أحمد السعدون: “القطب” الكويتيّ… الذي عاد الميدان إليه
سعود عبد الله* – أساس ميديا
ما بين “القطب البرلماني” و”الرمز” و”الدستوريّ” و”الخبير” و”المُخضرم”، تتنوّع صفات رئيس مجلس الأمّة السابق أحمد السعدون، الذي سيعود إلى رئاسة السلطة التشريعية في الكويت، في أول جلسة يعقدها مجلس الأمّة الجديد في 11 تشرين الأوّل الحالي.
بدا من خلال النتيجة القياسية، التي حقّقها بحصوله على 12,239 صوتاً، أنّ الناخب الكويتي لم يُصوّت لعودة الرجل إلى مجلس الأمّة، بقدر ما كان تصويتاً مباشراً على عودته لرئاسة المجلس، بعد مقاطعته الانتخابات منذ العام 2012، احتجاجاً على ما يُعرف بمرسوم “الصوت الواحد” الذي أعطى الناخب حقّ التصويت لمرشّح واحد فقط، بدلاً من أربعة كما كان في السابق.
هذا وتشير مواقف النواب الجدد، سواء بعد فوزهم أو حتى قبل الاقتراع، إلى حجم التعويل الكبير على رئاسة السعدون وقدرته على إرساء نهج جديد، سواء في العلاقات النيابية – النيابية أو النيابية – الحكومية.
حرص الكثير من المرشّحين خلال حملاتهم الانتخابية على الحديث بشكل حاسم عن “الرئاسة السعدونيّة” الجديدة، ودعا كثير منهم بعد ساعات من الفوز إلى “تزكية” السعدون للرئاسة، وهو أمر مرجّح بقوّة لعدم وجود أيّ منافس حقيقي على المنصب.
خبرة 5 عقود
الرجل صاحب الكاريزما القويّة، البالغ من العمر 88 عاماً، تمتدّ خبرته في الشأن العامّ لأكثر من خمسة عقود، إذ عمل وكيلاً مساعداً لشؤون البرق والهاتف في وزارة المواصلات إلى أن ترك العمل الحكومي في العام 1974.
كان من مؤسّسي نادي كاظمة في العام 1964 وشغل منصب أمين السرّ فيه حتى العام 1968، وبقي عضواً في مجلس إدارة النادي حتى العام 1982.
بعد ذلك بأربع سنوات، شغل منصب رئيس الاتحاد الكويتي لكرة القدم (1968 – 1976)، وكذلك منصب نائب رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم منذ العام 1974 حتى العام 1982.
لم يخسر السعدون في جميع الانتخابات الـ12 التي شارك فيها بين 1975 و2022. بقي عضواً في مجلس الأمّة منذ 1975 إلى 1985، عندما انتخب رئيساً للمرّة الأولى، ثمّ انتخب رئيساً مرّة جديدة في 1992 وأخرى في 1996.
بعد ذلك في 1999، تمكّن الراحل جاسم الخرافي من الفوز برئاسة المجلس، قبل أن يعود السعدون رئيساً في العام 2012.
لوحة وصورة
هذه الخبرة البرلمانية الهائلة التي يتمتّع بها “العمّ” أحمد السعدون، يُعوَّل عليها في هذه المرحلة لنقل الكويت من مرحلة التشاحن البرلماني – الحكومي إلى مرحلة الاستقرار.
على جدران ديوانه صورتان تعكسان الكثير من شخصيّته: الأولى لوحة ضخمة للدستور، والثانية صورة تاريخية للمصادقة على الدستور من قبل الأمير الراحل الشيخ عبدالله السالم في العام 1962.
كلّ الأجواء التي سادت الكويت منذ الخطاب الأميري الشهير في حزيران 2022، الذي ألقاه وليّ العهد الشيخ مشعل الأحمد نيابة عن الأمير الشيخ نوّاف الأحمد، تُمهّد لهذا الانتقال الذي يحتاج إلى قامة بحجم السعدون تحظى بشبه إجماع شعبي ونيابي لدرجة أن سادت مقولة في الكويت تفيد أنّه سواء اتّفقت أو اختلفت مع الرجل في السياسة، فإنّك لا تستطيع إلّا أن تحترمه.
يقول المخضرمون إنّ السعدون لديه ذاكرة حديديّة، وإنّه يحفظ عن ظهر قلب الكثير من موادّ الدستور ببنودها وفقراتها، فضلاً عن إلمامه الواسع باللائحة الداخلية لمجلس الأمّة، وهو ما يسهّل عليه قيادة الجلسات، منعاً لتكرار المشاهد المطبوعة في الأذهان عن نوّاب يعتلون منصّة الرئاسة لمنع التصويت على استجواب أو قانون، أو نواب يتعاركون بالأيدي، أو نواب يجلسون في مقاعد الوزراء لمنع انعقاد الجلسات، كما جرى العام الماضي.
ضبط الإيقاع
توحي تركيبة المجلس الجديد بأنّ السعدون سيكون قادراً على “ضبط الإيقاع”، عبر ممرَّيْن أساسيَّين:
1- ترشيد المعارضين الذين قد يذهبون بعيداً بلا طائل، ومنع مساعي آخرين إلى “التخريب”.
2- خلق توازن بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، وجعل العلاقات بينهما قائمة على الفصل والتعاون، كما ينصّ الدستور.
في الممرّ الثاني، سيكون السعدون لاعباً رئيسياً في الدفع باتجاه إقرار قوانين إصلاحية تشمل تنويع مصادر الدخل وحلّ بعض الملفّات المستعصية، مثل القضية الإسكانيّة وتطوير التعليم، بما يواكب برنامجاً تنموياً يُفترض أن تبدأ الحكومة الجديدة بتنفيذه، فور تولّيها مهامّها خلال الأيام العشرة المقبلة.
يُجمع المراقبون للشأن السياسي الكويتي على أنّ رئاسة السعدون لا تكتسي أهميّة فقط انطلاقاً من عودته بعد غياب 10 سنوات، وإنّما أيضاً لكونها تأتي في مرحلة يُراد لها أن تكون فاصلة بين زمنَيْن: زمن الخلافات الكبرى والصراعات بين الحكومة والنواب، وزمن الاستقرار الذي يسمح بالنهوض بالإصلاح بعيداً عن “التأزيم”.
في المحصّلة وبالنظر إلى خبراته المتراكمة ودقّة المرحلة التي تمرّ بها الكويت، ربّما من الصحيح القول إنّ السعدون عاد إلى الميدان، لكنّ الأدقّ أنّ الميدان هو من عاد إليه.
*كاتب كويتي