العودة إلى زخم المقاومة
في نهاية الثمانينيّات، وقعت الفتنة الداخلية الكبرى، ودارت معارك قاسية، وانعكس ذلك سلباً على أداء المقاومة. بعد توقّف الاقتتال، ثمّ توقف الحرب الأهلية في لبنان، وبدء تنفيذ اتفاق الطائف، عاد تمركز المقاومة بشكل أساسي الى الجنوب. وبدأت عملياتها على مواقع العدو على طول الشريط المحتل، والتي كان يشغلها اللحديون، بهدف تدمير بنية «جيش لحد» الذي وصل إلى حدود التفكّك لولا أن العدو كان يأتي بقواته لحمايتهم، في وقت كان دور اللحديين الأول هو حماية الجيش الإسرائيلي.

استمرّت هذه العمليات، وسقطت المواقع اللحدية واحداً تلو الآخر، وصار اللحديون يهربون ويتركون المواقع ولا يثقون حتى بالحماية الإسرائيلية. كما توجّهت المقاومة نحو تنفيذ عمليات مؤثّرة ضد العدو. و«تجاوزنا كل الصعوبات ورفعنا مستوى المواجهة إلى العمليات الاستشهادية المتتالية (عملية الشهيد الحر العاملي، عملية الشهيد الشيخ أسعد برو، عملية الشهيد هيثم دبوق)، التي أرعبت العدو بقوّة». كان ذلك، حتى دخلت المنطقة في مسار «التسوية السياسية» مع إسرائيل، على ضوء الغزو العراقي للكويت وتحريرها من قبل الأميركيين ومن معهم، وأصبح الجميع أمام واقع جديد. يتحدث القائد الجهادي عن هدف مستجدّ للمقاومة آنذاك. إذ تقرّر الانتقال من مرحلة «القتال التصاعدي» لإثبات الجدوى، الى مرحلة إثبات أن المقاومة هي الخيار الأقوى، مقابل خيار التسوية، وأصبح عنوان المرحلة: «المقاومة هي الخيار الاستراتيجي لاستعادة الحقوق، لا المفاوضات». ويضيف: «هذه المرحلة تطلّبت كثيراً من التغييرات على صعيد البنية والهيكل. بدأنا العمل على هذه التغييرات منذ الأيام الأولى لبدء التسوية». بعد تطور عمليات المقاومة، «كان الإسرائيليون يعرفون المفاصل الأساسية لجسم المقاومة الفتيّة، ويدركون أن الأمين العام حينها، الشهيد السيد عباس الموسوي، كان محرّكاً أساسياً للعمل العسكري المقاوم، وقائداً له رمزية كبيرة في نفوس المقاومين والأهالي، وبالتالي اعتقدوا أن اغتياله يضعف قوّة جبهتنا». في 16 شباط 1992، استهدفت مروحيات عسكرية موكب السيد عباس الموسوي لدى عودته من بلدة جبشيت، حيث شارك في ذكرى اغتيال الشهيد الشيخ راغب حرب، ما فاستشهد مع زوجته وولدهما الأصغر. «انتخب السيد حسن أميناً عاماً قبل دفن السيد عباس. في اليوم نفسه، منذ اللحظة الأولى، أخذ توجّهاً واضحاً بالعمل على تفعيل عمليات المقاومة وتزخيمها الى أقصى حدّ لأنه يجب أن يفهم العدو أن شهادة السيد عباس لم ولن تضعف المقاومة، بل زادت من قوتها». وبحسب اعتقاد القائد الجهادي، فإنّ العدو «فهم آثار اغتيال السيد عباس وندم عليه لاحقاً، ويمكن القول إن ما جرى بعد الاغتيال، ردعه لاحقاً عن محاولة اغتيال السيد حسن وبعض الكوادر الأساسيين». بناءً عليه، اعتمدت المقاومة خياراً تصاعدياً في العمليات النوعية. «بدأنا بعملية في موقع علمان الشومرية، حيث سقط لنا سابقاً 22 شهيداً. فعمدنا الى تدمير الموقع وأسر أربعة عملاء».
 

