ليس صحيحاً أن ثورة 17 تشرين تبخّرت وذهبت أدراج الرياح. فبعد ثلاث سنوات على اندلاعها لا تزال تحفر في الوعي الذي أحدثته لدى الشعب اللبناني وتثير حنق الحاقدين عليها من الممانعين وفُجَّار السلطة الفارين من العدالة أو المعاقبين.
لم تنجح الثورة في تحقيق هدفها الأساسي وهو إسقاط “المنظومة الفاسدة”. هي لم تتوهّم القدرة على إقامة “الجمهورية الفاضلة”، لكنها طمحت الى سلطة بديلة تستعيد الدولة وتحاسب المفرّطين بالسيادة المنتهكين حقها في قرارها الاستراتيجي، والذين نهبوا خيراتها وسرقوا ودائع المواطنين. وهم، للمناسبة، ولعلم “النواب التغييريين” بالتحديد، أوعية متصلة، بل وعاء واحد في نهاية الطريق.
17 تشرين صوَّبت معنى «اليوم المجيد». يتذكرها اللبنانيون بفخر، لأنها بسلميتها وبعنفوانها فضحت دمويةَ 7 أيار وذلَّ 13 تشرين. لم تكن مُلكاً لطائفة ولا لحزب كونها جمعت المؤمنين بها، خصوصاً الشباب، تحت شعار المواطنية ودولة القانون السيدة. لذلك استهدفها عنفُ «الثورة المضادة» كاسراً حضورها في الشارع وحائلاً دون سقوط رموز لا تزال تتحكم بمصير البلاد. رئيس الجمهورية بقي مالكاً سعيداً في القصر بدل أن يُحال الى محكمة الرؤساء، والحكومات اجترّت رئيسي وزراء، أحدهما احتمى بدار الفتوى هارباً من مسؤولية يتحملها في انفجار 4 آب، وثانيهما راسخٌ في السلطة التي ثار عليها الناس، فيما كرر شعب «الثورة المضادة» اختيار جلادي البلاد، فأوصل الى ساحة النجمة نصف المجلس النيابي ممدِّداً نفوذ «المنظومة» القوي في السلطتين التشريعية والتنفيذية ورافداً قوى الأمر الواقع بجرعة إضافية من الاستقواء.
17 تشرين حية لأن مطلبها الأساسي هو حدٌ أدنى لقيام دولة عادية، تماماً مثل بداهة حق فتيات ايران في عدم ارتداء الحجاب. وسيبقى مطلب قيام هذه الدولة الحرة السيدة قائماً مهما اتخذ من أشكال وعبَّرت عنه قوى سياسية أو نيابية أو اجتماعية. «نواب التغيير» الذين اختارهم جمهور الثورة إحدى هذه الأدوات المشرقة، لكنهم يسقطون في الاختبار حين يفصلون بين السيادة والإصلاح، وحين يساوي بعضهم بخبث بين السياديين الذين كانوا في أساس 17 تشرين وبين جماعات 8 آذار التي مثَّلها بامتياز قلعُ عيون الثوار قرب البرلمان وحرق خيمهم في ساحة الشهداء.
قد تقضي اللعبة السياسية باللجوء الى بعض المناورات. لكن حديث الارتفاع فوق «الاصطفافات» لاختيار رئيس «توافقي» منزوع الدسم السيادي يحتاج الى جرعة من الأخلاق، ذلك أن ثورة 17 تشرين ليست في جوهرها مطلبية همُّها تحسين ظروف العيش ووقف الفساد، إنما هي امتداد لثورة 14 آذار التي أعادت الى لبنان حقه في السيادة مسقطةً الوصاية السورية والنظام الأمني على السواء. وحق جمهور 17 تشرين على نوابه عدم تدشين نشاطهم بالمساومات أو الاستسلام للتهديد بالتعطيل لأن نتيجتهما تمديدٌ للأزمة الخانقة وسماحٌ لـ«منظومة الترسيم» المتنازلة عن 1400 كلم من بحر لبنان بالحلول محل «منظومة الفساد» والعَوم على ظهر رئيس توافقي ضعيف وأوهام سيل دولارات من استخراج الغاز.
في الذكرى الثالثة لثورة 17 تشرين لا محل لليأس مهما كانت الصعوبات. سيبقى الرهان على الشعب والشارع إن خيبت آمالهما صناديق الاقتراع. هذا السُّبات ليس موتاً في أي حال من الأحوال… مَن كان يتصوَّر أن فتيات في مقتبل الحياة سيواجهن باللحم الحي لينزعن مع حُجُبهنّ مشروعية أعتى تيوقراطية تحكم ايران؟.