ثلاثة أسابيع تفصل عن موعد الاستحقاق النيابي، وما زال أكثر من “صندوق أسود” مقفلاً لا يفصح عن مكنوناته وخباياه من الأصوات التفضيلية بانتظار “اليوم الكبير”، ويمكن تلخيصها في 4 صناديق:
1- الصندوق الأوّل هو نسبة الاقتراع التي تبدو إلى الآن خجولة. لا توحي بأنّها ستعكس حالة الغليان والانتفاضة التي يُفترض أنّها باتت ملازمة للّبنانيّين منذ أن صاروا ضيوف “جهنّم” منذ 17 تشرين في 2019. تعجز مراكز الاستطلاع عن التقدير المسبق لنسب مشاركة المقترعين يوم 15 أيار، ربطاً بحالة الإحباط التي يبدو أنّ السلطة تقصّدت بثّها من خلال التشكيك دوماً بمصير الانتخابات، وبحالة الفوضى التي تسلّلت إلى قوى التغيير وحالت دون ذوبانها في لوائح موحّدة كان يُفترض أن تشكّل إطاراً بديلاً للسلطة لتكوين موجة تأييد “تغييرية” تسمح بحصول الاختراقات في لوائح السلطة وتركيبة البرلمان.
2- الصندوق الثاني هو الشارع السنّيّ الذي صار تحت تأثير عدّة عوامل، أهمّها حالة الانكفاء التي فرضتها مغادرة رئيس الحكومة السابق سعد الحريري المشهد السياسي. إلا أنّ الأخير عاد “بصمت” إلى الداخل اللبناني، من الزواريب الانتخابية من خلال دعم بعض المرشّحين من دون سواهم (لائحة نبيل بدر في بيروت، هادي حبيش في عكّار، إيلي الفرزلي في البقاع، سعد الدين الخطيب في الشوف)، مع العلم أنّ الدعم لا يتخطّى عتبة “اللاحُرُم” الذي قد يلقيه في المقابل على مرشّحين آخرين تجاوزوه في ترشيحاتهم. وهو ما يعني أنّه غير معنيّ بتحريك ماكينته الانتخابية أبداً، وقد يكتفي بالطلب من مناصريه التصويت للّوائح “المرضيّ عنها”. وذلك بالتوازي مع دخول رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة إلى المعركة أيضاً. لكنّ انخراطه غير قابل للاستثمار خارج حدود العاصمة بدائرتها الثانية في ظلّ عباءة وحركة السفير السعودي وليد البخاري مع العلم أنّ استطلاعات الرأي كلها تظهر ضمن اللائحة التي يدعمها في بيروت. يبدو أيضاً أنّ أحمد الحريري يشمّر عن ذارعيه متردداً، لكن بمبادرة شخصيّة منه ولاعتبارات خاصة. وكلّ ذلك قد يساهم في تحريك المياه الراكدة لدى هذه البيئة.
تجدر الإشارة، في هذا السياق، إلى حقيقة تأثير القوات اللبنانية على البيئة السنّيّة. إذ ثمّة من يرى أنّ الحملة التحريضية التي شنّها “تيار المستقبل” ضدّ القوات خلال الأسابيع الأخيرة ارتدّت سلباً على هذا الفريق في الدوائر المشتركة (عكار، الشوف، البقاع…)، وربّما هذا الأمر هو الذي دفع الحزب التقدّمي الاشتراكي إلى تغليب سيناريو الافتراق عن “القوات” في دائرة البقاع الغربي. بالمقابل، يرى البعض الآخر أنّ “القوات” لا تزال حاضرة في هذه المناطق ربطاً بخطابها وبعلاقتها المميّزة مع السعودية، رغم ضعف قدرتها على استنهاض الشارع السنّيّ في الساعات الأخيرة قبل فتح صناديق الاقتراع.
3- الصندوق الثالث هو المغتربون الذين أبدوا حماسة لتسجيل أسمائهم، فيما لا تزال مشاركتهم الاقتراعية محور تكهّن بين المعنيّين بعد فلش خارطة مراكز الاقتراع التي أثارت بعض الاعتراضات.
4- الصندوق الرابع هو تشرذم المعارضات أو قوى “التغيير”. كان الرهان على هذه القوى لاستنهاض الشارع المعترض، الذي بات يمثّل شريحة كبيرة من اللبنانيين، وفق ما تؤكّده مراكز الاستطلاع. حتى إنّ أداء قوى السلطة، سواء في تشكيل اللوائح أو حتى في خطاباتها الانتخابية، لم يساعد هذه الأخيرة على توسيع حالة التأييد الخاصة بها. فبعد عشرات الاجتماعات الماراتونية، تمكّنت مجموعات قليلة من تذليل خلافاتها لتقديم لوائح موحّدة في بعض الدوائر، الأمر الذي قد يعطيها فرصة لتجاوز عتبة الحاصل الانتخابي. لائحة المعارضة في الجنوب الثالثة فعلتها. لائحة “شمالنا” كانت الأكثر قدرة ونجاحاً في تجاوز اختبار الاتفاق على الترشيحات كذلك في بيروت الثانية. في المقابل، تسعى بعض اللوائح، حيث تتعدّد القوائم المعارضة، إلى إقناع الناخبين بأنّها هي التي تمثّل هذا “النهج”، ولو أنّها متّهمة بالتسبّب بالخلافات وبالانقسامات.
على سبيل المثال لا الحصر، يقدّم المحامي واصف الحركة نفسه رئيساً لإحدى اللائحتين المعارضتين في بعبدا، مع العلم أنّ المعنيين يؤكّدون أنّ رغبته بتزعّم اللائحة (لاعتبارات انتخابية شخصية) هي التي ساهمت في انقسام المعارضة وتشتّتها، أسوة بما حصل في انتخابات نقابة المحامين حيث توزّعت المعارضات على أكثر من لائحة تحت ضغط الحركة نفسه، الأمر الذي أدّى إلى هزيمتها. والأنكى هو تقديم نفسه وجهاً معارضاً من وجوه “الثورة”، باعتباره منزّهاً عن ممارسات الأحزاب.
مع ذلك، يقول متابعون إنّ الأيام الخمسة الأخيرة التي تفصل عن موعد الانتخابات، هي التي ستحسم مدى قدرة اللوائح المتنافسة على استنهاض الناخبين، ولا سيّما تلك الفئة منهم التي توصف بـ”المتردّدة”، والتي يُقال إنّها تترك حسم خياراتها حتّى الساعات الأخيرة.
فهل تتمكّن اللوائح المعارضة من جذب هذه الفئة؟ أم تنجح “القوات” في القضم من هذا الطبق لرفع عدد حواصلها؟