العمل داخل الشريط
بدأ عمل المقاومة يأخذ منحىً تصاعدياً ويتّخذ مسارات جديدة، خصوصاً في المسار الأمني. «أطلقنا ورشة تجنيد كبيرة داخل الشريط الحدودي. وبدأت عمليات خاصّة مع تصاعد أربك العدو الذي لاحظ تنامياً كبيراً في قدرات المقاومة. فأطلق في تموز 1993 عملية تصفية الحساب، رداً على إطلاقنا عدداً من الصواريخ على إحدى المستوطنات شمال فلسطين». في تلك الحرب، «كنا نعمل على تثبيت المقاومين ورفع معنوياتهم دائماً. أذكر أن الشهيد مصطفى بدر الدين (ذو الفقار) سألني بعدها عن سبب تنقّلي الكثيف بين عدد كبير من المحاور في حرب لم تتجاوز الـ 6 أيام، وقال لي: مش مخلّي محلّ مش رايح عليه! ليش؟ فأجبته بأن جيلنا عاش هذا النوع من الحروب والغارات عام 1982، لكن الجيل الجديد من المقاومين عمل إما في تنفيذ عمليات موضعية، أو الخدمة في المحاور، لذلك من الضروري أن يرونا بينهم طوال الوقت ما يساعد على تثبيتهم طوال المعركة».
بعد توقّف العدوان، انتقلت المقاومة الى مرحلة جديدة. «الخطة قضت بالعمل على هدفين: الأول، رفع مستوى المقاومة. والثاني، الاستعداد للحرب المقبلة في إطار الدفاع، ومنع العدو من تحقيق أهدافه. كنا نعلم أن الإسرائيلي لن يتحمّل المرحلة المقبلة، خصوصاً بعدما اتّخذت سوريا بقيادة الرئيس حافظ الأسد قراراً بتسهيل وصول السلاح الإيراني بشكل مختلف». ويتابع: «اعتبرنا أن الحرب المقبلة ستكون مختلفة، وأننا يجب أن نتعلّم كيف نتخطّى أخطاء الـ 93، ونبدأ بالتركيز على المرحلة المقبلة بالالتفات الى أمرين أساسيين:

– الناس، أي جمهور المقاومة الذي أصبح حينها من أصول العمل المقاوم، إذ إن الناس لم يعودوا مجرّد أفراد متلقّين، بل اختلفت نظرتهم إلينا، وصاروا يسعون إلى مساعدتنا.
– التخطيط العسكري، قبل ذلك كان لدينا فعل مقاوم. الآن علينا التحضير لحرب. لذا كان علينا التفكير في كيفية تحضير السلاح والصواريخ والخطط، وكيفية تغطية الحرب ونقل الصورة والالتفات الى الحاجات المدنية التي زادت مع ارتفاع مستوى البنية، نتيجة رفع مستوى التحدي».

تطوير التشكيل العسكري
في هذه المرحلة، انتقلت قيادة المقاومة الى مستوى جديد من العمل والتخطيط. وبدأت مرحلة «التشكيل العسكري التطوري». إذ «صار على المقاومة، بعد حرب 1993، الالتزام بمستوى محدّد لتكون أكثر تأثيراً. فعمدت إلى تكثيف العمليات ضد المواقع التي يتمركز فيها جنود العدو، وليس مواقع عملاء جيش لحد. من هنا، كان القرار بتنفيذ عملية الدبشة (29 تشرين الأول 1994) لرفع المستوى. كان واضحاً لدينا بعد عدوان 93 أن علينا العمل على رفع سقف المواجهة مع العدو. وهذا لا يتحقّق بالكمّ، بل بالنوع والعمليات الاستثنائية». ويعود القائد الجهادي الى الفترة التي «نفّذنا فيها عمليات استشهادية مثل عملية الشهيد عباس الوزواز الذي قام بمواجهة استشهادية في الناقورة (18 آب 1994)، وصلاح غندور الذي استهدف دورية إسرائيلية في بنت جبيل (25 نيسان 1995)، وحسين أيوب الذي استُشهد أثناء محاولته القيام بعملية استشهادية جوّية (4 آذار 1996)، وعلي أشمر في العديسة – رب تلاتين (20 آذار 1996). هذه العمليات، رفعت مستوى العمل المقاوم وشكّلت خطوات إيجابية لنا، وصدمة سلبية للعدو». ويضيف: «لطالما عملت المقاومة على مبدأ توقّع الأسوأ مع العدو بهدف تأمين أقصى درجات الثبات كمّاً ونوعاً، ما فرض علينا مضاعفة الجهد والنتائج مرات ومرات، والاستعداد لمواجهة التحديات التي يمكن أن تطرأ. وهذا ما ساهم في خلق خط تماس بين المقاومة والعدو. واستلزم الأمر تفعيل التشكيلات الأمنية الثابتة، مقابل تشكيلات العدو الأمنية. وهذا ما أدّى الى تطوير المرابطات وأعمال المعسكرات التي تضمن وجود سدّ دفاعي دائم وعالي المستوى». ويتابع: «توقّعنا أن هذه المتغيّرات ستُحدث ردة فعل كبيرة عند العدو في وقت ما، فعملنا على رفع مستوى السلاح أيضاً. وللإنصاف، فإن بعض الأسلحة التي كانت في حوزتنا في 1996 (مثل صواريخ فجر 3)، كان قد طلبها السيد عباس منذ عام 1991، وسعى إلى إحضارها منذ ذلك الوقت، وكنا جاهزين لاستخدامها مع صواريخ أخرى كانت لتصيب حيفا، وحتى منطقة نتانيا قرب تل أبيب أثناء عدوان عناقيد الغضب، لكننا لم نضطرّ إلى استعمال أي منها».

