من يعلم كيف يفكر الايرانيون، وكيف يعملون، يعلم اما أنهم تمكنوا من صناعة القنبلة، أو هم على رمية حجر منها. هذا ما يبعث الحيرة، وربما القلق، لدى الأميركيين الذين طالما امتنعوا عن شن أي عملية عسكرية ضدهم، بالرغم من الضغوط الهائلة التي بذلها الحلفاء.

 

هيئة الأركان “الاسرائيلية” وصلت الى حد وضع خطة، ببعديها العملاني واللوجيستي أمام الأميركيين، كما أمام بعض المسؤولين العرب. ولكن حتى دونالد ترامب رفضها، ليقال في حينه أنه أخذ بتحذير، أو بتهديد، البنتاغون الذي يدرك مدى التداعيات الكارثية للخطة على المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط.

المثير أن تتردد هذه العبارة على لسان معلقين “اسرائيليين” لدى انتهاء جولة الرئيس الأميركي “عيوننا على ايران وعيونهم على الصين” التي تشكل الهاجس الأكبر لواشنطن في الصراع حول ادارة الكرة الأرضية، وان كان الباحثون في المستقبل يتوقعون حصول زلزال تكنولوجي، أو ما بعد التكنولوجي (قد يأخذ مثلاً شكل استيطان كواكب أخرى)، يغيّرالمفاهيم الاستراتيجية التي تبلورت عبر القرون.

في واشنطن و”تل أبيب”، كما في عواصم خليجية، تراهن على تطور هام في العلاقات مع طهران، تتلاحق الأسئلة حول دلالة الكلام الأخير لكمال خرازي، رئيس المجلس الاستراتيجي للسياسات الخارجية.

خرازي، وزير الخارجية الأسبق، والذي لا يعتبر من “أوركسترا الضجيج”، قال ان بلاده لامست العتبة النووية بامتلاك الامكانات التقنية لصناعة القنبلة، ولكن لا قرار في ذلك. أهمية هذا الكلام أنه أتى عقب “اعلان أورشليم” بين جو بايدن ويائير ليبيد. رسالة لمن يعنيهم الأمر بأن “اسرائيل” لا تستطيع أن تسند ظهرها، في أي مغامرة عسكرية، الى “الترهيب النووي”!

المثير أكثر أن تتناهى اصوات خليجية تقول ان بايدن، المستعد لبيع جلده الى اللوبي اليهودي من أجل الانتخابات النصفية للكونغرس، أغدق الوعود الهائلة لتفعيل الامكانات العسكرية “الاسرائيلية”، لا سيما في مجال التصدي للصواريخ ان بأشعة اللايزر أو بالجزيئيات الالكترونية. في المقابل، حاول استدراج العرب للالتحاق ببلاده (في مجال الطاقة) في الصراع مع الصين.

غداة اندلاع الحرب الباردة، كان سهلاً وضع اليد على منطقة الخليج بحجة تشكيل جبهة ضد “الغول الشيوعي” الذي يهدد باجتثاث الاسلام، وسائر الديانات الأخرى. تريليونات الدولارات ذهبت هباء، حتى في مواجهة عرب آخرين حاولوا العصيان على الاله الأميركي.

الآن يتساءل الكثير من الخليجيين “الى أين تذهب بنا أميركا”؟ الادارة تبغي، في نظرهم، اطلاق الحقبة الثانية من احتواء ثروات العرب، وأزمنة العرب، في صراع عبثي مع التنين الذي لا بد أنه يفكر بطريقة أخرى غير الطريقة التي يفكر فيها المخططون الاستراتيجيون في واشنطن، وحيث منطق القوة (والسيطرة بالقوة) يتفوق على أي منطق آخر.

هذا ما يمكن استنتاجه من زيارة بايدن للسعودية، وفي اطارها القمة التي عقدت خلالها . لا شيء، ولا اتفاق على صيغة الحلف، كأداة استراتيجية أعدّ تفاصيلها الخبراء في مجلس الأمن القومي.

كل تلك الضوضاء التي سبقت، أو واكبت الزيارة، ذهبت أدراج الرياح. هل أدرك العرب أخيراً، أن عليهم الاّ يكونوا الوقود البشري والمادي، في حروب لا ناقة لهم فيها ولا جمل (… حتى لا دجاجة)، وان قيل إن السبب في فشل زيارة الرئيس الأميركي يعود الى نظرة قصر اليمامة له، على أنه البطة العرجاء، حتى قبل الانتخابات النصفية. بطبيعة الحال قبل الانتخابات الرئاسية…

ماذا حين يصل الأمر ببعض السؤوليين الخليجيين حد القول إن أميركا هي التي فتحت الباب النووي، وعن عمد ، أمام آيات الله . بدل الغول الشيوعي الغول الشيعي…

تحت أنظار أولئك المسؤولين ما تفعله الولايات المتحدة بالأوكرانيين، وبالأوروبيين بوجه عام، في صراعها مع روسيا . ما من أحد يستطيع التكهن بالمدى الذي يبلغه التدهور الاقتصادي والاجتماعي، في القارة العجوز.

ماذا عساها أن تفعل بالعرب في صراعها مع… الصين؟!