ٍَالرئيسية

دون ضوضاء أو رنين

“إسرائيل” اليوم /يوآف ليمور

 

الصورة المثيرة للمشاعر لهذا الأسبوع تخص “إيتسيك سعاديان”، بعد مرور عام وشهرين على إضرام النار في نفسه أمام مكاتب قسم إعادة التأهيل في بتاح تكفا، حضر الحفل السنوي لمركز شيبا الطبي هذا الأسبوع، ووعد بتكريس وقته لتعزيز المشاريع المنقذة للأرواح.

سعى “سعاديان” لمساعدة المستشفى الذي أنقذ حياته، لكنه بما قام به فقد ساعد بالفعل في إنقاذ حياة الكثيرين. وأدت الصدمة والعاصفة التي اندلعت في أعقاب الحادث إلى إصلاح عميق وغير مسبوق في قسم إعادة التأهيل، بقيادة وزير الجيش بني غانتس ومدير وزارته أمير إيشل.

عادة ما يفخر وزراء الدفاع بأمور أخرى، من الهجمات المجهولة والخطط العملياتية إلى خطط الشراء والمشاريع غير المعروفة. غانتس فخور بقسم إعادة التأهيل. ربما تكون هذه طبيعته الحاضنة، وربما إدراكه أنه بدون اهتمام حقيقي بالجنود – حتى بعد سنوات من تسريحهم – لن يرغب أحد في التجنيد، وربما ينتهز فرصة الحكومة التي تريد حقًا إجراء تغيير حيثما كان ذلك ممكنًا.

للتشاجر لكن دون قلب الطاولة

مجال الأمن ثابت جدًا بطبيعته. عادة ما يتم إجراء التغييرات ببطء على مر السنين، وأحيانًا ليس طوعًا ولكن كاضطرار. لا تختلف حكومة بينيت في هذا الصدد عن سابقاتها. في جميع المجالات تقريبًا، مع اختلاف واحد مهم: كان الجو الذي خدمت فيه – في الداخل وفي المنطقة وخارجها – أفضل بكثير من بعض سابقاتها؛ كان هذا واضحًا بشكل خاص في العلاقات مع واشنطن حول إيران والاتفاق النووي.

تل أبيب كسياسة عارضت العودة إلى الاتفاق، لكنها فعلت ذلك في الغرف المغلقة، بينما امتنعت عن تجاوز الإدارة الامريكية التي كانت تطمح إلى الاتفاق واندفعت إليه (وفشلت في هذه الأثناء). أدركت حكومة بينيت أن المواجهة مع بايدن وكبار مسؤوليه قد تعطيها بعض النقاط في الرأي العام في البلاد، لكنها لن تخدم “دولة إسرائيل”. بدلاً من ذلك اختارت – وهي محقة في ذلك – محاولة للتأثير من الداخل. وحقيقة أنه لا يوجد اتفاق حتى الآن – يعود جزئياً للضغط “الإسرائيلي” الذي أدى إلى رفض أمريكي لشطب الحرس الثوري من قائمة المنظمات “الإرهابية” – يُعزى إلى حد كبير إلى هذه السياسة.

خلال زيارته لـ”إسرائيل” الشهر المقبل سيتحدث بايدن عن التحالف الإستراتيجي مع “إسرائيل” وضرورة تعزيزه على الصعيدين الثنائي والإقليمي. وسوف يدعي المتشائمون أنه يسعى لمساعدة لبيد و بينيت في الانتخابات القادمة، لكن هذا ليس أكثر من مجرد هراء: الأمريكيون يفعلون ذلك بقوة قبل فترة طويلة من أن تلوح الانتخابات هنا في الأفق. يفعلون ذلك للحفاظ على التفوق النوعي لـ”إسرائيل”، ومن أجل قوة حلفائهم ضد العناصر السلبية في المنطقة، بقيادة إيران والنفوذ الروسي والصيني.

وكجزء من ذلك، تقود الإدارة خطوة لتوسيع التعاون الإقليمي لا سيما في مجال الحماية من الصواريخ والطائرات بدون طيار، ويشمل ذلك مجموعة متنوعة من النشاطات من تبادل المعلومات الاستخبارية إلى التدريبات المشتركة، بما في ذلك مشاركة الدول التي ليست طرفًا رسميًا في “الاتفاقيات الإبراهيمية”. وأبرزها السعودية وبدرجة أقل قطر. إن زيارة بايدن ستعبر عن بعض هذه الأمور لكن العديد من الجوانب الأخرى ستبقى سرية.

لم تكن الولايات المتحدة الدولة هي الوحيدة التي عرفت الحكومة المنتهية ولايتها كيف تتشاجر معها دون قلب الطاولة؛ فمثال آخر هو الأردن. عمل بينيت ولبيد وغانتس – ومعهم الرئيس هرتسوغ ورؤساء الموساد وجهاز الأمن العام – على المستوى اليومي للحفاظ على هذا الاتصال وهو أمر بالغ الأهمية لأمن “إسرائيل”. حتى في السياق الأردني، غالبًا ما تهيمن السخرية والجهل على الخطاب العام.

