احتلال القصر الجمهوري
كتّاب الديار
…»والدولة بين لحظة التحلل ولحظة التفجر، لم يكن ضرورياً أن تدخل المرجعيات الدينية السنية في العراك الشخصي بين الرئيس نجيب ميقاتي والنائب جبران باسيل. بالتالي، تحويل النزاع السياسي الى صراع ايديولوجي حول الصلاحيات الدستورية»…
«كما لم تكن منطقية تغريدة السفير وليد بخاري التي ذكّرت بالميثاق الوطني الذي لم يكن ميثاقاً يعتد به بل صفقة بين الطرابيش تكرست فيها ثنائية عرجاء في بلد قام على التنوع السوسيوسياسي والسوسيوطائفي»…
الكلام من صالون مرجع سياسي رأى أن البخاري، بالاضافة الى تدخله في مسألة داخلية فائقة الحساسية، وانحيازه الى طائفة دون أخرى، بدا وكأنه يلغي، بشطحة قلم، أو بشطحة خيال، الوثيقة التي وقعت عام 1989 على أرض بلاده، وكان البلاط السعودي عرابها. الوثيقة التي توخت معالجة الثغرات في ميثاق 1943. وقد يكون فات صاحب السعادة أن الميثاق الذي قال انه «مصاغ بلسان عربي فصيح» كان شفوياً لا مكتوباً…
المرجع رأى أن المقاربة الطائفية للأزمة زادت في تعقيد المشهد، وربما في امكانية تفجيره، خصوصاً اذا كان رجل القصر بنرجسية الجنرال الذي عرف بضرباته العسكرية العشوائية، والذي يمكن أن يقدم في اللحظة الدستورية (أو اللادستورية) الأخيرة على ضربات سياسية عشوائية تدمر ما تبقى من الهيكل، بعبارة «أنا لبنان ولبنان أنا»، تماماً ما كان شارل ديغول يقول «أنا فرنسا وفرنسا أنا».
لا ندري ما اذا خطرت في باله صرخة السيد المسيح في وجه الفريسيين «أنا الهيكل» بمعنى «أنا الجمهورية» !
جبران باسيل الذي يصفه رئيس حزب مسيحي بـ «صبي القصر» هدد بالفوضى الدستورية مقابل الفوضى الدستورية. أسئلة كثيرة طرحت في صالون المرجع السياسي. حتماً، الرئيس ميشال عون سيخلع الوشاح الرئاسي منتصف ليل تلك الليلة (الليلة الليلاء)، تاركاً للوصيف الرئاسي أن يواجه على الأرض رئيس حكومة تصريف الأعمال.
وزراء التيار سيعتكفون (باعتبار أن الاستقالة قائمة) ليضاف الفراغ الاداري الى الفراغ السياسي، والفراغ الدستوري. ولكن هل حقاً ما يشاع من أن «جماهير» التيار ستحتل القصر؟ ماذا يعني ذلك اذا كان القصر قد خلا من أي معنى؟ المعنى في «ارغام» الجنرال على البقاء على كرسيه، دون أخذ الأمثولة مما حدث عام 1991…
اذا اعتكف وزراء التيار، لن يكون وضع حكومة ميقاتي مماثلاً لوضع الحكومة العسكرية التي أصدر الرئيس أمين الجميل مراسيم تشكيلها في ربع الساعة الأخير من ولايته، حين استقال كل الوزراء المسلمين. ثمة قوى مسيحية أخرى ممثلة فيها، وان حصل اختلال في التمثيل الماروني بالذات.
في كل الأحوال، كيف يمكن أن تناط بحكومة تصريف الأعمال، وحيث تتشابك، وتتناقض، المصالح والأنانيات، الصلاحيات الرئاسية، وان كانت الصلاحيات الفضفاضة والضبابية. هذا ما تكشفه الأراء، والأبحاث، الدستورية التي لا يمكن الاعتداد بها كونها تصدر عن خبراء بخلفيات سياسية، أو طائفية، لا تخفى لذي نظر.
عشية غروب الجمهورية الرابعة في فرنسا، وحيث الخواء السياسي في ذروته، نشرت صحيفة «لوكانار أنشينه» الساخرة رسماً كاريكاتورياً للدستور وقد بدا على شكل هيكل عظمي معلق على الخشبة.
القيامة كانت باطلاق ديغول الجمهورية الخامسة. من يطلق الجمهورية الثالثة في لبنان، الأمر الذي بات ضرورياً جداً، وملحاً جداً، لازالة طبقة سياسية اختزلت كل موبقات التاريخ؟
أثنا لقاءات المرجعيات الدينية تأكيد على مبدأ «التوقيع للتوقيع»، في ما يتعلق بصلاحيات
رئيس الجمهورية في موضوع تشكيل الحكومات. هنا رئيس الدولة باشكاتب، مقابل أن تحتفظ الطائفة المارونية، كونها الأساس في قيام «دولة لبنان الكبير»، بمفاصل «الدولة العميقة» (قيادة الجيش، حاكمية المصرف المركزي، ورئاسة مجلس القضاء الأعلى).. .
عودة الى صراع النصوص، وصراع الصلاحيات، وصراع المافيات (على أنواعها)، ما يستتبع، جدلياً، صراع الخنادق. كل شيء يشي بأن آلهة النار في الميتولوجيا اللبنانية ينتظرون لحظة تقرع الأجراس…