إسرائيل تُسلّح الخليج: نحن مظلّتكم
يفضح تقرير نَشره موقع «بريكينغ ديفنس» الأميركي المتخصّص في الشؤون العسكرية، مدى هشاشة ثقة إسرائيل بحلفائها الجُدُد في الخليج، العلنيين والسرّيين، لبيْعهم تكنولوجيا عسكرية، على رغم المكاسب المالية الهائلة التي يمكن أن تجْنيها هي من صفقات عسكرية معهم، وهو ما دفع بالشركات الإسرائيلية إلى مطالبة وزارة الدفاع بتخفيف تلك القيود والسماح ببيع معدّات عسكرية للدول المذكورة، مجادِلةً بأن هناك طريقة لعقْد صفقات من دون تعريض الأمن الإسرائيلي للخطر. دول الخليج معتادة على هذا النوع من المعاملة، فقد عانت منه طويلاً في علاقاتها مع الولايات المتحدة ودول أوروبا الغربية، التي كانت وما زالت ترفض بيْعها أنواعاً معيّنة من الأسلحة، فيما دائماً ما وجدت طريقة للاستفادة من العقود العسكرية المليارية مع الخليجيين، من دون نقل معدّات حسّاسة إلى أيديهم. وأتاح وجود جيوش هذه الدول وقواعدها على أرض الخليج وفي مياهه، مرونة لها في الإشراف المباشر على أيّ سلاح نوعي قد تبيعه إلى أنظمة المنطقة. هكذا حدث مثلاً حين تولّى الأميركيون تحديد الأهداف لقوات تحالف العدوان على اليمن والمساعدة في تصويب صواريخها، من دون أن يسلّموا التكنولوجيا المسؤولة عن ذلك للطيّارين السعوديين.
المفارقة هي أن إسرائيل، في كثير من الأحيان، كانت تتوسّط للأنظمة الخليجية لدى الولايات المتحدة، للتعجيل ببعض صفقات الأسلحة لصالح الأولى، كما حصل عند توقيع عقْد بيْع الإمارات طائرات حربية من نوع «إف 35»، قبل سنوات، بغضّ النظر عمّا آلت إليه الصفقة لاحقاً. ويجري حالياً نقاش حول المسألة بين الصناعات العسكرية للعدو، المملوكة للقطاع الخاص، وبين وزارة الدفاع التي تشرف على مبيعات الأسلحة الإسرائيلية وتعطي الأذونات لها للبيع، خاصة في حالة السعودية التي فَتح وليّ عهدها، محمد بن سلمان، باب الاستثمار في الصناعات العسكرية ضمن شراكات مع شركات أجنبية، على مصراعَيه، على أن تشمل ما لا يقلّ عن 50 في المئة من قيمة الاستثمار في التصنيع داخل المملكة، وفق «رؤية 2030». وعندما يتحدّث مديرو شركات التصنيع العسكري الإسرائيلي، وحتى بعض مسؤولي وزارة الدفاع، عن إمكانية العثور على طُرُق لبيع تكنولوجيا متقدّمة لدول الخليج وتحديداً السعودية، مع ضمانات بأن تلك الصفقات لن «تسيء» للأمن الإسرائيلي، فهم يقصدون حتماً أن هذا السلاح أثناء وجوده في الخليج، سيكون تحت السيطرة الأمنية لإسرائيل، بما يمكّن الأخيرة من سحْبه أو على الأقلّ تدميره قبل وقوعه في أيدي مَن يمكن أن «يسيئوا» لأمن الكيان، في حال تَغيُّر أيّ نظام خليجي أو محاولة مجموعات معيّنة الاستيلاء على الأصول العسكرية. ويعني ذلك، عملياً، السيطرة الأمنية الإسرائيلية على الدول التي سوف يتمّ التعامل معها في المنطقة.
