“فتشّوا عن الغاز”… هذه هي خلفية تحرّك هوكشتاين
اندريه قصاص Andre Kassas
مَن تابع مقابلات الوسيط الاميركي في ملف ترسيم الحدود البحرية آموس هوكشتاين على الشاشات اللبنانية أدرك حقيقة إختياره من قِبل واشنطن للقيام بهذه المهمّة، التي تُعتبر أولوية في أجندتها الشرق أوسطية، خصوصًا أن الغاز الطبيعي سيكتسب أهمية خاصة في المرحلة المقبلة، لكونه الطاقة النظيفة الأكثر توافرًا والأشد فاعلية والأدنى تكلفة قياسًا إلى مصادر الطاقة الأخرى. ومن هنا تأتي أهمية مخزونات الغاز التي تملكها دول شرق المتوسط كافة، ومن بينها لبنان.
فالرجل لديه كاريزما لافتة، وهو قادر على تسويق أفكاره بطريقة مقنعة، نظرًا إلى ما يظهره من موضوعية، إذ نجح في ما قدّمه من حجج في إقناع الذين إستمعوا إليه بأنه حريص على مصلحة الشعب اللبناني من خلال الاسراع في استخراج الغاز كمخرج قد يكون الوحيد المتاح لخروج لبنان من أزماته، خصوصًا عندما قال بأن جميع دول شرق المتوسط دخلت مرحلة استخراج الغاز ما عدا لبنان، وأن أي تأخير في هذا المجال سيفقده فرصة استثمار ثرواته في مرحلة التحول السائرة باتجاه اعتماد الطاقة البديلة.
فبغض النظر عمّا يتم التداول فيه في الإعلام من معلومات غير مؤكدّة حتى الآن، والدليل أن أيًّا ممن إلتقاهم آموس من المسؤولين لم يفصح عمّا حمله الرجل من طروحات، ومن بينها الخط المائي المتعرّج، كما يتمّ التداول به إعلاميًا، أو لجهة تقاسم “المغانم” بين لبنان وإسرائيل، وما إستنتجه البعض من هذه المحادثات بالنسبة إلى التنازلات الإضافية التي يسجّلها لبنان مع كل زيارة لآموس، وهي إستنتاجات سياسية يُقصد منها بالطبع تشويه صورة لبنان وإظهاره بمظهر العاجز أو المستسلم، خصوصًا أن البعض ذهب إلى وصف ما يجري حاليًا بأن “التفاوض على الحدود يعني التخّلي عن الوجود”، وأن “التنازلات عندما تكون جماعية تصبح مقبولة وأقل كلفة”، بغض النظر عن كل ذلك، إلاّ أن ما تسرّب من معلومات أكيدة يفيد بأن الرؤساء الثلاثة، الذين سيتشاورون حول طروحات آموس، كانوا حريصين على أولوية السيادة اللبنانية في أي عملية تفاوضية، وأن لبنان ليس في وارد التخلي عن ذرة من حقوقه.
وعلى هذا الأساس غادر هوكشتاين بيروت متوجهًا على الأرجح الى إسرائيل لإجراء مشاورات لساعات قليلة فيها قبل أن يغادرها الى واشنطن، حيث لديه إلتزامات عدة مرتبطة بمعالجة مجموعة الإشكاليات التي تسببت بها المفاوضات المتعثرة لجهة تزويد الدول الأوروبية بالغاز الروسي الناجمة من تداعيات أزمة أوكرانيا والمخاوف من أي عمل عسكري روسي يستهدفها، ويمكن أن يؤدي الى تعليق إمدادات الغاز الروسي إلى أوروبا في حال أضطرت أوروبا الى فرض عقوبات على موسكو.
فقد تسارعت في الفترة الأخيرة التطورات على خارطة الغاز في آسيا وأوروبا والشرق الأوسط في شكل مثير للجدل وفق عدّة معطيات، من بينها التالي:
-إنفجار النزاع الذي كان “نائمًا” بين روسيا والولايات المتحدة في أوكرانيا، وهي الدولة التي تُعتبر كأحد الممرات الإضطرارية لنقل الغاز الطبيعي من روسيا إلى أوروبا الغربية، مع الإشارة إلى أن خط الأنابيب “نورد ستريم 2 “لنقل الغاز الروسي إلى ألمانيا لم يوضع في الخدمة بعد. وتخشى الدول الغربية أن تعمد موسكو إلى خفض إمدادات الطاقة عموما إليها، ما يؤدي إلى حدوث أزمات حادة في كثير منها.
-في القمة الروسية – الصينية الأخيرة، عقد الرئيس فالديمير بوتين إتفاقا هو الأول من نوعه مع الصين، يقضي بتزويدها الغاز الطبيعي الروسي، بحجم 10 مليارات متر مكعب سنويًا. وهذا الإتفاق سيفتح نافذة تحتاج إليها روسيا بشدة، في اتجاه الشرق، قد تعّوضها الخسائر التي ستلحق بها غربًا، نتيجة التأزم في أوكرانيا وتشابك الطموحات والمصالح في أوروبا وحوض المتوسط.
-يسعى الأميركيون إلى تأمين بديل للغاز الروسي في أوروبا، إذا اندلعت الحرب نتيجة هجوم روسي على أوكرانيا. ولهذه الغاية، استقبل الرئيس الأميركي جو بايدن أمير قطر الشيخ تميم بن حمد، الذي تمتلك بلاده أكبر احتياطي من الغاز، وتُصنَّف قطر كأول مصِّدر عالمي للغاز الطبيعي.
-بالتوازي مع سعيهم إلى إبرام إتفاق حول إشكالية آبار الغاز بين لبنان وإسرائيل، يعمل الأميركيون على تشغيل خط الغاز المصري عبر سوريا في اتجاه لبنان. وهذا الإتفاق لا يمكن فصله عن مجمل الحراك الجاري في الشرق الأوسط.
فمن يتطلع من هذه الزاوية على أهمية الإستراتيجيات في العالم حول مصادر الغاز الطبيعي يمكنه أن يفهم طبيعة الوساطة الأميركية في المفاوضات غير المباشرة بين لبنان وإسرائيل.
المصدر: خاص لبنان 24