المستقبل… الحكي مع القوات “ممنوع”
“ليبانون ديبايت” – عبدالله قمح
لم تنجح محاولات “القوّات اللبنانية” التهدئة مع شريحة تيّار “المستقبل” الشعبية عبر التودّد إلى القادة الروحيين في “التيّار الأزرق”. في معراب أو لدى المحيطين “العقلاء” بها، ثمة قناعة تمّ التوصل إليها وباتت راسخة: “أخطأ الحكيم في التبكير بتوجيه الكلام إلى قاعدة المستقبل، وقد أتت النتيجة معاكسة”، وبدل أن تقرّب السُنّة المستقبليين من معراب، أبعدتهم عنها.
الخطأ في الحساب ليس استثناءً بالنسبة إلى “القوات” وقائدها، بل بات مساراً معتمد على الرغم من أرقامه ونتائجه الكارثية. ذات مرّة قال الدكتور سمير جعجع أن خياره هو “ميشال عون” ثم عاد وأعلن أنه أخطأ، وفي مرّة أخرى أخطأت النائبة ستريدا جعجع، في البعث برسالة إلى الأمين العام ل”حزب الله” السيد حسن نصرالله، في وقتٍ لم تضمن نوابها وزوجها من مهاجمة الحزب ونعته باحتلال الدولة، وفي مرات أخرى ضاع “الحكيم” في سرداب هذه الدولة، من الكهرباء و الإنتخابات إلى حكومة الحريري والثورة، وما زال.
هكذا، مضى جعجع إلى إعادة تدوير خطابه على نحوٍ أعاد ترشيد “الديبلوماسية الناعمة” وأقحمها في ذروة مشكلته مع السنّة تحديداً، إلاّ أن ممثلها الوزير السابق ملحم رياشي، لم يتمكّن من إحداث أي اختراق عبر قناة الرئيس السابق فؤاد السنيورة “غير المفوّض” بالنسبة إلى الحريري، النوب عنه في الداخل، أو حتى في تصفير مشكلة أكل عليها الدهر وشرب.
مع ذلك، فإن مشروع التهدئة التي تتولاه معراب، واجهتيّ الطابع، بمعنى أنه يؤسّس عبر الإعلام لثقافة “دخول البيوت من أبوابها”، لكنه في المقابل ومن خلف ذلك، لا زال يعبرها من النوافذ، بدليل ما يحصل في دائرة زحلة مثلاً، إذ افتتحت معراب النقاش مع الكتلة السُنّية العشائرية الموجودة في الدائرة عبر خدمات متعددة الأوجه، تبدأ بممثلية “القوات” في القضاء ولا تنتهي عند الاخ المتمرّد على شقيقه.
وإن أوحت “القوات” أنها في حلٍّ من وراثة حالة سعد الحريري في الإعلام بدليل تقديم وجوهها الهادئة تحت خطاب “نحن لا نخطط لوراثة أحد” مع ضخّ واسع للغة الحوار وخلق مبررات استحالة الوراثة السياسية لدى الشرائح الشعبية من غير زعامات طوائفها، و مزايدة القنوات على التشدد في احترام وضعية “المكوّن السنّي” ضمن تيّار “المستقبل” وحرصها على التعاون معه، لكن لا زالت تمارس نفس اللعبة ولا تترك فرصةً للتسلل إليه في مختلف الدوائر، وهو ما تسنّى لجماعة لصيقة بسعد الحريري الإطّلاع عليه و إطلاعه في المقابل على مضمونه، وقد نمت لدى هذه الكتلة ونزولاً عند القاعدة المتأثّرة فيها نتيجة توزيع الخطاب سواء عبر الإعلام أو من خلال منصّات التواصل حيث يحتشد “أنصار الحريري” بالآلاف، نزعةٌ تجاه معراب، وهناك في الوسط السنّي من يدعو إلى وجوب تحرير الموقف من معراب بطريقة أوضح، وهذا يأتي على تعميم قرار بضرورة مقاطعة أي مرشح سنّي “يضع يده بيد القوات” أو يرى في نفسه مشروعاً قابلاً للتحصيل على إحدى لوائحها. ومتى أن تبرير “المستقبل” مقبولٌ لمثل هذه المقاطعة لعلمه أن “القوات” اشتغلت ضده، يذهب البعض أبعد من ذلك من خلال طرح نظرية عدم مخالطة “القوات” في أي موضع سياسي كان وصولاً إلى “تحريم” الحديث معها في السياسة، وهذا الجوّ ينسحب على بعض المراجع الدينية السنّية التي باتت ترى في “القوات” خطراً على “الحقل السنّي العام” في ضوء تشديد مفتي الجمهورية عبد اللطيف دريان، على عدم قدرة أحد على وراثة “الحالة السنية” ومسارعته في نصب “جدار حماية” أمامها. وبهذا المعنى، بات أكثر من مرشح سنّي في جو “الحرم” حيال أي علاقة مع “القوات” و التي توجب انصراف هؤلاء عنها.
مع ذلك، ثمة من يعتقد أن في الامكان تدوير الزوايا في هذا الشأن، فبطبيعة الحال ثمة دوائر يحتاج المرشحون السنّة إلى تعاون مع جانب مسيحي تمثّله “القوات” متى كانت علاقة التعاون محرّمة أيضاً مع “التيار الوطني الحر”، وفي هذا الجانب ثمة مزاحمةٌ مثلاً على المقعد السنّي الثاني في دائرة بعلبك الهرمل و الذي قد يذهب في ضوء الضياع السنّي العام إلى مصلحة تحالف الثنائي الشيعي. لكن في المقابل، ثمة من يعتمد نظرية “علي وعلى أعدائي”، بمعنى عزمه على تكبيد “القوات” هزيمةً في بعلبك وبالتالي الإطاحة بمقعدها الضروري هنا عبر تخلّي الصوت السنّي، وبذلك يكون “بيت الوسط” قد ردّ الصاع إلى معراب.
الحسابات إذاً دقيقة، وفي خلاصتها أن التعاون مع “القوات” بات محرّماً، وضرورات الإصلاح ما عادت تنفع في ضوء التمدّد القواتي إلى الساحة السنّية بخلاف ما يُشاع دوماً على المحطات، وثمة من يعتقد جازماً أن انتخابات 2022 في حال حصلت، ستكرّس القطيعة السنية – القواتية بخلاف ما يتردد على الشاشات.