أفريقيا تلفظ إسرائيل انتكاسة «مؤّقتة» لجهود العضوية: أفريقيا تلفظ إسرائيل… إلى حين؟
الأخبار- محمد عبد الكريم أحمد
علّق الاتحاد الأفريقي (6 شباط) النقاش (أو التصويت) المٌتوقَّع حول سحْب قبول عضوية إسرائيل مراقِباً في المنظّمة الإقليمية، والذي كان بادر به موسى فقي، رئيس مفوضية الاتحاد، في 22 تموز 2021، وذلك تفادياً لتصويتٍ هدّد بانقسامٍ غير مسبوق داخل المنظّمة المكوَّنة من 55 دولة، وفي مناسبة قمّتها العشرين، منذ تأسيسها خلَفاً لـ”منظّمة الوحدة الأفريقية” (2002). وأكد ديبلوماسيون مطّلعون أن طلب إسرائيل “قد عُلّق حالياً، وستتكوّن بدلاً من ذلك لجنة لدراسة المسألة”، على أن تُقدِّم نتائجها للقمّة المرتقَبة العام المقبل. وتتكوّن اللجنة من ستّة أعضاء أبرزهم نيجيريا والجزائر اللتان عارضتا علناً قرار فقي، إضافة إلى رواندا وجمهورية الكونغو الديموقراطية، بينما اقترحت جنوب أفريقيا ضمّ نيجيريا، وطلبت الكاميرون (من أبرز الداعين إلى قبول عضوية إسرائيل) إشراكها أيضاً.
الاستجابة الإسرائيلية: خيبة أمل لمدّة عام
حظي قبول إسرائيل مراقِباً في الاتحاد الأفريقي قبل نحو سبعة أشهر، بترحيب إسرائيلي كبير، فيما أحدث صدمة في الأوساط العربية والأفريقية في ضوء اتّخاذ القرار بشكل مباغِت تماماً، على رغم ملاحظة التمدُّد الإسرائيلي في أفريقيا طوال السنوات الأخيرة. وأجمع خبراء إسرائيليون، آنذاك، على إيلاء الدولة العبرية أهمية كبيرة لعضويّتها في الاتحاد، بدافعٍ من تحصيل “الاعتراف الرسمي” (بعد تحقيق أهداف استراتيجية على الأرض في غير ملفّ)، واستعادة وضعها الذي حُرمت منه بضغوط ليبية في العام 2002. ورأت الخارجية الإسرائيلية، في بيان يوم القرار، أن “قبول إسرائيل مراقباً مصلحة واضحة للجميع؛ (إذ) سيسهّل زيادة التعاون بين إسرائيل والدول الأفريقية”، “بما يتّسق مع التغييرات في الشرق الأوسط”.
لكن من الواضح أن إسرائيل لم تسعَ إلى مجرّد تحصيل مكسب شكلي، بقدر سعْيها إلى مأسسة نفوذها في القارة، وتوسيع اختراقاتها لتصبح أكثر مباشرة وعلانية وقدرة على الانخراط في ديناميات العمل الجماعي الأفريقي. وتدلّل على ذلك مبادرةُ الدولة العبرية، عبر رئيس الوزراء نفتالي بينيت ووزير الخارجية يائير لابيد (الذي وصف منتصف كانون الثاني الفائت غياب إسرائيل عن الاتحاد الأفريقي بـ”الانحراف التاريخي”)، منذ نهاية كانون الثاني، إلى مضاعَفة جهودها لضمان عدم فقدانها وضْعها الجديد، ومواجهة الجهود المضادّة التي قادتها جنوب أفريقيا والجزائر لإبطال القرار. وعلى سبيل المثال، فقد اشتغل لابيد، عبر محادثات مع الرئيس السنغالي ماكي سال (رئيس الاتحاد الأفريقي في دورته الحالية خلَفاً للكونغولي فيليكيس تشيسيكيدي الذي صاغ علاقات متينة بين إسرائيل وبلاده، ولمّح فقي في بيان مهمّ إلى دوره الرئيس في مسألة قبول عضوية تل أبيب)، ثمّ رئيسَي توغو وبوروندي، لضمان حصول بلاده على غالبية الثلثين في التصويت الذي كان مرتقباً وقتها.
استجابة مفوضية الاتحاد الأفريقي
استبق فقي، قمّة رؤساء دول الاتحاد، بدفاعه المستغرَب عمّا أصبح يوصف بـ”قراره المثير للجدل”، محاجِجاً بأن خطوته تلك يمكن أن تكون أداة في “خدمة السلام”، داعياً إلى “نقاش هادئ”، وقائلاً إن “التزام الاتحاد تجاه سعي فلسطين للاستقلال يظلّ ثابتاً ولا يمكن إلّا أن يزداد قوة”. في المقابل، وعد الرئيس النيجيري، محمد بخاري، نظيره الفلسطيني المشارِك في قمة أديس أبابا، بأن نيجيريا “ستواصل دعم السلام والتقدُّم، في الوقت الذي تحافظ فيه على مبادئ العدالة”. وعلى إثر صدور قرار التعليق، ردّ رئيس المفوضية ببيان مُطوَّل (صدر بالفرنسية والإنكليزية فقط )، استهلّه بتذكير الدول الأعضاء بانتخابه قبل نحو عام رئيساً للمفوضية لمدّة أربعة أعوام، ثمّ تأكيد “احترامه للمبادئ الأساسية للاتحاد وقانونه التأسيسي والمصالح الوطنية لدوله”، مُدافِعاً بأنه “كممثّل قانوني للاتحاد، فإن تحرُّكه يلتزم بمقرّرات هذا القانون”. وذهب إلى تحليل البنود المُحدِّدة لصلاحياته، مبرّراً بها قبوله عضوية إسرائيل منتصف العام الماضي، مُذكِّراً بأنه “شخصياً عارض لسنوات كثيرة اعتراف بلاده بدولة إسرائيل”.