عدوان 96
أقلَق تصاعد العمل المقاوم العدو، وشكّل عامل ضغط داخل الكيان. يقول القائد الجهادي: «جاء مقتل إسحاق رابين (4 تشرين الأول 1995)، ليفرض معادلات جديدة». اعتقد خلفه شيمون بيريز أن ضربة لحزب الله ستمنحه فرصة الفوز بالانتخابات المقبلة، واستفاد من الحشد الدولي ضد المقاومة في لبنان وفلسطين، فأطلق عملية «عناقيد الغضب» في 11 نيسان 1996. ويضيف: «عندما اندلعت الحرب كان تركيزنا على ثلاثة أمور:
– الأول، التفوّق على العدو ومنعه من تحقيق أي انتصار.
– الثاني، العمل على حماية الناس من ردود الفعل وتقليص الخسائر بينهم.
– الثالث، توفير القدرة على الاستمرار في المقاومة بعد توقّف الحرب».
وهذا ما جرى في الحرب، و«قد وصلت مساعدات عسكرية بطرق شتّى إلى المقاومة عن طريق شراء الأسلحة أو الدعم غير المباشر، إضافةً إلى قدراتها الذاتية التي جهزتها منذ انتهاء اعتداء 1993. هكذا استطاعت المقاومة الاستمرار طوال الحرب في إطلاق الصواريخ بغزارة، حتى فرضت على العدو معادلة حماية المدنيين في تفاهم نيسان». بعد انتهاء الحرب بتفاهم على وقف النار في 26 نيسان 1996، كان تقييم قيادة المقاومة أن العدو «تعرّض لأول نكسة سياسية وعسكرية معاً. كانت المرة الأولى التي يدخل فيها العدو اتفاقاً يثبت فكرة تحييد المدنيين. أدى ذلك إلى متغيّرين أساسيين: الأول، هو تيقّن الناس بأن ضمان أمنهم وحمايتهم انتُزع من العدو بقوة المقاومة وليس بالسياسة، والثاني اكتساب المقاومة هامشاً واسعاً من العمل والتحرّك مع زوال الهمّ الذي كان يشغلنا بخصوص المدنيين، واحتمال انتقام العدو منهم بعد العمليات… هون صرت عم تشتغل عسكر بعسكر».

في الفترة التي تلت عدوان 1996، انطلقت المقاومة في ورشة لتنفيذ عمليات أمنية دقيقة داخل الشريط حيث صارت تشكيلاتها أقوى وأكثر فعالية. لجأ العدو إل ى تغيير في تكتيكات حركته وانتشاره ومواقعه، فشعرت المقاومة بأنه حان الوقت لإدخال مسارات جديدة. «كان السيد عباس صاحب نظرية التكامل مع المقاومة في فلسطين. وبعد النجاحات التي حقّقناها إثر استشهاده، أُضيف منذ عام 1996 إلى مسارَي المقاومة والاستعداد للحرب، مسار ثالث هو مواكبة الداخل الفلسطيني ومساندته. هذه المسارات الثلاثة فرضت على المقاومة الذهاب إلى بناء تشكيلات شعبية واسعة تؤمن ضمانة استمرار القتال في ما لو حصلت حرب لمدة أطول». ويتابع: «بعد ذلك، بدأنا بتوسعة التشكيلات التخصّصية. عندما حصلنا على الماليوتكا (سلاح مضاد للدروع) مثلاً، صارت هناك ضرورة للتوسيع والتدريب والتأهيل، وحينها شُكّلت ما تُعرف اليوم بوحدة ضدّ الدروع كقوة متخصّصة… وكذلك بالنسبة للصواريخ التي بدأت تزداد وتتطوّر كماً ونوعاً. عندما نتحدث هنا عن صواريخ ذات مديات كانت تُعتبر بعيدة وطويلة في حينها، فهذه تحتاج إلى مرابض قادرة على استيعاب الصواريخ الكبيرة، إذ أننا هنا لا نتحدث عن كاتيوشا صغير وسهل الاستعمال… وبدأ حينها توضيع هذه الصواريخ وتجهيزها، ولو وقعت حرب بين 1996 إلى 2000، وأخذنا قرار إطلاق صواريخ، لكنا منذ ذلك الوقت، استهدفنا حيفا وما بعد حيفا وما بعد بعد حيفا. وكانت هذه الصواريخ أساس خطّة التمويه الكبرى التي قادها الشهيد عماد مغنية لجعل العدو يظن أنه يعرف مكان قوّتنا، وقد نفّذ غاراته الشهيرة في بداية حرب تموز 2006 تحت اسم عملية الوزن النوعي، لكنه كان قد وقع في الفخ».

حضور «قوة القدس»
عام 1998، «استشعرنا أن العدو الإسرائيلي لن يستطيع الصمود أكثر. صار للقتيل الواحد حساباته المضاعفة لدى العدو، مع تصاعد حركة سياسية وأهلية ضاغطة داخل الكيان». صار العدو حريصاً على إنجاز نوع من «التسوية» السياسية، وفي ظلّ ضغط أميركي في جنيف، وفي مسار تراجعي يكبر شيئاً فشيئاً، قبل العدو حينها بما يسمّى «وديعة رابين» التي كانت مرفوضة في 1996. حتى بنيامين نتنياهو عندما قال إنه لا يريد التسوية، ويريد الحرب، جاءه الاعتراض الأساسي من قبل الجيش». لاحقاً، عندما جاء إيهود باراك، «صار يقول إنه لا يمكن الإكمال في سياق حربي، ويجب الوصول إلى تسوية، ولو على طريقة رابين. وهذا يعني أنهم يريدون التسوية لوقف المقاومة». وهنا «أدركنا أن تكليفنا صار مرتبطاً بتصعيد المقاومة بشكل كبير، لتحقيق أمرين: الأول، إذا كان هناك من تسوية، فلتكن تحت ضغط المقاومة، وإذا لا، فليصعّب تصعيد المقاومة على العدو الذهاب إلى التسوية. كان هدفنا تقويض التسوية من خلال إجبار العدو على الانسحاب تحت النار وبفعل المقاومة، لا بفعل التسوية».
وهنا كان دور الحاج قاسم سليماني الذي استلم «قوة القدس» في 1996، لكنه بقي لعامين تقريباً، حتى 1998، يراقب ويستكشف ويدرس ويفهم الوقائع كاملة. والحاج قاسم، «لم يكن ضابطاً واجبه مساعدة المقاومة فحسب، وينفّذ التوجيهات بعيداً من رأيه وتوجّهه الخاص. بل كانت له وجهة نظر وفهم وقراءة وهدف لكل المسارات، وهذا جعله قادراً على تحديد الخطط والبرامج الأنسب». في 1998، مع التقدير الذي كان لدى المقاومة بخصوص منع التسوية وتصعيد المقاومة، «كان رأي الحاج قاسم أن المرحلة تتطلّب أدوات ووسائل مختلفة، وتطوير البنية العسكرية للمقاومة». وهنا «انطلقت برامج الدورات التدريبية العليا، على مستوى الكتيبة مثلاً». والحاج قاسم، «فتح لحزب الله أبواباً أكبر وأوسع، وتجاوز البيروقراطية داخل إيران وفي العلاقة مع سوريا، وكل ذلك بغطاء ومساندة الإمام الخامنئي». في هذه الفترة، ارتفعت قدرات ونوعية كل تشكيلات المقاومة، كمّاً ونوعاً. وصار هناك مستوى من الأسلحة المطلوب أن يُحضّر بعيداً حتى عن تشكيلات المقاومة. نشأت هنا أطر خاصة لأسلحة خاصة. بدايتها كانت قبل انسحاب إسرائيل تحضيراً للحرب التي يمكن أن تقع».

