استعادة الرئاسة واستحقاق وحدة المعارضة
بشارة شربل-نداء الوطن
حبذا لو يصير 29 أيلول تاريخاً يفخر به اللبنانيون. فيتوجه النواب بنيّات صافية الى المجلس متوافقين على انتخاب رئيس محترم يليق بعذابات الناس وبقهرهم ويضع اللُبنة الأولى لخروجهم من كارثة الانهيار الاقتصادي بالتوازي مع استعادة الدولة التي تتحلل تحت أنظارنا.
تفاؤل مبالغ فيه، نعم. يستند حتماً الى موقف عاطفي وتبسيط للعبة سياسية ديموقراطية أرادوها معقدة وخبيثة مناقضة لاسمها، لكنه في المبدأ حقٌ للبنانيين المسروقين والمقهورين ولسائر المواطنين الذين تعبوا من سلطة فاسدة استباحت دولتهم وحدودهم وأموالهم وأخذتهم رهائن في حسابات الاقليم والمشاريع الفئوية.
دعونا من الآمال العريضة، ولنعُد الى السياسة الواقعية. الدعوة الى انتخاب رئيس يمكن تحويلها مقدمة لسياق جدي يؤدي الى تظهير صورة ساكن بعبدا الجديد قبل الموعد الذي ينتظره الجميع، مثلما قد تكون “وَصْلة” راقصة قبل عروض “سيرك” مفتوح على جلسات عقيمة وشغور تُذكّر بالتعطيل المديد الذي أودى بنا الى جحيم “العهد القوي”.
خطوة الرئيس بري تعجل في اختبار الجميع. هو نفسه سيضطر في وقت ليس بعيداً أن يخرج من كُمِّه “الأرنب” الذي تفاهم عليه مع توأمه “الثنائي”، سواء كان فراغاً مدروساً ينتظر تطورات اقليمية ليبنى على الشيء مقتضاه، أم مرشح وفاق وطني يحصد الإجماع، أو توافقياً مُقْنعاً لأكثرية الثلثين، أو مستفزاً قميئاً يتابع إغراق البلاد في الحفرة ويقطع الأمل بترميم علاقات لبنان العربية ضارباً المسمار الأخير في نعش “الطائف” وفاتحاً الباب لمطالبات بطلاق هو “أبغض الحلال”.
لا يُطلب من “المنظومة” ان تغيّر جلدها، وقد تفاجِئنا بما لا يسرُّ الخاطر. فهي أظهرت منذ افتتاح البرلمان الجديد خبرة وقدرة جعلتاها تقتنص بسهولة ربح ثلاث جولات: نيابة رئاسة المجلس، اللجان النيابية، الموازنة التعيسة. ولا سبب لهذه المكاسب سوى شرذمة المعارضة وغرور بعض التغييريين ممزوجاً بسرديات “الحرب الأهلية”.
جيّد أن يقتنع التغييريون بأنهم يمثلون ثورة 17 تشرين التي لم ترفع شعارات التسوية مع المافيا الحاكمة ولا راهنت على “ربط نزاع” مع من تسبب بالإفلاس وسيَّب المعابر ومنَعَ التحقيق بجريمة تفجير مرفأ بيروت. جمهور التغييريين سيادي بامتياز، وحقه على هؤلاء ألا يشكلوا ثغرة في وحدة المعارضة بلعبة التمايز وفرض الإيقاع والإدعاء انهم في “صف” فوق “الاصطفافات”.
انتخاب رئيس للجمهورية استحقاقٌ يجب ألا تخسره المعارضة لإيصال رئيسٍ مثقف ومؤمن بوجوب تنفيذ بنود “الطائف” وقادر على استخدام موقعه لا للصدام مع “الدويلة” بل لإفهامها بأن لها تاريخ صلاحية ترتسم ملامحه في المنطقة مثلما هو حاجة لبنانية ملحة لمعاودة انهاض الدولة. رئيس يستلهم روح 17 تشرين ونزاهة الياس سركيس رافعاً لواء الشرعية والمواطنية، فيحاور بلا تنازل لا عن معبر حدودي ولا عن كرامة مواطن له الحق في مقاضاة المرتكبين ومحاسبة الناهبين.
على المعارضة المشتتة أن تقتنع بأنها أكثرية معلقة، قادرة على ايصال رئيس جيد إن لم يكن الرئيس المثالي. صار الاستحقاق داهماً وبعبدا تنتظر من يعيد الى الرئاسة قيمتها. لا وقت لإضاعة الوقت.