حلف الناتو.. والنسخة العربية الممنوعة من الصرف
تبارى الصحفيون الإسرائيليون قُبيل وصول الرئيس الأميركي جو بايدن الى “الشرق الأوسط”، في تحليل استحالة تحقيق هذه الزيارة قيام تحالف تحت مُسمَّى “ناتو عربي” أو “ناتو شرق أوسطي”. وهُم بدوا للأسف أكثر واقعية من بعض الصحفيين العرب، الذين جيَّشوا أقلامهم المشحونة بحبر الحقد المجاني، مُتجاهلين النكسات التي أصيبت بها الأحلاف العربية والشرق أوسطية منذ العام منذ 1948، مروراً بحلف بغداد 1955 وأحلاف الأعوام 1967 و1973 وصولاً الى تحالف العدوان على اليمن عام 2015.
ولعل أبرز مَن أصاب من إعلاميي العدو في استبعاد قيام “ناتو عربي” هم أولئك الذين استعرضوا تاريخ الأحلاف العربية الآنية أو الهشَّة، التي تبقى ورقية المفاعيل، وكلامية التنفيذ، وآخرها كانت الخليجية منها، التي فشلت حتى في توحيد القوى البحرية بين تلك الدول رغم الإمكانات المالية الهائلة. كما استبعدت صحافة العدو قيام “ناتو شرق أوسطي”، لأنه الأخطر على إسرائيل في الوقت الحاضر، وأية حربٍ حمقاء قد تبدأها سوف تفتح عليها ثلاث جبهات أساسية، بصرف النظر عن الجهات المُشاركة.
الجبهة الأولى داخلية مع قطاع غزة، والجبهة الثانية خارجية حدودية مع لبنان وسوريا، وجبهة ثالثة غير حدودية مع إيران، وهذا الخط الذي رسَّمه محور المقاومة خاصة بعد العام 2000 هو الذي بات يحكُم الحسابات الإسرائيلية، والتي تسبق دائماً علم الحساب العربي الذي بالكاد يرصد عدد القِمَم العربية التي تتجاهل الواقع المؤلم، أن خيبة الأحلاف العربية منذ العام 1948 وحتى يومنا هذا، ناتجة عن أن هذه الأحلاف لم تُلامس متطلبات القضية المركزية الفلسطينية، وحكمت على نفسها بعدم الجدوى بعد أن باتت غالبتها عربية مُضادة للإجماع العربي، أو عربية ممنوعة من الصرف عبرياً بفضل الشعب العربي في بعض الدول الرافضة لمنطق التطبيع والتطويع.
تجريم التطبيع بين العرب و”إسرائيل” من طرف البرلمان العراقي منذ فترة، إسكمالٌ للدور الذي تضطلع به بغداد حالياً في تقريب وجهات النظر بين إيران والسعودية، ووصول المباحثات الى مرحلة النقاش السياسي والديبلوماسي، بعد الإنتهاء من الهواجس الأمنية والعسكرية، هذا الدور أعطى ربما لحضور العراق القِمَّة الخليجية -العربية مع بايدن وهجاً مُغايراً عن سائر الحاضرين، نتيجة الحرص العراقي، رغم المعاناة الداخلية، على وجوب تحقيق الأمن الإقليمي بين دول المنطقة دون الحاجة الى الشرطي الأميركي، ولا الى أي ناتو مشبوه يزيد من مآسي العرب ونكباتهم.
ما لم يقرأه بعض إعلام العرب أيضاً، أن التفكير بقيام “ناتو عربي – عربي”، أو “ناتو عربي – عبري”، لم يعُد فقط رصاصة غدرٍ بالقضية التي يدَّعي العرب أنها مركزية، بل هو أكبر ورطةٍ في استراتيجية المواجهة لو تمعَّن العرب قليلاً بالورطة التي أغرق بها الناتو الغربي نفسه وتحديداً في أوكرانيا، التي شاءتها أميركا خنجر النانو على الحدود مع روسيا، وها هي اليوم تُحارب الروس بالأوكرانيين، بالكفوف الأميركية البيضاء والحرب بالآخرين وفق المنطق المنسوب الى الرئيس الأسبق باراك أوباما، أو منطق خَلَفه دونالد ترامب، الذي يعتبر أن الشرق يجب أن يدفع دائماً بدل حماية، خاصة من موارد دول الخليج.
وإذا كان الناتو الغربي قد انزلق الى مواجهة غير محسوبة النتائج مع روسيا على الأرض الأوكرانية، فإنه ربما يُبرر ورطته بوجود صراع عقائدي بين الشرق والغرب ولكن، ما هي جدوى قيام “ناتو عربي” أو “ناتو شرق أوسطي” بلمسة عبرية ومباركة أميركية، سوى ضرب العرب بالعرب، في آخر محاولة تحالف فاشلة، لن يجني منها العرب سوى الخيبة، ويجني منها لوبي صناعة الأسلحة الأميركية أسواقاً جديدة لصناعة الموت، في منطقة لم تنضب بعد لا من النفط ولا من الدمّ المجاني في ساحات الغباء حتى الإنتحار، وهنيئاً للمستعربين خيبتهم بسقوط كل الرهانات على أي ناتو برعاية أميركية…