إخراج العدو تحت النار
بين 1998 و2000 ، يقول القائد الجهادي إن «الجهود تكاتفت للضغط على العدو بكل قدراتنا لإضعافه على كافة الصعد العسكرية والأمنية والنفسية، ولإضعاف ثقته بنفسه وثقة شعبه به، ونظّمت حملات متعدّدة الأوجه قادها سماحة السيد حسن إضافة إلى الشهيد الحاج عماد وإخوانه، ومنهم الشهيد السيد مصطفى بدر الدين، لنضع العدو تحت ضغط لا سابق له، وأُطلقت حملة عسكرية منظّمة ومتدرّجة ضد الوجود الإسرائيلي في الشريط وعلى الحافة الأمامية والمواقع العسكرية، وبدأت عمليات تحريرية لطرد العدو». هذا النوع من الأعمال، أثبت جدواه، ووصل انهيار العدو إلى حدّ غير مسبوق، وانهارت إرادة القتال لديه، وخصوصاً في ظل الحديث عن «السلام» في 1999، ولم يعد العدو يشجّع القتال، لأن الانسحاب قادم. وهذه شكلت لنا فرصة لتجهيز أنفسنا لموجات عسكرية كبرى. وهو ما بدأ مع سياسة التدمير الكامل للمواقع الإسرائيلية في الشريط الحدودي المحتل». جاء الفرار الإسرائيلي، و«انقذ العدو نفسه من انسحاب كان يمكن أن يكون دموياً بكل ما للكلمة من معنى. ما حصل هو هروب إسرائيلي، فالانسحاب كان مقرراً في تموز، ومنظماً ومخططاً له، ومترافقاً مع أعمال محدّدة من فتن واقتتال كان يُعدّ لها داخل الشريط، ووضع خطة لإعادة انتشار عملاء لحد مع مساندة نارية منظمة وعلى مراحل (…) لكن ما جرى فاجأهم، وبعقل الخائف المرتبك اتجه فوراً نحو النجاة بنفسه، وهرب حتى لا يتحمّل الخسائر المتوقّعة من المواجهة والبقاء». في الواقع وقع العدو في صدمة وحيرة شديدة، حيث واجه «هجمة من الناس باتجاه الشريط المحتل، كانت مذهلة، وتمّت مواكبتها من قبل المقاومة، وكانت لدى المقاومة خطط لتوجيه موجات قتالية عالية ضدّ العدو، في أشهر أيار وحزيران وتموز، أي تسبق وترافق الانسحاب المقرّر، لكن العدو انسحب قبل موعده، في أيار 2000». ولذلك، «كانت تشكيلات المقاومة، عشية اندحار العدو، جاهزة ومدرّبة وتعرف المنطقة تماماً، وقامت بمهامها أثناء التحرير بشكل كامل. هنا، بكل صراحة، كان همّنا الأكبر في ذلك الوقت، الناس وأمنهم، وكنا حريصين أن لا تقع مجازر، لأن العدو اعتاد على ارتكابها قبيل انسحابه من أي منطقة كما جرى في الانسحابات السابقة».

في هذه المرحلة تحقّقت المهمة الثانية متضمّنة الأولى، بحسب القائد:
«المهمة الأولى: قاتلنا إسرائيل بكل وجودنا، كما أمر الإمام الخميني (قده) وانتصرنا كما وعَدَنا.
المهمة الثانية: استمررنا بالمقاومة وصمدت وقويت رغم شهادة السيد عباس الموسوي، وانتصرت على كل مؤامرات تعطيلها، ولم تتأثر بالتسويات السياسية رغم اجتياحها المنطقة. ثم حققت انسحاب العدو غير المشروط، وأفشلت مسار الانهزام والذل، وأثبتت أن المقاومة خيار رابح ومنتصر، لا بل هو الخيار الوحيد ليس فقط للبنان، بل لفلسطين ولكل المستضعفين والقابعين تحت أي احتلال».