صحيح أن الأردن يعتمد إلى حد كبير على “إسرائيل” خاصة في مجال الاستخبارات والطاقة، لكن “إسرائيل” تعتمد أيضًا إلى حد ما على جارتها في الشرق، والتي تضمن منذ سنوات طويلة أن تكون حدودها الأطول هي الأهدأ، وتساعدها بطرق أخرى متنوعة. أولئك الذين يتمنون سقوط الملك يلعبون بالنار: سيصل إلى السلطة مكانه عناصر متطرفة وأكثر خطورة وهو الأمر الذي سيقرب إيران وأتباعها من الأردن.

الجهة الثالثة التي حرصت الحكومة المنتهية ولايتها على الحفاظ على الأقل على علاقة مناسبة معها هي السلطة الفلسطينية. لم يتم ذلك من باب الحب لأبي مازن، ولكن من منطلق فهم الواقع في الضفة الغربية، حسب كل الخبراء على وشك الغليان، والسبب الرئيسي لذلك ليس سياسيًا دينيًا بل اجتماعيًا واقتصاديًا بشكل أساسي، ولكن هذا لا يهم؛ فموجة الانفجار ستطال “إسرائيل” أيضًا.

كانت هناك شائعات في الآونة الأخيرة بأن عباس قد مات. واتضح أنها كانت سابقة لأوانها، و لكن ذلك سيأتي لا محالة. لـ”إسرائيل” مصلحة في استمرار التزام خلفائه بالاتفاقيات، وخاصة التعاون الأمني من أجل إحباط “الإرهاب” وكبح حماس. وهذا يتطلب اتصالا مباشرا ومستمرا بالمقاطعة في رام الله. والحفاظ علي الاتصال المستمر يساعد في استخدامه في حالات الطوارئ.

نحتاج رئيس أركان واستقرار

في المناطق الأخرى كان التغيير في العام الماضي فيها أقل دراماتيكية. فعلى الرغم من أن غزة كانت هادئة للغاية، إلا أن ذلك يرجع أساسًا إلى “عملية حارس الأسوار” وحاجة حماس إلى إعادة ترميم نفسها (وأيضًا إلى القرار المستنير بزيادة عدد العاملين في غزة بشكل كبير الذين يدخلون البلاد). لم يكن هناك تغيير كبير في سوريا أيضا. الهجمات ضمن المعركة التي بين الحروب استمرت كما هو الحال في جميع السنوات الأخيرة، على الرغم من أن العملية الأخيرة – التي دمرت فيها القوات الجوية “الإسرائيلية” أجزاء كبيرة من المطار المدني في دمشق – هناك بعض الاحتمالات لتغيير الموقف السوري تجاه إيران إذا استمر هذا الضغط في المستقبل.

وفيما يتعلق بالعمليات في إيران نفسها: استمرت “إسرائيل” على نفس الخط بشتى أنواع الضربات والهجمات (بحسب مصادر أجنبية). وكل من ادعى أن “إسرائيل” تعهدت للأمريكيين بعدم العمل في إيران كذب. هنا أيضًا في الأسابيع الأخيرة كان الموساد يقود خطًا أكثر تشددًا فيه نوع معين من تشديد السياسة، بشرط أن يستمر في القيام بذلك في المستقبل.

بالنظر إلى الداخل: تم الاتفاق العام الماضي على ميزانية تسمح للجيش “الإسرائيلي” ببناء القوة بعد سنوات من الجمود السياسي، تم رفع رواتب الجنود وتم إقرار قانون “من الخدمة إلى التعليم”، وتم حل أزمة المعاشات التقاعدية للخدمة الدائمة من جهة أخرى فشلت الحكومة المنتهية ولايتها أيضًا في مساعدة الجيش “الإسرائيلي” على تجاوز تراجع ثقة الجمهور به، وتراجع الدافعية في صفوف جنوده. قد يكون هذا نتيجة مباشرة للاستقطاب السياسي الذي يتغلغل بشكل خطير في صفوف الجيش. هذا خطر لا يقل أهمية عن التهديدات الخارجية، ويتطلب الترفع من كافة الجهات وعدم الالتفات إلى من لايستحقون الرد عليهم والأخبار الكاذبة.

لهذا السبب بالذات يتوجب تعيين رئيس أركان، فالقصة لا تتعلق بالمرشحين،  فكلهم جديرون بالمنصب، ومحاولة تلويثهم بالسياسة قبيحة، فلا يمكن للجيش “الإسرائيلي” أن يعمل لفترة طويلة في حالة من عدم اليقين، مع وجود قائم بأعمال رئيس أركان لا يعرف هو نفسه ما سيحدث في المستقبل في منطقة يمكن أن تبدأ فيها الحرب في أي لحظة وحيث يحدث كل ليلة عمل غير معروف في مكان ما ويتم منع هجمات من شتى الأنواع، فالاستقرار مطلوب في الهيئة التي من المفترض أن تضمن الاستقرار لنا جميعًا؛ لذلك فهي ليست انتزاع بل إنقاذ. ومن المتوقع أن تفهم المستشارة القانونية للحكومة غالي باهراف ميارا ذلك. على عكس التصريحات المبتذلة، ليس كل شيء سياسيًا: فهناك أيضًا وطنيا. و تعيين رئيس الأركان هو حدث من هذا القبيل وهو الأمر العاجل.

المقال يعبر عن رأي كاتبه

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى