لا تزال الجولة الاستطلاعية التي نفذتها المسيَّرة «حسان» التابعة لحزب الله، لمسافة 70 كلم شمال فلسطين المحتلة، تتفاعل داخل الكيان الإسرائيلي على المستويين الرسمي والإعلامي. إلا أن الأسئلة التي تشغل جهات القرار السياسي والأمني تنبع من الموقع والدور الذي أصبحت تلعبه المسيّرات في معادلات القوة، في ضوء تطورها والنتائج التي حققتها في المعارك التي شهدتها وتشهدها المنطقة، من أذربيجان – أرمينيا، إلى اليمن في دفاعه ضد العدوان السعودي – الإماراتي – الأميركي.

من الواضح أن الصمت الذي خيَّم على المستوى الرسمي في كيان العدو ناجم عن إدراك لخطورة الرسائل وحراجة الموقف ومحدودية الخيارات. لذلك انتهى إلى قرار بتوجيه وزير الأمن بني غانتس رسالة ذكَّر فيها بقوة سلاح الجو الإسرائيلي متجاهلاً حقيقة أن هذا الأمر خبِره اللبنانيون منذ نشوء الكيان الإسرائيلي. إلا أن الجديد الذي يبدو أن العدو بدأ باستيعابه، هو أن ما كان يخشى حصوله قد تحقّق. إذ شكّلت الجولة الاستطلاعية للمسيّرة «حسان» ترجمة عملية للمخاوف التي عبَّر عنها كبار المسؤولين الإسرائيليين في مناسبات عدة، حول خطر امتلاك حزب الله مسيّرات متطورة وتأثير ذلك في معادلات القوة في المنطقة.
ويبدو أن حزب الله هدف من العملية النوعية، على مستوى القرار والأبعاد والرسائل والإنجاز العملياتي (فشل منظومات الاعتراض وسلاح الجو في إسقاطها)، إظهار جانب من قدراته المتطورة، لتعزيز معادلة الردع وتصويب تقديرات مؤسسات القرار في كيان العدو، لتكون خياراتها أكثر عقلانية في حسابات الكلفة والجدوى.
وقد يساعد في فهم خلفية حجم المخاوف التي أظهرها قادة العدو، استحضار قراءة الجهات المهنية والقيادية في كيان العدو لهذا التهديد الذي تم تناوله في مناسبات عدة، من موقع التحذير. فقد نقلت صحيفة «هآرتس»، في تموز الماضي، أن إيران «وجدت في المسيّرات رداً جزئياً على تفوق سلاح الجو الإسرائيلي، وأن الجيش قلق من أن تصل هذه القدرات إلى حلفائها في المنطقة. ويتقاطع هذا التقدير مع إعلان قائد المنطقة الوسطى في الجيش الأميركي الجنرال كينيث ماكنزي، في ضوء المسيرات المتطورة التي تصنعها إيران على نطاق واسع، «أننا للمرة الأولى منذ الحرب الكورية، نعمل من دون تفوق جوي كامل».ارتقى التعبير عن المخاوف الإسرائيلية مع انكشاف مزيد من مزايا تطور المسيرات التي تصنعها إيران. ففي خطاب لوزير الأمن الإسرائيلي بني غانتس في 12/9/2021، في مؤتمر معهد السياسات التابع لمعهد هرتسيليا، حذر من أن «إحدى الأدوات النوعية التي طورتها إيران هي المسيرات غير المأهولة» التي تشكل «منظومة من السلاح الفتاك، والدقيق مثل الصواريخ الباليستية أو الطائرات القادرة على تجاوز آلاف الكيلومترات. وفي السياق نفسه، تناول رئيس وزراء العدو هذا التهديد المستجد في كلمته أمام الأمم المتحدة، في أيلول الماضي، مشيراً إلى أن المسيرات الإيرانية «مزوَّدة بأسلحة فتاكة، وقادرة على أن تهاجم في أي مكان وزمان. وهم يخططون لتغطية سماء الشرق الأوسط بهذه القوة الفتاكة». وأعرب عن قلق إسرائيل من أن «تزود إيران حلفاءها في اليمن وسوريا ولبنان بالمئات من هذا النوع، ولاحقاً بالآلاف».
لكن من الواضح أنه لم يخطر في بال بينيت وغانتس أن ينتقل حزب الله إلى مرحلة صناعة المسيّرات محلياً كما أعلن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله أخيراً، وحرص على أن يلمس الإسرائيلي بشكل مباشر مستوى تطورها عبر اختراق منظومات الدفاع الجوي الإسرائيلي في ذروة استعداداتها.
من الواضح أن تناول غانتس وبينيت بعبارات متشابهة للتهديد الذي تمثله المسيرات كان نتاج بحث وتقدير الأجهزة المهنية المختصة في جيش العدو، ويكشف عن حجم مخاوف المستويات القيادية من التهديد المتصاعد لهذا النوع من الأسلحة التي تنضم إلى مروحة أخرى من الأدوات العسكرية، في سياق مسار تصاعدي من تطور معادلات القوة في المنطقة.

خطر المسيّرات يوازي خطر الصواريخ الدقيقة

الخبير الإسرائيلي في الدفاع ضد الصواريخ، عوزي روبين، أشار في دراسة مفصلة قبل 3 أشهر حول سلاح المسيرات وموقعه في سلم التهديدات المحدقة بإسرائيل، إلى أن تطوره وصل إلى مرحلة يشكل فيها تهديداً من الدرجة الأولى على إسرائيل يصعب اعتراضه.
وبعدما تناول مسار تطور المسيرات من الناحية التقنية، لفت إلى أن صناعة المسيرات أقل كلفة وأبسط من صناعة الصواريخ، وهي تشكل سلاحاً دقيقاً قادراً على إصابة أهداف محددة بدقة متر أو مترين. وأضاف روبين الذي ترأس منظومة حيتس لمدة ثماني سنوات، أن من المزايا التي تمنح المسيرات تفوقاً أنه «من غير الممكن التنبؤ مسبقاً من أي اتجاه ستصل»، ما يجعل من الصعب تشخيصها واعتراضها. كما أن بعض المسيرات الإيرانية تتمتع بالقدرة على التخفي ولا تستطيع الرادارات كشفها ما يفاقم من صعوبة اعتراضها.
وتناول بعضاً من المخاطر العملياتية التي يمكن أن تشكلها المسيرات على إسرائيل، موضحاً أن النوع الهجومي والانتحاري منها يمكن أن يضرب نقاطاً حاسمة مثل مخازن الطوارئ وتجمعات المدرعات. إضافة إلى أنه يمكن أن تستهدف قوات الجيش الإسرائيلي خلال حركته وإرباك مناورته البرية. كما يمكن أن تضرب منظومات الدفاع الجوي للجيش، في إشارة إلى القبة الحديدية وغيرها من المنظومات الاعتراضية. وخلص إلى أنه من غير الممكن النظر إلى المسيّرات كوسيلة ثانوية من أجل «الإزعاج، والجمع والردع»، وإنما وسيلة يمكن أن تشكل «كاسراً للتوازن»، يوازي خطرها خطر الصواريخ الدقيقة.


يريدون دفع الناس الى الجنون!
كتب يوآف ليمور، معلق الشؤون العسكرية في صحيفة «إسرائيل هيوم» تعليقاً على ما جرى:
«حققت إيران قفزة كبيرة في السنوات الأخيرة في قدرات طائراتها المسيّرة. هذه الطائرات تحلّق بعيداً، تحمل وقوداً وأسلحة أكثر، وقادرة على التخفّي بشكل أفضل من ذي قبل. وعلى عكس الصواريخ، فان المسيّرات والصواريخ المجنّحة يصعب اسقاطها لأنها تطير ببطء وقريبة جداً من الأرض. ومن غير المعقول ان نصف منطقة الشمال تدخل الى الملاجئ في كل مرة تدخل فيها مسيّرة الى إسرائيل. هذا يمنح حزب الله (او حماس في الجنوب) طريقة سهلة للغاية لدفع إسرائيل إلى الجنون متى شاء.
الاستراتيجية الإيرانية واضحة، وهي تطويق إسرائيل بالصواريخ بكافة انواعها، بما في ذلك المسيّرات والصواريخ المجنحة. وهذا يسمح لإيران بشن هجوم مفاجئ وأكثر دقة على إسرائيل، عندما تقرر، كما حاولت مرات عدة في الماضي.
يوجد لدى الايرانيين عدد كبير من الملفات المفتوحة مع إسرائيل، وعدد غير قليل من عمليات الانتقام التي يسعون لتنفيذها.
ايران لن تنحرف عن طريقها. هذا ليس من طبيعة النظام، وبالتأكيد ليس من طبيعة الحرس الثوري. والفهم الاستراتيجي هذا يستوجب الآن فحص السياسات الإسرائيلية، في كافة الساحات».