ثمنُ الترسيم: لبنان “يتوجّه غرباً” مقابل الكهرباء وانتعاش المصارف
أساس ميديا
لبنان “قدّم طلب انتساب” إلى النادي النفطي العالمي، وليس أكيداً أنّ الطلب سيكون مقبولاً. دونه شروط كثيرة، لا يكفي منها ما ورد في الفقرة “ج” من القسم الثاني من اتفاقية الترسيم البحري التي وقّعها لبنان. وهي تنصّ على أنّه يمنع التنقيب عن النفط في البلوك 9 من أيّ شركة عليها عقوبات دولية، أو لا تراعي تيسير الولايات المتحدة للاتفاق، أي أنّ الشرط هو “ألا تزعج” أميركا.
فبعد سنوات من تنظير الممانعين وحزب الله لـ”التوجّه شرقاً”، قرّر لبنان الرسمي، بموافقة حزب الله، أن “يتوجّه غرباً”، بالورق، وبتوقيع الرؤساء الثلاثة، والحكومة، وكلّهم حلفاء الحزب.
بدأ هذا التوجّه بشكل مباشر وعلني حين أصدرت وزارة الخارجية اللبنانية بياناً صادق عليه رئيس الجمهوريّة ميشال عون ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزير الخارجيّة عبد الله بو حبيب، أدان فيه غزو روسيا لأوكرانيا، وذلك في 24 شباط الماضي، بعد ساعات من بدء الغزو الروسي لأوكرانيا.
ويبدو أنّ ما خفيَ من “جبل جليد” الترسيم البحري بين لبنان وإسرائيل سيكون “أعظم” من ذلك البيان وإشاراته السياسية التي استعصت على بعض المتابعين في حينه.
الجديد ما حصل عليه “أساس” من معلومات خاصّة، عن “المقابل السياسي” الذي سيدفعه لبنان، للحصول على المردود المالي والاقتصادي من توقيع هذه الاتفاقية الحدودية. ودون هذا المقابل فإنّ مصير لبنان قد يكون شبيهاً بدول نفطية كثيرة، مفلسة، وحزينة، أبرزها فنزويلا وإيران.
لا تُعطي الولايات المُتحدة شيئاً بالمَجّان. لكلّ شيءٍ مُقابل، فكيف بالسّماح للبنان بالتنقيب واستخراج الثّروة الكامنة في مياهه؟
تعالوا نستعرض الالتزامات التي قدّمتها بيروت لواشنطن، مقابل المكاسب التي سيحقّقها لبنان، وبالطبع لم يرِد ذكرها بشكلٍ مُباشر في النّسخة النّهائيّة للاتفاق التي وافقَ عليها الجانبان اللبنانيّ والإسرائيليّ بوساطة الولايات المُتحدة.
ظهرَ مُختصر “الاتفاق الخفيّ” على لسان سفيرة الولايات المُتحدة لدى لبنان دوروثي شيا التي نقَل عنها بطريرك الأرمن الكاثوليك روفائيل بيدروس ميناسيان بعد لقائهما الثّلاثاء الفائت، بعد ساعات من إعلان التوصّل إلى اتفاق، نقل عن لسانها أنّ “المصارف ستسلك طريق التعافي قريباً. وستكون الكهرباء في حالة تجدّد قريباً ولبنان سيسلك طريق التعافي”.
وظهر هذا أيضاً في كلام الوسيط الأميركي آموس هوكستين الذي قال إنّ هذا الاتفاق طريقة للولايات المتحدة لضمان الازدهار الاقتصادي للبنان وطمأنينة من عدم وجود صراع وتأمين الحدود الشمالية لإسرائيل.
وكذلك ما قاله رئيس الجمهورية ميشال عون الجمعة: “موافقة لبنان على ترسيم الحدود البحرية الجنوبية تشكّل مدخلاً لمواجهة الأزمة الاقتصادية والمالية وللنهوض الاقتصادي وإعادة الإعمار”.
كانَ توقيت كلام السّفيرة الأميركيّة على ساعة اتفاق ترسيم الحدود. وبحسب ما علمَ “أساس” من مصدرٍ أميركيّ في وزارة الخارجيّة ومصدرٍ دبلوماسيّ عربيّ أنّ لبنان استحصل على باقةٍ تدفع خطوةً نحوَ الاستقرار الاقتصاديّ مُقابل ترسيم الحدود
تضمّ “الباقة الاقتصاديّة”، بحسب المصدرَيْن، ما يلي:
1- تُسهّل الولايات المُتحدة على المصارف إعادة أجزاء من الأموال التي حُوِّلَت في الفترة ما بيْن آب وتشرين الثّاني 2019، والتي خرجَت من البلاد قبل ثورة 17 تشرين بـ”تعليمةٍ” غربيّة – أميركيّة للقطاع المصرفيّ اللبنانيّ بعد اتّخاذ القرار بإدخال لبنان ضمن استراتيجية “الضّغط الأقصى” التي اعتمدتها إدارة الرّئيس السّابق دونالد ترامب ضدّ إيران وحلفائها في المنطقة لـ”تجفيف منابع الإرهاب في المنطقة”، والتي أفضت إلى إفلاس لبنان والعراق وسوريا واليمن.
