صنعاء | مكّنت الصناعات العسكرية اليمنية، التي قلّلت دول العدوان من أهمّيتها خلال مراحل التصنيع الأولى، حركة «أنصار الله»، من تغيير المعادلة العسكرية جوّاً وبرّاً، وفرضت استراتيجية توازن ردع جديدة لحرب بدأت غير متكافئة. فصنعاء، التي تعرّضت منظومات دفاعها الجوّي لعملية تدمير ممنهجة قبل الحرب، تمضي نحو تطوير دفاعات جوّية بديلة، وهي قطعت شوطاً كبيراً في هذا الاتجاه، بحيث كان لذلك التطوّر دور في التقدّم العسكري في مأرب والجوف خلال العامَين الماضيَين. كما نجحت الحركة في تحويل مخزونها الصاروخي المتقادم إلى مخزون من المنظومات الحديثة. وعلى رغم قيادة رُعاة المبادرة الخليجية خلال الفترة ما بين 2012 و2014، مشروعاً لتدمير أعداد كبيرة من صواريخ أرض – جو «سام1» و«سام2»، وأيضاً تدمير بطاريات صواريخ «بتشورا» (سام3) و«كودرات» (سام6) و«ستريلا» (سام2)، لم تستطع تلك الدول، ومِن خلْفها الولايات المتحدة، في الوصول إلى مخازن صواريخ «توشكا» و«سكود» و«فروغ» و«فولجار» و«كونفراد» الروسية، فضلاً عن الصواريخ الكورية من طرازَي «هواسونغ» و«كروز» المجنّحة.

ولذا، كانت أولى هجمات العدوان مُوجَّهة نحو ألوية الصواريخ في غربي العاصمة صنعاء وجنوبيها، إلّا أنه، وعلى رغم الدمار الهائل الذي طال تلك الألوية، كانت حركة «أنصار الله» قد نقلت ترسانة الصواريخ الروسية إلى أماكن آمنة. ومع ذلك، لم تعلّق صنعاء على إعلان «التحالف»، في 21 نيسان 2015، تدمير 90% من الصواريخ اليمنية وشلّ قدرة الـ10% المتبقية، وبالتالي إنهاء «عاصفة الحزم» والانتقال إلى «إعادة الأمل». ونظراً لحسابات عسكرية دقيقة، تأخّرت الحركة في الردّ على هذه المزاعم لعدّة أشهر، قبل أن تستهدف بصاروخَين من نوع «توشكا» معسكرَين تابعين لـ«التحالف»، الأوّل في صافر شمال مأرب، والثاني في منطقة شعب الجن في باب المندب غربي تعز، ولتتوقّف عن استخدام هذا النوع من الصواريخ مطلع عام 2016، وتبدأ تجربة جديدة في الصناعات الصاروخية انتقلت من التعديل والتطوير إلى الإنتاج المحلّي.

تطوير وتحديث
وفقاً لمصادر عسكرية رفيعة، تحدّثت إلى «الأخبار»، فقد أخضعت صنعاء معظم الصواريخ الروسية التي كانت في مخابئها للتطوير والتحديث، بعدما تبيّن أنها قابلة لرفع المديات والسرعة وزيادة الرأس المتفجّر. وتَعزّز ذلك إثر تمكُّن صنعاء من إنتاج الوقود الصلب، لتُنتج أكثر من عشر منظومات صاروخية خلال سنوات الحرب الماضية، معظمها مُطوَّرة، وأخرى محلّية الصنع. ويوضح المتحدّث الرسمي السابق باسم القوّات الجوية والدفاع الجوّي في صنعاء، اللواء عبد الله الجفري، في حديث إلى «الأخبار»، أن «العدوان والحصار، وكذلك قرار حظر استيراد الأسلحة الذي اتُّخذ من مجلس الأمن، وضعا صنعاء أمام مواجهة مصيرية، فكان لزاماً أن تتّجه نحو تطوير وتحديث الأسلحة التقليدية والاستراتيجية، أكانت الدفاعية أو الهجومية». ويتبيّن أن «معظم المخزون الصاروخي التابع لصنعاء هو روسيّ الصنع قديم، حصلت عليه جمهورية اليمن الديموقراطية الشعبية (جنوب اليمن سابقاً) من الاتحاد السوفياتي إبّان الحرب الباردة»، مشيراً إلى أنّ «نظام صنعاء السابق أهمل هذا المخزون بشكل كبير، ولم يقُم بصيانته خلال سنوات ما قبل العدوان. وبعد ثورة 21 أيلول 2014، استطاع الجيش واللجان الشعبية تحديث وتطوير هذا المخزون الاستراتيجي الهامّ الذي غيّر المعادلة العسكرية». ويؤكد الجفري أن «كلّ الصناعات الصاروخية وصناعة الطيران المسيّر طُوِّرت وصُنعت بأيدٍ يمنية خالصة»، ولفت إلى أنّ «الشهيد عبد العزيز المهرم، أحد أبطال القوات الجوية، استطاع تحويل صواريخ جو – جو إلى أرض – جو، كصواريخ دفاعات جوّية أسهمت في مواجهة طيران العدوان بشكل فاعل، وأجبرت أعداداً كبيرة منها على مغادرة الأراضي اليمنية خلال العامين الفائتين»، جازماً أن «الصناعات العسكرية اليمنية اليوم تمضي من تطوّر إلى آخر بفضل العقول اليمنية، بحيث أصبحت اليمن تنتج طائرات وصواريخ بمديات تصل إلى 2500 كلم».

الترسانة الصاروخية
خلال السنوات الماضية، اتّخذت الصناعات الصاروخية منحى تصاعدياً، ليَدخل عدد كبير من الصواريخ الخدمة، بمديات مختلفة، كمنظومات «الصرخة» و«صمود» و«الزلزال» و«النجم الثاقب»، وجميعها استُخدمت في الجبهات الداخلية بشكل مكثّف خلال عامَي 2017 و2018. وفي مطلع عام 2019، انتقلت صنعاء إلى صناعة الصواريخ الذكية، لتُدشّن صاروخ «بدر 1» المُطوَّر، وذلك بعد شهر فقط من إعلانها دخول صاروخ «بدر P-1» الذكي، الخدمة. كما أُعلن العام الماضي دخول صواريخ ذكية قصيرة المدى الخدمة، كـ«سعير» و«نكال» المتشظّي. وفي ظلّ استمرار الحرب وفشل مساعي السلام، أعلنت صنعاء تفعيل عدد من المنظومات الصاروخية المتوسّطة والبعيدة المدى، خلال السنوات الفائتة، كمنظومة صواريخ «قاهر 1» المُعدّلة من «سام 2» الروسية، لتصبح باليستية هجومية، ومنظومة «قاهر M2» الذي يزن رأسه الحربي 350 كيلوغراماً، ومنظومة صواريخ «بركان 1» الباليستية المُطوَّرة من «سكود بي»، والمصمَّمة رؤوسها لقصف القواعد العسكرية الضخمة، وتمّ تطويرها إلى «بركان 2»، بعدما رُفع معدّل مداها إلى أكثر من 1000 كلم، ثمّ جاءت منظومة «بركان H2» كأحد أهم الصواريخ متوسّطة المدى، فضلاً عن دخول منظومة «القدس 1» الخدمة. وحتى الآن، لا يزال صاروخ «ذو الفقار»، الذي يعمل بالوقود السائل، هو الأبرز بعد «القدس 1»، وأيضاً صاروخ «قاصم -1» الذي يتّسم بدقة عالية في ضرب الأهداف. والعام الفائت، دخلت الخدمةَ صواريخُ باليستية جديدة من طرازات «سعير» و«قاصم2» و«قدس2» المجنّح، وهي صواريخ يُراوح مداها بين 1700و2500 كلم، ولم تُستخدم بعد في أيّ عملية عسكرية.

