المقاومة تكرّر لاءاتها… وجهات لبنانية تشيع مناخات سلبية | الترسيم: إرباك في إسرائيل ولا ردّ بعد
وإذا كانت حكومة يائير لابيد قد أملت في تحقيق تقدّم في العدوان على غزة تستثمره في ملف الترسيم مع لبنان، فإن الصورة ليست على هذا النحو حتى الآن. لكن المؤكّد أن كل الرسائل الإسرائيلية غير المعلنة التي وصلت إلى بيروت، عبر الأميركيين مباشرة أو عبر الأمم المتحدة أو عبر ناقلي رسائل من عواصم عربية، تركز على أن «المستوى السياسي في إسرائيل ينصت جيداً إلى المستوى العسكري والأمني، ويعرف أن الحل يجب أن يستند إلى حسابات تتصل بكلفة الرفض أو الحديث عن كلفة القبول بالمطالب اللبنانية».
وبحسب مصادر معنية بالملف، فقد تلقّت إسرائيل، عبر جهات مختلفة، التوضيحات الكافية حول موقف الحكومة اللبنانية وحزب الله، وموجزه الآتي:
أولاً، أن المهلة الزمنية للعدو لحسم الأمر لم تتغير ولا تتجاوز منتصف أيلول المقبل، وأي إشارات تسويف أو إطلاق مناورات سياسية أو حتى عمليات عسكرية ستدفع المقاومة إلى تقليص المهلة.
ثانياً، أن المقاومة ترفض ربط الملف بالانتخابات الإسرائيلية، وهي غير معنية بأي نقاش حول الواقع السياسي في إسرائيل وانعكاسات الملف على الانتخابات وغيره من التفاصيل التي تهم السياسيين الإسرائيليين.
ثالثاً، أن معادلة المقاومة لا تزال ثابتة، ومفادها أنه لا يمكن لإسرائيل البدء في استخراج الغاز من أي منصة في البحر الفلسطيني المحتل، وليس من منصة «كاريش» فقط، ما لم يُعلن رفع الحظر المفروض على عمل الشركات في التنقيب والاستخراج في البحر اللبناني بعد حسم حقوق لبنان في الحقول والخطوط وفق ما تسلّمه هوكشتين من الرؤساء الثلاثة في آخر زيارة له إلى بيروت.
رابعاً، أن المقاومة جدية، وقد أرسلت إشارات عملانية تدل على استعدادها لضرب مجموعة من المنصات دفعة واحدة إذا لزم الأمر. وقد أُحيطت كل الشركات الأجنبية العاملة في هذه الحقول علماً بذلك وتبلّغت تحذيرات من مغبة الاشتراك في ما تعتبره المقاومة اعتداء إسرائيلياً على لبنان، ما دفع الجانب اليوناني الذي نفى بداية ملكيته لسفينة «إنيرجين» إلى التراجع والإقرار بذلك وبأن غالبية العاملين على متنها يونانيون. وقد أكّدت الحكومة اليونانية أنها لا تريد التورط في مشكلة، ورفضت تحميلها مسؤولية عمل «إنيرجين» لأنها شركة تجارية لا تمثل الحكومة. وقد تجدّد قلق أثينا بعدما لامست تهديدات المقاومة حدوداً فاجأت حتى العاملين على السفينة، وهي تتصرف بحذر كبير وتعرف أنها ستكون مسؤولة، بشكل أو بآخر، وباتت تدرك، كما شركات عالمية أخرى، أن الضمانات الإسرائيلية لم تعد كافية.
خامساً، أن محاولة العدو المناورة من خلال تجميد العمل في منصة «كاريش» مقابل تجميد تهديد المقاومة أو تعطيله سيصار إلى الرد عليها بالتأكيد أنه لا يمكن للعدو استخراج الغاز من كل حقول المتوسط ما لم يقرّ بحقوق لبنان، وما لم تبادر الولايات المتحدة بتوقيع تعهد خطي علني يضمن حرية لبنان في استقدام أي شركة عالمية للعمل في حقوله.
عملياً، تؤكّد المصادر المعنية أن التوقعات حول الجولة الجديدة من الاتصالات تتركز الآن على معلومة تفيد بأن هوكشتين ينتظر تأكيداً على مواعيد له في إسرائيل خلال هذا الأسبوع. وأنه في حال حصل الأمر، يفترض أن يتوجّه إلى تل أبيب للحصول على ما يمكن وصفه بالحل. وفي حال كانت المناخات سلبية فإن الموفد الأميركي ليس مضطراً للذهاب، بالتالي ستكون مهمته التالية في لبنان معقّدة، لأن فكرة التفاوض من جديد على إطار للبحث وترسيم وخلافه لم تعد ممكنة.
