بغداد مضت تظاهرة «الإطار التنسيقي»، أمس، بأقلّ قدْر من الخسائر، مع تضافر عوامل عدّة لمنع الاصطدام بأنصار «التيار الصدري»، على رأسها حرص الطرفَين على إبقاء «مسافة الأمان» قائمة. وإذ أسهمت الليونة التي أظهرها قادة «التنسيقي» بمَن فيهم نوري المالكي، ومعها إرسال مقتدى الصدر إشارات إلى إمكانية الحوار، في إحداث كوّة في الجدار، فإن السقوف العالية التي لا يزال الصدر متمسّكاً بها، وما تقابَل به من تصعيد تجلّى في دعوة «التنسيقي» إلى «الإسراع في تشكيل الحكومة وعدم الالتفات إلى دعوات التعطيل والتخريب»، يجعلان من الصعب تَوقّع حلول سريعة للأزمة

في اليوم الثالث للاعتصام المفتوح الذي بدأه أنصار زعيم «التيار الصدري»، مقتدى الصدر، داخل مبنى مجلس النواب في «المنطقة الخضراء»، لاحت إمكانيةُ حلحلة لِما بدا قبل أيام قليلة أنها مواجهة محتومة. إذ تَحفّظت بعض قوى «الإطار التنسيقي» على الدعوة التي أُطلقت باسم الأخير للتظاهر على أسوار «الخضراء»، بوصْف ذلك مخاطرة بوقوع مواجهة بين جماهير الطرفَين. وعبّر عن هذا التحفّظ رئيس «تحالف الفتح»، هادي العامري، بتوجيهه نداءً إلى طرفَي النزاع تحت عنوان «كفى دماً»، مقسِماً عليهما «بمصاب أبي عبد الله الحسين الركون إلى التفاهم والحوار»، محذّراً من أن التحشيد الجماهيري قد يخرج عن السيطرة ويفضي إلى العنف. ولاقى «التيار الصدري» الموقف المذكور بنصْف انفتاح، مشترِطاً، على لسان «وزير القائد» التابع للصدر، صالح محمد العراقي، على العامري، تقديم ضمانة «لإنقاذ العراق من أنياب الفساد»، مُتوجّهاً إليه بالقول «إنك كنتَ من ضمن الموقّعين على وثيقة إصلاحية ولم تنفَّذ، فمَن الضامن لتطبيق الحوار الإصلاحي؟». على أن تلك التطوّرات لم تَحُل دون إخراج تظاهرة «التنسيقي»، التي تخلّلتها بعض الاحتكاكات مع القوى الأمنية، ما دفع اللجنة المنظَّمة إلى الاعتبار أن «قرار الحكومة عدم مواجهة الفوضى يجعلها جزءاً من مشروع إسقاط هيبة الدولة».

وعلى رغم التباعد في المواقف بين «الصدري» و«التنسيقي»، إلّا أن الحوار، على صعوبته، يبقى الخيار الأسْلم للطرفَين. ذلك أن اختبارات الشارع، بمعنى الاستعراض الجماهيري، لها حدودها أيضاً، وهي لا تحسم صراعات. أمّا المخاطرة بمواجهة مسلّحة لتعديل ميزان القوى، فكلفتها عالية جدّاً، فضلاً عن أنها لن تُحقّق لأيّ من الطرفين ما يريده، بل كلّ ما يمكن أن تؤدّي إليه هو منْع كلَيهما من بلوغ أهدافهما. إلّا أن هذا لا يعني أن الأزمة ستنتهي سريعاً، أو أن الجهات المعنيّة لن ترفع سقوفها التفاوضية. إذ على رغم إظهار الاستعداد المشروط للحوار، اعتبر الناطق الرسمي باسم الصدر، محمد العبيدي، أن «دعوات الإطاريين إلى الحوار محاولة جديدة للاحتيال»، مضيفاً إن «غرائزية قادة الإطار دفعتهم إلى الالتفاف على مشروعهم الذي طرحوه هُم بأن تكون الحكومة المقبلة للمستقلّين، وذلك قبل استقالة الكتلة الصدرية بأكثر من شهر»، واصفاً توجيه الصدر كتلته بالاستقالة بأنه «فرصة أخيرة لهم لينفّذوا وعودهم المتظاهرة بالوطنية». وجاء التصريح المذكور في وقت دخل فيه الطرفان حرب شائعات، دفعت «الصدري» إلى نفْي الأنباء عن إنهاء الاعتصام والانسحاب من مبنى مجلس النواب قبل تظاهرة «التنسيقي».

ويعتقد المحلّل السياسي القريب من «التيار الصدري»، مجاشع التميمي، أن «العراق دخل في أزمة حقيقية، وهي ربّما ستستمرّ لفترة»، مشدّداً على «الحاجة إلى حلول واقعية يمكن أن تُوصل إلى حلّ». وقال التميمي، في حديث إلى «الأخبار»، إن «الذهاب إلى الحوار من أجل الحوار لا يقنع التيار الصدري الذي أمضى فترة طويلة في الحوار من أجل الوصول إلى حلّ، لكن للأسف الشديد هذه المحاولات لم تصل إلى نتيجة». ويتوقّع أن «تحاول كلّ الأطراف السياسية الآن حشد جمهورها، لكن من الواضح جداً أن التيار الصدري هو منَ يمتلك المقبولية»، داعياً «الكتل التي لديها قوّة برلمانية إلى أن تقدّم استقالاتها، تمهيداً لحلّ البرلمان، ومن ثمّ الذهاب إلى الحوار». وبرّر دعوته تلك بأنه «لا يمكن للتيار الصدري الانخراط في الحوار من دون أن تكون هناك ضمانات»، مذكّراً بـ«تراجع الإطار التنسيقي وانقلابه على الاتفاق مع مقتدى الصدر». ويستبعد التميمي، في الوقت نفسه، الوصول إلى الفوضى، معتبراً أنه «لا المجتمع الدولي ولا المرجعية في النجف ولا حتى الفواعل الداخلية والأطراف الأخرى سوف تسمح بأن يصل الأمر في العراق إلى مرحلة الصراع».
في المقابل، يَلفت المحلّل السياسي المقرّب من «التنسيقي»، رياض الوحيلي، إلى أن دعوة العامري لاقت ترحيباً من مختلف القوى السياسية ومن الأوساط الشعبية، إلّا أن «الردّ الذي نشره وزير القائد لم يكن بالمستوى المطلوب، وكان فيه نوع من الاستعلاء وعدم الواقعية والشروط التعجيزية، وهو سوف يزيد من الاحتقان ويؤجّج الشارع أكثر، وبالتالي لا يمكن الوصول إلى نتيجة». ويَرى الوحيلي، في تصريح إلى «الأخبار»، أن «على التيار الصدري أن يتنازل عن هذه الشروط، ويتوجّه إلى حوار حقيقي وفق الرؤية التي طرحها العامري».