المسيّرات تغيّر المعادلات
وتزامناً مع تعاظم القوّة الصاروخية، دخل الطيران المُسيّر خطّ المواجهة، وكانت البداية مع استخدام طائرات «راصد» قصيرة المدى، والتي استُخدمت لكشف تحرّكات العدو ورصد تجمّعاته في جبال نهم شرقي صنعاء عام 2016. وتميّز هذا النوع من المسيّرات بصغر حجمه، فتعاملت قوى العدوان معه باستخفاف، ولم تعترف بامتلاك «أنصار الله» مسيّرات إلّا بعد أن تصاعدت هجمات الحركة في العمق السعودي خلال السنوات الثلاث الفائتة. ثمّ شهدت هذه التجربة نقلة نوعية بعد استحداث وزارة الدفاع في صنعاء «وحدة سلاح الجو المسيّر» أواخر عام 2017، حيث بدأ تطوير المسيّرات وتحويلها من استطلاعية بدائية وبمدى قصير، إلى هجومية ومتشظّية وانتحارية متوسّطة وطويلة المدى. وحتى الآن، تمّ إنتاج عدد من الطرازات الخاصّة بالرصد والاستطلاع كـ«هدهد» و«راصد» و«رقيب»، وهي قصيرة المدى وصغيرة الحجم تطير على ارتفاعات منخفضة، ولا تحتاج إلى مدارج أو محطّات تحكّم، وتنحصر مهامها في رصد الأهداف وتحديد إحداثيات العدو، فيما بدأت تجربة صنعاء في مجال الطائرات الهجومية مع «قاصف 1» المزوّدة بنظام ذكي لرصد الهدف، والتي تحمل رأساً حربياً زنته 30 كلغ، ودخلت الخدمة عام 2017.
إلا أن هذا النوع من المسيّرات شهد تطوّراً نوعياً وكمّياً خلال الفترة ما بين 2018 و2021، إذ أعلنت دائرة التصنيع العسكري في صنعاء دخول طرازات جديدة من الطائرات المسيّرة كـ«صماد 1»، و«صماد 2»، و«صماد 3»، الخدمة، وكانت الأولى استطلاعية بمدى 500 كلم، والثانية هجومية بمدى 1000 كلم، والثالثة هجومية بمدى يصل إلى 1500 كلم. وتمتاز هذه المنظومة بتكنولوجيا مُتطوّرة لا تستطيع المنظومات الدفاعية اكتشافها واعتراضها، ولذلك استُخدمت في استهداف شركة «أرامكو» في السعودية، ومطار أبو ظبي في 26 أيار 2018، وتُستخدم حالياً في تنفيذ أهداف استراتيجية بعيدة المدى. وفي عام 2019، أُميط اللثام عن طراز «قاصف K 2» المتشظّي، وهو نسخة متطوّرة من «قاصف 1»، يمتاز بقُدرة على تضليل أنظمة الرادار، وينفجر من أعلى إلى أسفل بمسافة 20 متراً، بمدى مؤثّر وقاتل يصل إلى ما بين 30 و80 متراً، ويمتاز بقدرته على حمل كمّيات مُناسبة من المُتفجّرات بهدف مُضاعفة القوّة التدميرية. كما تمّ الكشف عن مسيّرات جديدة من طرازات «وعيد» و«صماد 4» و«شهاب» و«خاطف»، يصل مداها إلى أكثر من 2000 كلم، وأخرى من طرازات «مرصاد» و«رجوم» و«نبأ». وتُضاف إلى ما تَقدّم صناعة ألغام بحرية من طرازات «كرار1» و«كرار2» و«كرار3» و«عاصف2» و«عاصف3» و«عاصف4» و«شواظ» و«ثاقب» و«أويس» و«مجاهد» و«النازعات».
وتأتي هذه الإنجازات فيما تفرض السعودية حصاراً مطبقاً على اليمن، منعت بموجبه دخول أكثر من 160 صنفاً من المنتَجات والمواد الأوّلية تحت ذريعة استخدامها في صناعة المسيّرات، ومنها محاليل طبّية ومدخلات خاصة بالصناعات الغذائية والألبان، وصولاً إلى منع هياكل الدراجات النارية. كما شنّت الآلاف من الغارات على أحياء سكنية، وعقب كلّ جريمة ترتكبها بحق المدنيين، تزعم أنها دمّرت مخازن وورش صناعة المسيّرات. إلّا أن مصادر عسكرية في صنعاء أبلغت «الأخبار» بأن القوات العسكرية اليمنية تستعدّ للإعلان عن منظومات وطرازات جديدة من المسيّرات دخلت خطوط الإنتاج الحربي بجهود محلية بنسبة 100%، إضافة إلى بعض الأسلحة التي خضعت للتجربة وأثبتت كفاءتها وفاعليتها العالية في الميدان.