بات واضحاً أن الإلتزام الأميركي بإيصال مفاوضات الترسيم البحري بين لبنان و»إسرائيل» إلى خواتيمها الإيجابية وذلك بمعزلٍ عن الأسباب والموجبات التي تدفع بواشنطن، وتحديداً إدارة الرئيس جو بايدن، إلى ممارسة نفوذها في أكثر من اتجاه وعاصمة، من أجل الدفع بفريقي ملف ترسيم الحدود البحرية الجنوبية، إلى التقاطع عند إنجاز الإتفاق في الأسابيع القليلة المقبلة. وقد عكس الموفد الأميركي إلى مفاوضات الترسيم آموس هوكشتاين، هذا الإلتزام على مدى الأشهر الماضية وفي المراحل الأخيرة للمفاوضات، خصوصاً في ضوء الحرص الأميركي على تسريع عملية تزويد الدول الأوروبية بالغاز من منطقة الشرق الأوسط، وذلك كبديلٍ عن الغاز الروسي. لكن ترجمة هذا المناخ الأميركي، لا تتمّ بالشكل الذي يسعى إليه هوكشتاين، والذي عبّر عنه في تصريحاته في قصر بعبدا وفي مطار بيروت خلال زيارته الأخيرة، إذ تكشف مصادر سياسية مطلعة، عن تناقضٍ لافت، ما بين المعلومات التي كانت انتشرت سابقاً حول الوساطة الأميركية والموقف الرسمي الذي أعلنه هوكشتاين، والذي تحدث بشكلٍ إيجابي عن المفاوضات الجارية، ولكن من دون أن تكون المعطيات المنقولة عن متابعين لمحطات زيارته الأخيرة، على المستوى ذاته من هذه الإيجابية.

وتشير المصادر المطلعة إلى أن ما هو مؤكد حتى الساعة على هذا الصعيد، أن مسار المفاوضات سيتواصل في الأسابيع المقبلة، بعدما شقّ طريقه نحو إحراز نوعٍ من التقدّم ولكن من دون أي إعلان رسمي خصوصاً من الجانب اللبناني، وذلك في ضوء الكلام المستجد عن الترسيم في البرّ تزامناً مع الترسيم في البحر. وبالتالي، فإن التناقض في المعلومات المتداولة، لا يحمل أي ترجمةٍ للإيجابية الأميركية التي تكاد تكون مصطنعة بحسب هذه المصادر، وذلك لأن الوتيرة السريعة لزيارة هوكشتاين إلى بيروت، تؤكد أن ما من تقدم جدي وما من عناصر ملموسة تشي بالوصول إلى اتفاق حدودي في المدى المنظور، خصوصاً وأن الوسيط الأميركي لم يغفل الإشارة قبيل مغادرته المطار، بأنه على اللبنانيين العمل لتحقيق أي تقدم.

وعليه، فإن التعقيدات التي تحدث عنها هوكشتاين نفسه خلال لقاءاته مع المسؤولين اللبنانيين، هي التي لا تزال تتحكم بمشهد المفاوضات، كما تُضيف المصادر المطلعة نفسها، وخصوصاً وأن مهمته محددة وهي تقتصر فقط على العمل من أجل إنجاز اتفاق على الحدود البحرية بين لبنان و»إسرائيل» فقط، وذلك من دون الدخول في أية محادثات تحت عناوين أخرى تتصّل بالحدود وبالترسيم البري على سبيل المثال.

ومن هنا، فإن تعميم المعلومات والأجواء الإيجابية كما حصل قبل وبعد زيارة هوكشتاين، تضعه الأوساط المطلعة نفسها، في سياق تحقيق المكاسب السياسية الداخلية بالدرجة الأولى، لا سيّما وأن أية تفاصيل قد تمّ الإعلان عنها بالتزامن مع هذه الأجواء، باستثناء الإشارة إلى أن الجانب اللبناني استمع إلى ما حمله الوسيط الأميركي في جعبته، وسوف يتدارس المواضيع والأفكار المطروحة تمهيداً للخروج بموقفٍ موحّد منها.