الرئاسة في لبنان على سعر صرف خارجي ..؟!
بالمبدأ تخلص الرئيس بري من الضغوطات الدولية والاقليمية وبعض المزايدات اللبنانية خصوصا عدداً من الكتل النيابية التي منذ دخولها المجلس بأيار الماضي لم تقوم بأي نشاط او عمل تشريعي يذكر ، بسبب وضعها اولوية باجندتها السياسية وهي انتخاب رئيس للجمهورية ، كل تلك الضغوط والمزايدات كانت تلاحق بري بالمباشر وبالهمس لحثه على الدعوة لانتخاب رئيس للجمهورية بالمهل الدستورية التي بدأت اول شهر ايلول ..
فعلها رئيس المجلس دون سابق انذار او تشاور ودعا لجلسة لانتخاب الرئيس كان يعلم كما غيره من سائر مكونات المجلس كيف سيكون شكلها ومضمونها واخراجها ، انتهت الجلسة بفوضى سياسية ورئاسية جعلت دعوة بري بختام المجلس الى التوافق العام لتحديد موعد اخر لجلسة انتخاب رئيس مدخلا الزامياً لكل المتحمسين والمستعجلين لجلسات متتالية لانتخاب رئيس ؟ان يفرملوا هذا الحماس والاستعجال ، لالتقاط الانفاس واعادة ترتيب الاوراق والتي بدت مبعثرة وغير ناجعة بجلسة ٢٩ ايلول ، ولا يستبعد ان تقوم هذه الجهات العجولة سابقاً بممارسة ضغوط مختلفة على بري مجدداً تقضي بالطلب والتمني عليه ان لا يحدد جلسة قريبة لانتخاب رئيس ولو جاءت بعد انتهاء ولاية عون ب ٣٠ تشرين الحالي ..
كثيرة هي العبر والاستنتاجات من جلسة ٢٩ ايلول ، لكن الخلاصة الابرز فيها هي الارتباك والتخبط الخارجي حول ملف الرئاسة اللبنانية ، وليس فقط التشتت والانقسام وغياب التوازن السياسي والنيابي في الداخل اللبناني رغم تاثيره الاساسي ، فمعزل عن جولات السفير السعودي على مختلف الكتل والشخصيات السياسية والروحية في لبنان والتحدث بشكل صريح وفظ ووقح بلقاءاته وفي الاعلام عن مواصفات محددة للسعودية تريدها بالرئيس المقبل ، وبغض النظر عن العمل اليومي على مدار الساعة من السفارة الامريكية والفرنسية وعددا من السفارات الغربية بملف انتخاب رئيس جديد للجمهورية على اختلاف اجنداتهم ومواصفاتهم للرئيس العتيد ..
فإن الواقع الفعلي لمركز القرار بهذه الدول كافة والتي لها تدخل مباشر ووازن وفاعل بالشؤون اللبنانية وتوازناتها… لا يمكن حالياً ان يكون له دور متقدم بالملف الرئاسي اكثر من جولات ولقاءات واستطلاعات يقوم بها سفراء هذه الدول ولمدة وسقف محدود ..
امريكا منشغلة الان بملفات دولية ساخنة منها الحرب الروسية على اوكرانيا وتداعيات الحرب الاقتصادية والنفطية على اوروبا والعالم ، والدول الغربية تقع في صميم هذه الازمة وابرز هذه الدول فرنسا والمانيا ، كما ان واشنطن تنهمك بالملف النفطي العالمي الذي لا يبدو بعيداً او منفصل عن الاتفاق النووي مع ايران ..
اما السعودية فلديها اولوية ترتيب انتقال العرش لولي العهد محمد بن سلمان الذي لا يبدو حتى الان سيكون انتقال سلس وهادىء دون ان يمر بعوائق وتداعيات سعودية سعودية ..
وفي ايران تخطوا طهران خطوات دقيقة ومصيرية تتعلق بوجودها ونفوذها بالمنطقة وعلى الخارطة الدولية من الاتفاق النووي الى التقارب مع روسيا بالاضافة الى ترتيب اوراق الساحة العراقية والسورية وربط نزاع مرتقب مع الخليج وتثبيت الاستقرار الداخلي ، فضلاً عن ان طهران تتعامل مع الشؤون الداخلية اللبنانية بعين ورأي وقرار حزب الله ولا ترى حاجة للدخول باي ملف لبناني داخلي مع اي مكون لبناني او خارجي واكثر ما يمكن ان تقوم به هو نقل رسائل من جهات دولية واقليمية لحزب الله دون ممارسة اي ضغط او طلب من الحزب ..
اما سوريا والتي لا يمكن تغيبها عن الواقع اللبناني باي شكل ، فهي ايضاً منصرفة نحو ترتيب اوراقها الداخلية والخارجية وتشهد اعادة انتشار وتموضع سياسي وعسكري مع الحلفاء والخصوم الذين يتواجدون على اراضيها ، وصولاً لارساء معادلة سورية داخلية وخارجية يبدو مسارها عسير وشاق ..
لبنان الان في عين العاصفة بما يجري دوليا وإقليمياً لكنه ليس اولوية او حتى بنداً أساسياً في خارطة الصراع الدولي والخارجي ، لذلك سيكون الملف الرئاسي اللبناني بميزان ما قد يفرزه الخارج من ربط نزاع او مواجهة او تسوية وكل هذه الخيارات غير متاحة اقله حتى بداية عام ٢٠٢٣ ..
عباس المعلم / كاتب سياسي