مَن يحكم مِن بعبدا؟
اندريه قصاص-لبنان24
منذ ما يقارب الأسبوع تبدّلت اللهجة في القصر الجمهوري، بعدما أصبح غير مألوف ما كان عادّيًا بالنسبة إلى المواقف التي تصدر بإسم الرئيس ميشال عون، وفي بيانات توزّع رسميًا وتتلى بالصوت من على المنبر الرئاسي وأمام شاشات التلفزة، الأمر الذي دفع ببعض الذين كانوا يعتبرون أنفسهم مقربين من رئيس الجمهورية الى التساؤل عن مغزى هذه الحركة المفاجئة، أو إذا جاز التعبير ذلك “الإنقلاب” في النهج والمنطق. كما استغربوا زجّ رئاسة الجمهورية في متاهات سياسية في غير محلها، وتصوير رئيس الجمهورية وكأنه رئيس حزب وليس رئيسًا لجميع اللبنانيين بفعل موقعه الجامع، وهو الذي إرتضى أن يُطلق عليه لقب “بي الكل”، فأتى من أراد تحجيم هذا الدور وجعل أبوته محصورة بفئة محدّدة من اللبنانيين.
كان يُقال، وقبل هذه الفترة، أن بصمات الوزير السابق جبران باسيل كانت واضحة في مجمل القرارات التي كانت تصدر عن بعبدا، وربما أن البعض كان يغالي في ما كان يذهب إليه، بإعتبار أنه لم تكن لدى هؤلاء معطيات حسّية ومقرونة بدلائل واضحة. أما اليوم فإن الأمر لم يعد مجرد تكهنات وشكوك وظنون، بل أصبح واقعًا يُمارس على أرض بعبدا بالمباشر ومن دون مواربة، إذ أن جميع الذين تمّ تعيينهم أو إعتمادهم مستشارين لرئيس الجمهورية معروفة إرتباطاتهم المباشرة بباسيل، وقد إنتقلوا من “ميرنا الشالوحي” إلى بعبدا بقرار منه، وبموافقة رئيس الجمهورية، وذلك من أجل وضع يده على كل شاردة وواردة في دوائر القصر الجمهوري، وبالأخص في الشؤون الإعلامية.
وفي رأي بعض الأوساط السياسية المراقبة أن هذا الأمر قد يورطّ رئيس الجمهورية في المدّة المتبقية من ولايته في ما لا يريده ربما، وقد يدفع الآخرين الذين ينتظرون على الكوع إلى تصويب إستهدافاتهم أكثر من الماضي، وذلك بعدما أُعطوا الحجج المجانية لإتهام الرئيس عون بالإنحياز إلى خيارات باسيل في السياسة، والتي قد يكون لها تأثيرات سلبية على الساحة السياسية، ومن بينها عرقلة تشكيل الحكومة. وهكذا بات الموقف الرئاسي مرتبطًا بالمباشر بما يصدر عن المجلس السياسي لـ”التيار الوطني الحر”، مع ما لهذه المواقف من تأثير سلبي على مسيرة العهد.
ومن بين الأخطاء في الأداء التي باتت “فاقعة” البيان الذي صدر بالأمس عن المكتب الإعلامي لرئاسة الجمهورية، وفيه نفي لكلام منسوب إلى الرئيس عون. فإذا لم يكن رئيس الجمهورية صاحب الكلام المنشور تقريبًا في مختلف وسائل الإعلام فمن يا تُرى قد سرّب مثل هذا الكلام المعمّم، إذ أنه من المستحيل أن تكون “الفبركات” قاسمًا مشتركًا بين معظم الإعلاميين الذين يتعاطون الشأن السياسي، الذين نقلوا كلام الرئيس تمامًا كما أُوحي لهم به، وهو لم يكن من عندياتهم لأنه لا يُعقل أن يأتي النص متطابقًا في التعابير المحدّدة بين جميع الصحافيين الذين تناولوا هذا الموضوع، مما يؤكد فرضية أن ثمة جهة معينة في القصر الجمهوري تقصدّت تسريب هذه المواقف.
أما الخطأ الثاني، والذي إرتُكب في اقل من أسبوع فكان الكلام الإستجوابي الذي صدر ببيان رسمي عن لقاء رئيس الجمهورية مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامه، إذ تضمّن محضر مضبطة إتهامية وجهت إلى الحاكم من دون أن ينقل هذا البيان أجوبة سلامه على أسئلة الرئيس عون الإتهامية، وقد إتخذ بذلك صفة الإدعاء على حاكم مصرف لبنان في قضية إرتفاع سعر الدولار في السوق الموازية، وهو بذلك يكون قد إختصر كل السلطات بسلطة واحدة.
هذا غيض من فيض مما ينتظره اللبنانيون من مفاجآت في الأيام القليلة المقبلة بعدما وصلت أمور الحكومة المتعثرة إلى مراحل متقدمة في التراجع، وبعدما كثر الحديث عن إمكانية الضغط الشعبي والنيابي الأكثري لاستبدال الرئيس سعد الحريري كرئيس مكلف من المجلس النيابي بفعل الإستشارات النيابية الملزمة بشخصية أخرى، وبالتالي العمل على إقناع “حزب الله” بالسير في هذا الخيار غير الدستوري. ويقول البعض أن تصريح الشيخ نعيم قاسم قد يكون مقدمة لتغيير ما في موقف الحزب المطالب من قبل قاعدته بحسم هذا الموقف لمصلحة باسيل وفريقه.
يجب أن ننتظر ونراقب.