ستكون إعادة الأموال على دفعات، ويرتبطُ مصيرها بتنفيذ خطوات الاتفاق بين بيروت وتل أبيب، وضمان عدم تغيّر الموقف اللبنانيّ.
يدخل ضمن التسهيلات المصرفيّة أيضاً تخفيف الولايات المُتحدة القيود غير المُعلنة على المصارف اللبنانيّة، والحسابات اللبنانيّة.
2- تغضّ الولايات المُتحدة النّظر عن استقدام لبنان للفيول الإيرانيّ لإنتاج الكهرباء، على اعتباره “هبة غير مدفوعة”، وهو ما لا يُناقض مبدأ العقوبات الأميركيّة ضدّ إيران، إذ تحظر واشنطن شراء وبيع النّفط الإيرانيّ وليسَ أخذه من دون مُقابل ماليّ أو مادّيّ.
3- تُسهّل الولايات المُتحدة حصول لبنان على قرض البنك الدّوليّ لتمويل مشروعَيْ استجرار الغاز المصريّ والكهرباء الأردنيّة عبر الأراضي السّوريّة مع ضمان عدم تعرّض المشروع لعقوبات قانون “قيصر”. ويؤكّد المصدران أنّ مصير مشروع الكهرباء والغاز كان مرهوناً بإتمام صفقة الترسيم، مهما قيل في وسائل الإعلام عكسَ ذلك.
4- وافقت الولايات المُتحدة على إعادة قسمٍ من النازحين السّوريين إلى سوريا، شرطَ أن تكون العودة طوعيّة وأن يضمَن المدير العام للأمن العام اللواء عبّاس إبراهيم أمنَ العائدين إلى الأراضي السّوريّة، وأن لا يُجبِر لبنان أيّ نازح سوريّ على العودة. وهذا ما دفع الرئيس ميشال عون إلى الإعلان عن البدء في إعادة النازحين السوريين إلى بلادهم، بعد ساعات من اتصال الرئيس الأميركي به لتهنئته على إتمام اتفاق الترسيم.
هذا عن الولايات المُتحدة. لكن ماذا سيُقدّم لبنان في المقابل؟
إضافةً إلى توقيعه على ملفّ الترسيم، يُقدّم لبنان ما يلي:
1- أن يُصوِّت لبنان في المحافل الدّوليّة مع القرارات الغربيّة ضدّ الغزو الرّوسيّ لأوكرانيا.
هذا ما يؤكّده الاجتماع الذي ضمّ رئيس الجمهوريّة ميشال عون ورئيس الحكومة المُكلّف نجيب ميقاتي ووزير الخارجيّة عبد الله بو حبيب في بعبدا يومَ الثّلاثاء، والبيان الذي أدان ضمّ روسيا للأقاليم الـ4 الأوكرانيّة. وكذلك تأييد لبنان للبيان الأممي الذي أدانَ الخطوة الرّوسيّة. وبكلمات أخرى، انضمام لبنان الرّسميّ إلى الفريق الغربيّ في مواجهة التغوّل السّياسي الشّرقي الرّوسيّ – الصّينيّ.
2- يضمن لبنان عدم دخول أيّ شريكٍ أو شركة روسيّة إلى قطاعات الطّاقة والنّفط، ولو بشكلٍ غير مباشر، ويتضمّن ذلك عدم قبول لبنان أيّ مُساهمة روسيّة في الكهرباء. وبالتالي يكون لبنان قد أكّد “التوجّه غرباً” من حيث اقتصار استثمار نفطه على فرنسا وأميركا ومن ترضى عنه واشنطن فقط.
3- يضمن لبنان بشكلٍ رسميّ، ومن خلفه حزب الله، عدم التعرّض لمنصّات الغاز في البحر المُتوسّط، وخصوصاً الإسرائيليّة، وأن لا يكونَ لبنان مُنطلقاً لأيّ عمل من شأنه التأثير على إمدادات الطّاقة لأوروبا.
4- يضمن لبنان عدم وصول أيّ من أموال النّفط والغاز إلى حزبِ الله ولو بطريقة غير مباشرة.
ماذا لو أخلّ لبنان بالاتفاق؟
أوصلَ المسؤولون الأميركيّون إلى “من يعنيهم الأمر” في لبنان رسالةً تقول إنّه في حال عرقل لبنان تنفيذ اتفاق ترسيم الحدود، فإنّه سيكون عُرضةً لعقوبات أميركيّة تستهدف الكيانات اللبنانيّة الرّسميّة، وليسَ فقط الشّخصيّات، كما كان يحصل في السّابق. وهذا الأمر إن حصلَ سيكون له ارتدادات سلبيّة خطرة تجعل من النّفط والغاز ثروة لا طائل منها، كما هو الحال تماماً في فنزويلا وإيران وغيرهما من الدّول.