لعبةٌ غربية بلا قواعد | روسيا نحو عقوبات مضادّة: عليّ وعلى أعدائي؟
الأخبار
وفي هذا الإطار، واصل الغرب، أمس، فرض عقوبات جديدة على روسيا، إذ استبعدت دول الاتحاد الأوروبي 7 مصارف روسية من نظام «سويفت» المالي العالمي، واستثنت من ذلك مؤسّستَين ماليتَين كبيرتَين مرتبطتَين بقطاع المحروقات. ومن بين المؤسّسات المعاقَبة بنك «في تي بي»، ثاني أكبر مصرف في روسيا، فيما من بين المستثنين مصرف «سبيربنك» الرئيس في البلاد، والذي يمرّ عبره الجزء الأكبر من التسديدات لإمدادات الغاز والنفط الروسيَين، التي تعتمد عليها الدول الأوروبية بشكل كبير.
في المقابل، واصلت موسكو اتّخاذ إجراءات داخلية ردّاً على العقوبات، ومن ضمنها قرار للرئيس فلاديمير بوتين يمنع إخراج ما يزيد على 10 آلاف دولار من النقد الأجنبي من روسيا. كذلك، اتّخذ البنك المركزي الروسي إجراءات لمنع البيع الجماعي للأوراق المالية الروسية وسحب الأموال من السوق المالية الروسية، وبهذا لن يتمكّن الأجانب من بيع أوراقهم المالية الروسية أو الحصول على دخل منها، بما يشمل أرباح الأسهم. كما أبدت وزارة المال الروسية تأييدها إلغاء الضريبة على القيمة المضافة على مشتريات الذهب من قِبَل الأفراد، مُقترحةً تفضيلها على شراء العملات الأجنبية.
وفي السياق نفسه، أكد المتحدّث الصحافي باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، أن الاقتصاد الروسي «سيقف على قدميه» على رغم تعرّضه لـ»ضربات خطيرة»، كونه يتمتّع بهامش أمان، وذلك في معرض ردّه على كلام بايدن عن أن الاقتصاد الروسي «مهتزّ» بسبب العقوبات. ولفت بيسكوف إلى أن لدى روسيا إمكانات للتعامل مع الأزمة، مضيفاً أن الحكومة تدرس مجموعة من الخطط في هذا الإطار. وأكد بيسكوف أن موسكو ستردّ على العقوبات الغربية «بحزم»، مستدركاً بأن موسكو تدرس الردّ بما يناسبها، وبشكل لا يقوّض سلامة اقتصادها، حتى لا «تطلق النار على أقدامها».
وبدأت ارتدادات العقوبات الاقتصادية على روسيا، بالظهور جليّاً أمس في سوق الطاقة والمعادن، حيث ارتفع سعر برميل خام تكساس ليبلغ 110.30 دولار، بعدما كان وصل إلى 111.50 دولار، وهو مستوى قياسي منذ 2013. كذلك، ارتفع برميل نفط برنت بنسبة 6.16% ليصل إلى 111.44 دولار للبرميل، بعدما كان بلغ 113.02 دولار، في أعلى مستوى له منذ 2014. أمّا على صعيد الغاز، فسُجّل ارتفاع في السعر الذي وصل إلى أكثر من 2000 دولار لكلّ ألف متر مكعّب. وقفزت أسعار الألمنيوم أيضاً إلى ما فوق 3550 دولاراً للطنّ، في أعلى مستوى على الإطلاق، فيما واصل البلاديوم ارتفاعه ووصل إلى 2604 دولارات بسبب تفاقم المخاوف المتعلّقة بالإمدادات. وتستخدم شركات تصنيع السيارات، البلاديوم – الذي تنتج روسيا نحو 40% منه على مستوى العالم، في محوّلات لكبح الانبعاثات الضارّة.
وفي تقرير لصحيفة «فزغلياد» الروسية، أجمع الخبراء على أن قطاع الطاقة قد يكون إحدى الأوراق التي قد تلجأ إليها موسكو ردّاً على العقوبات الغربية. ولفت الخبير في صندوق أمن الطاقة الروسي، إيغور يوشكوف، إلى أن الغرب يحاول إخراج إمدادات الهيدروكربونات الروسية من دائرة العقوبات، مضيفاً أن شركة «غازبروم» زادت من شحنات الغاز إلى أوروبا عبر خطّ الأنابيب الأوكراني بنحو الضعف؛ فبدلاً من 50 مليون متر مكعّب من الغاز يومياً، كما كانت الحال قبل بدء العملية العسكرية، وصل الرقم الآن إلى 109 ملايين متر مكعّب من الغاز يومياً، وهو الحدّ الأقصى الإلزامي الذي تمّ تحديده في العقد. ومع ذلك، لم يستبعد يوشكوف أن تلجأ روسيا إلى توقيف إمدادات الهيدروكربونات كردّ فعل، إذا اعتبرت أن نتائج العقوبات الغربية على اقتصادها ستكون «كارثية»، قائلاً: «إذا كان هذا الإجراء سابقاً يبدو رائعاً ومجنوناً، فيمكن اعتباره الآن خياراً عملياً، ولكن لا يزال هو الملاذ الأخير».
واعتبر أن «اللعبة تسير بالفعل من دون قواعد»، لافتاً إلى أن «السيناريو الأكثر تشاؤماً هو استيلاء الغرب على جميع الحسابات والممتلكات لجميع السكّان الروس»، متسائلاً: «ما الداعي عندها لبيع النفط والغاز إذا كانت العملة المُحقّقة منهما مجمّدة في الحسابات؟». وأكد الخبير أن «مثل هذا الخيار سيكون الأخطر إذا ما لجأت موسكو إليه، وعلى رغم أنه سيكون له تأثير عليها، إلّا أن خطره أيضاً سيطاول الاقتصادَين الأوروبي والعالمي، وقد يصل سعر برميل النفط إلى بين 150 و200 دولار للبرميل الواحد، إضافة إلى خطر قطع الغاز الروسي عن أوروبا، حيث سيكون من الصعب توفير نحو 150 مليار متر مكعّب من الغاز توفّره روسيا لأوروبا في السوق، ما قد يؤدي إلى توقّف معامل الكهرباء في أوروبا، مع ما يعنيه ذلك من ضرر على الاقتصاد، في ظلّ شحّ القدرات على إنتاج الطاقة الكهربائية من المفاعلات النووية، وانقطاع الفحم الذي توفّره أيضاً روسيا للدول الأوروبية».
من جهته، أعرب المحلّل الاقتصادي، فلاديمير أنانييف، عن اعتقاده بأن «موسكو ليست في عجلة من أمرها لفرض عقوبات انتقامية، ستضرّ بالأعمال الروسية بشكل سلبي». ولفت أنانييف إلى أن «لدى موسكو عدداً من الإجراءات للردّ، وتحديداً حظر تصدير بضائع مهمة للأوروبيين، من دونها يمكن أن يتدهور اقتصاد أوروبا وحياة الأوروبيين بشكل خطير». وأعطى مثالاً على ذلك الأسمدة التي تدخل في الزراعة الأوروبية، والتي سيرفع أيّ انقطاع لها من الفاتورة الغذائية بالنسبة للأوروبيين. كما سيكون هناك أثر بالغ إذا ما قرّرت روسيا حظر تصدير البلاديوم الذي يدخل في صناعة السيارات الأوروبية، إضافة إلى النيكل والكوبالت اللذين سيخلّف حجبهما تبعات سلبية على إنتاج السيارات الكهربائية.