بدأت الحرب الحالية في لبنان بسلسلة عمليات ناجحة وغير مسبوقة، بدء بهجمة البيجر التي لم نأخذ المسؤولية عنها انتهاء بتصفية كل قيادة حزب الله. أدت هذه العمليات، في زمن قصير الى سحق بنية القيادة والسيطرة في المنظمة، تدمير قسم من منظومة الصواريخ والقوة القتالية لديها إضافة الى ذلك الضربة المعنوية في جيش الإرهاب.
من اللحظة التي بدأت فيها العملية البرية في لبنان، يحقق الجيش الإسرائيلي نجاحات عملياتية مبهرة تتضمن إبادة مئات المخربين والعثور على كميات مذهلة من الوسائل القتالية، كجزء من استعدادات حزب الله لاحتلال الجليل. على هذا النجاح تحوم سحابة الثمن الذي يدفعه المجتمع الإسرائيلي في الأيام الأخيرة، والذي يجد تعبيره في عدد كبير من المقاتلين الذين سقطوا في المعارك الضارية.
رفع الشهداء الى جدول الاعمال البحث الذي جرى في سنوات الإبقاء على الشريط الحدودي (1985 – 2000). في تلك الفترة سقط 414 مقاتلا في نشاطات عملياتية وأساسا ضد مخربي حزب الله. منظمات احتجاج عديدة ومنها منظمة “اربع أمهات” طالبت بانسحاب الجيش الإسرائيلي من طرف واحد من لبنان لسببن أساسيين: الحرص على حياة المقاتلين والادعاء بان احتفاظ الجيش الإسرائيلي في جنوب لبنان هو سبب مقاومة حزب الله، عقب تقسيم السكان الشيعة الى قسمين.
بضغط الاحتجاج الجماهيري قررت حكومة إسرائيل برئاسة اهود باراك الانسحاب من طرف واحد من لبنان. خلق الانسحاب الفزع وعي نصر لدى مؤيدي نصرالله ترجم الى خطاب بيت العنكبوت. الرواية التي عرضها حزب الله بانه هو الذي انزل إسرائيل على ركبتيها ساهم في تحوله الى قوة سياسية قوية تملي ارادتها على الحكم اللبناني.
انطلاقا من الرغبة للهروب من الوحل اللبناني ساهمت إسرائيل بتحول حزب الله الى منظمة قوية تقرر قواعد اللعب في حدودنا الشمالية. محظور على دولة إسرائيل أن تقع هذه المرة في فخ العسل للهروب من “الوحل اللبناني” والسعي المبكر اكثر مما ينبغي لتسوية سياسية على أساس الإنجازات العسكرية المبهرة ولكن لا تزال جزئية.
في حرب لبنان الثانية أيضا أدى الخوف من الغرق مرة أخرى في “الوحل اللبناني” والى الاستناد الى قرار 1701، الذي خرق على الفور. كميات الصواريخ، المقذوفات الصاروخية، الأسلحة والمواد المتفجرة الرسمية، كلها من انتاج ايران وروسيا كان يمكنها أن تسلح جيشا نظاميا لدولة. هذه الحقيقة تشهد على خطورة التهديد وعلى الضرورة لمعالجة جذرية له.
الحرب البطولية لمقاتلي الجيش الإسرائيلي في القرى الشيعية تكشف شدة المشكلة التي تجاهلناها. كميات السلاح والبنى التحت أرضية التي تنكشف تشهد على حجم التهديد.
ان الحساسية الهائلة لحياة مقاتلينا تميزنا عن منظمات الإرهاب التي تقدس الموت. هي جزء من كوننا مجتمع قيمي واخلاقي. ومع ذلك، تقف إسرائيل امام تهديد وجودي. يجمل بنا الا نخطيء مرة أخرى بالتفكير ذاته، الذي يرهن المستقبل مقابل هدوء مؤقت.
لا حاجة لنا لاعادة احتلال لبنان، لكن الوحل اللبناني يجب أن يجففه. والمعنى هو ضربة قاضية لحزب الله وحيازة شريط امني الى أن توجد تسوية سياسية. هذه المرة ليس فرارا، بل بعد النصر وهزيمة حزب الله.