التسريبات السلبية… لبنانية
وعلمت «الأخبار» أنه فور انتشار تسريبات في الأيام القليلة الماضية حول مناخات سلبية ورفض إسرائيلي لمقترحات لبنان، عمد هوكشتين إلى التواصل سريعاً مع مسؤولين لبنانيين مؤكداً لهم أن الأمر «غير صحيح ولم يحصل»، وأنه عندما غادر لبنان إلى فلسطين المحتلة، عقب زيارته الأخيرة لبيروت، أمضى هناك ست ساعات فقط التقى خلالها رئيس الحكومة الإسرائيلية، وأنه لا يزال في انتظار تحديد موعد جديد له.
في هذه الأثناء، كان لافتاً أن التدقيق الذي أجرته جهات رسمية حول خلفية التسريبات أكّدت أنها «لبنانية المصدر والفبركة والنشر»، وأن جهات سياسية تقف خلف الأمر من زاوية أنها تعتبر أن مجرد إشاعة مناخ إيجابي حول الملف تحت ضغط حزب الله يعطي الحزب مكانة متقدمة، كما يفيد الرئيس ميشال عون. كما تخشى هذه الجهات، وعلى رأسها القوات اللبنانية، من أن يؤدي هذا المناخ الإيجابي – معطوفاً على مناخات الانفتاح في المنطقة – إلى توسع مروحة القوى والشخصيات التي تبادر بالحوار مع حزب الله كما فعل رئيس الحزب التقدمي وليد جنبلاط. علماً أن هاجس هذه الجهات يتركز على انعكاسات مثل هذا الحوار على التحضيرات للانتخابات الرئاسية المقبلة. مع الإشارة إلى أن «الهبل» السياسي وصل حدّ جهر مسؤولين في القوات بتفضيلهم عدم التوصل إلى حل لاستخراج النفط والغاز قبل التخلص من حزب الله وتأثيراته على الدولة اللبنانية. وهو الموقف نفسه الذي يفضّل العتمة على قبول هبة الفيول الإيرانية التي يتكل الأميركيون ليس على فريق 14 آذار لرفضها بل على رئيس الحكومة نجيب ميقاتي.
استفتاء في إسرائيل
إلى ذلك، أدخلت إسرائيل نفسها في تعقيدات «قضائية – دستورية» في ملف الترسيم مع لبنان، بعد تقديم منظمة «منتدى كوهلت للسياسات» التماساً أمام محكمة العدل العليا في القدس المحتلة، طالبت فيه بإصدار حكم قضائي يلزم تل أبيب إجراء استفتاء عام على أي «تنازل» للجانب اللبناني. ويفتح ذلك باب النزاع في أكثر من اتجاه وعلى أكثر من فرضية ما يزيد منسوب القلق من إمكان التسبب في مواجهة عسكرية مع حزب الله.
فهل تفرمل المحكمة العليا خطوات الحل وتعيده إلى نقطة البداية مع إمكان التسبب بتصعيد وربما أيضاً بمواجهة؟ سؤال سيكون على طاولة مداولات قضاة المحكمة، المفترض بهم أن يحددوا حكمهم وفقاً للمصلحة الإسرائيلية التي تضع في رأس أولوياتها التهديدات الأمنية.
ويعدّ الالتماس جزءاً من حركة «اعتراض» إسرائيلية، بعضها ضد أي اتفاق مع لبنان يعزّز مكانة حزب الله في الساحة اللبنانية بوصفه مقاومة، وبعضها الآخر من منطلق الخصومة السياسية الداخلية بين موالاة ومعارضة عشية الانتخابات التشريعية، رغم أن القرار في نهاية المطاف يستند إلى «فتوى» المؤسسة الأمنية التي يمكنها «إقناع» الجميع، بمن فيهم القضاء، بالتوجه إلى حل ديبلوماسي سواء تضمن «تنازلات» سيادية أم لا.
مع ذلك، يطرح تأخر الوسيط الأميركي في إنجاز وساطته أكثر من علامة استفهام: هل يريد هوكشتين وإسرائيل استهلاك الوقت المعطى لهما في التسويف والمماطلة إلى أن تفرض تل أبيب وقائع ميدانية يتعذر الرجوع عنها؟ أو أن التسويف يأتي في سياق تمرير الوقت إلى حده الأقصى قبل الرد على الموقف اللبناني من الترسيم ما يخفّف وطأة «التنازل» عن إسرائيل؟ أم أن إرادة التسويف وترحيل الردود إلى ما قبل موعد استخراج الغاز من حقل «كاريش» يتيح لتل أبيب تضمين أجوبتها بنوداً ملغومة وحمّالة أوجه للاستناد إليها لاحقاً في حال التراجع عن الاتفاقات؟
أما السؤال الأكثر حضوراً فهو ما يتعلق بالموقف الأميركي نفسه: هل يتحرك هوكشتين وفقاً لأجندة مسؤوليه في واشنطن، المفترض في أي حل أن يزعزع استراتيجيتهم في مواجهة حزب الله في لبنان، أم وفقاً لأجندة إسرائيل التي تسعى، ما أمكنها، إلى تجنب أي سبب يؤدي إلى مواجهة عسكرية مع حزب الله؟