لكن مع ذلك، ما زال الموقف الرسمي لوزارة دفاع العدو هو عدم بيْع أي تكنولوجيا عسكرية حسّاسة، إلّا ضمن اتّفاقات من دولة إلى دولة، كما حصل عند توقيع اتّفاق أخيراً بين الكيان والإمارات، لبيْع الأخيرة دفاعات جوّية من نوع «سبايدر»، من صناعة شركة «رافاييل»، يشمل، بحسب تعريف الشركة له، «مجموعة أنظمة تعمل ضدّ تهديدات متنوّعة مِن مِثل هجمات بالطائرات الحربية والقاذفة والمروحية وصواريخ الكروز والمسيّرات». وإذ بقيت تفاصيل هذا الاتفاق غير معَلنة، لجهة أيّ من تلك التكنولوجيات ستحصل عليها أبو ظبي، إلّا أن اهتمام الأخيرة ينصبّ خصوصاً على تهديد المسيّرات والصواريخ التي سبق أن تعرّض عمقها لهجمات بها من قِبَل حركة «أنصار الله»، لإرغامها على وقْف مشاركتها في العدوان على اليمن. بالنسبة إلى السعوديين والإماراتيين وغيرهم من الخليجيين، الأمر محسوم إذاً. فلا شيء يتقدّم على الحاجة إلى الحصول على السلاح، سواءً في حالة السعودية التي وصفت المعارِضة مضاوي الرشيد علاقتها الأمنية بالعدو بـ «السرّ المكشوف»، أو في حالة الإمارات التي تتبجّح بتلك العلاقة، إذ يقول الأكاديمي الإماراتي، عبد الخالق عبد الله، المقرّب من رئيس الدولة، محمد بن زايد، إن «التعاون العسكري بين إسرائيل والإمارات والبحرين والسعودية سيستمرّ لأنه ذو جدوى، لكنه سيكون ثنائياً وليس جماعياً».
في الحالة السعودية، تكْمن فرص هائلة بالنسبة للشركات الإسرائيلية، التي تقول إن امتناع حكومتها عن تلبية حاجات المملكة، سوف يدفع الأخيرة إلى البحث عنها في أماكن أخرى. وفي المقابل، ينقل موقع «بريكينغ ديفنس»، عن عاموس جلعاد، الذي كان خلال ترؤّسه قسم الأبحاث في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية معنيّاً مباشرة بهذه المسألة، إنه يتفهّم حقيقة أن الصناعات العسكرية ترى سوقاً ضخمة محتملة لا تريد تفويت فرصة الاستفادة منها، إلّا أنه يعتبر أن «ذلك يمثّل رؤية الصورة من منظار ضيّق. فوحدها وزارة الدفاع ترى الصورة كاملة وتضع المصالح الإسرائيلية قبل أيّ شيء». على أن ما لا يتناوله الإعلام في نظرة إسرائيل إلى السعودية، هو أن مسألة بيْع الأسلحة إنّما تمثّل جزءاً واحداً من أجزاء كثيرة لعلاقة صارت متشعّبة، وإنْ كانت غير رسمية، تطمح فيها الأولى إلى السيطرة تماماً على الأمن السعودي ومعه الخليجي، وهي لا تُخفي اعتبارها أن وجود ابن سلمان في السلطة يوفّر لها فرصة هائلة لاختراق الخليج والعالم العربي، ولذا، فهي لم تتردّد في توفير الحماية له حتى من الدول الصديقة للمملكة، كالولايات المتحدة.
وإذ يُتوقّع أن يحتلّ الكيان العبري موقعاً رئيساً في أيّ ترتيبات أمنية مع السعودية لحماية نظامها من كلّ أنواع التهديدات الداخلية والخارجية، وأن يمثّل السلاح الإسرائيلي جزءاً مهمّاً من تلك الترتيبات، سواءً سُلّم إلى السعوديين أم لم يُسلَّم، فإن إسرائيل تظلّ تَنظر إلى البعيد في العلاقة مع المملكة أو غيرها من دول الخليج، ولذا فهي تريدها علاقة مؤسّساتية ثابتة. وقد تَمثّل التحوّل الكبير في هذا المجال، في نقْل ملفّ العلاقات مع الخليجيين من جهاز «الموساد» إلى وزارة الدفاع والجيش، فيما يكفي للدلالة على طبيعة رهانات تل أبيب، أن إحصائية للعدو تشير إلى مشاركة مسؤولين عسكريين وأمنيين إسرائيليين في 150 اجتماعاً خلال عام واحد مع نظرائهم في الخليج ومصر والأردن، وأن سلاحَي الجوّ والبحرية وأجهزة الاستخبارات شكّلت أقساماً خاصة للعلاقات الخارجية، للتعامل مع الجيوش العربية.