كذلك، قدّم فقي عرضاً “دعائياً” للوجود الإسرائيلي في القارّة الأفريقية، و”اتفاقات التعاون المشترك” في مجالات كثيرة، نافياً عنه تهمة تسبُّبه بانقسام أفريقيا، بتعداده الدول الـ44 التي تقيم علاقات ديبلوماسية مع إسرائيل (في تجاهُل مستهجَن للفرق بين حسابات العلاقات الثنائية، وبين عضوية إسرائيل في الاتحاد، وما تعنيه من تدخُّلها في كثير من الملفّات الأفريقية الجماعية). وإذ وصف قراره بأنه “لم يكن ينمّ عن أيّ توجّه شخصي”، فقد عدّه متناغماً مع خيار الاتحاد و”المجتمع الدولي” بأكمله، لا سيما الأمم المتحدة، والمتمثّل في الاعتراف بـ”حلّ الدولتين” ودعمه، قبل أن يشيد بجهود الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، وجهود مصر “التي اعترفت بإسرائيل وتبادلت السفراء معها قبل وقت بعيد”. واستطرد متسائلاً: “هل نحن أقلّ ثقة في منظّمتنا إلى درجة أنه لا يمكننا تخيُّل إمكان لعبها دوراً، وإن كان صغيراً، في حلّ صراع يهمّنا سياسياً وشعورياً؟”، مستغرِباً، بنبرة لا تخلو من التضليل، إنكار الدول الأعضاء “قدرة الاتحاد على تحدي إسرائيل ودفعها لاحترام الحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني ووقف أعمال العنف ضدّه والاعتراف صراحة بحقوقه، بما فيها حقه في إنشاء دولة وطنية عاصمتها القدس الشرقية، كما أكدْت لمندوب إسرائيل وقت تقديم أوراق اعتماده؟”.
يتّضح من بيان فقي، الذي عزّز في حقيقة الأمر أدلّة قفْزه فوق السبل المتّبعة لاتّخاذ قرارات مماثلة كما في حالات دول مثل تركيا وكوريا الشمالية وغيرهما، أنه ثمّة جنوح إلى تبنّي الموقف الإسرائيلي وتبريره، وربّما العمل – في بقيّة العام المقبل قبل تقديم اللجنة المقرِّرة توصياتها – على حلحلة مواقف بعض الدول الرافضة، بالتنسيق مع تل أبيب وعدد من “دول الواجهة” الأفريقية، والتي تسعى للاستفادة من الدور الإسرائيلي في ملفّاتها الملحة (كما في حالة تدخُّل القوات الرواندية المدَّربة والمجهَّزة إسرائيلياً في جهود الاتحاد الأفريقي لمواجهة الإرهاب شمال موزمبيق).
ماذا بعد؟
بقراءة خريطة علاقات إسرائيل الأفريقية، يلاحَظ أنها ممتدّة في شرق أفريقيا وغربها، مع اختراق في شمال القارة. ويصاحب هذا الحضورَ تنسيقٌ أمني واستخباراتي وصل في الشهور الأخيرة إلى مستويات غير مسبوقة في ملفّات الأزمة الإثيوبية، والترتيبات الأمنية في جنوب البحر الأحمر (بخاصة بعد تدريبات عسكرية مع الإمارات والبحرين بتنسيق أميركي نهاية عام 2021)، و”مواجهة الإرهاب” في شمال موزمبيق وغرب أوغندا، والتحوّلات السياسية في عدد من دول غرب أفريقيا، والصلات المتنامية مع السودان (الذي لم يوقّع على بيان تعليق قرار فقي)، فضلاً عن توقعُّات بدور إسرائيلي بالغ الخطورة في الأزمة الليبية في العام الجاري، لعدّة اعتبارات أبرزها العلاقات العميقة مع نظام أبو ظبي (الذي تتطابق خريطة نفوذه في القارة الأفريقية مع خريطة نظيره الإسرائيلي بشكل واضح).
في المقابل، فإن الحضور الإسرائيلي في منطقة أفريقيا الجنوبية، التي قادت دولها خطوة تعليق القرار إلى جانب الجزائر، يظلّ في حدوده الدنيا، بالنظر إلى هيمنة جنوب أفريقيا الاقتصادية والسياسية التقليدية في الإقليم، واعتبارات قدرات جوهانسبورغ في الصناعات المتقدِّمة ومن بينها الصناعات العسكرية؛ مما يرفع من حدّة حساسيتها تجاه أيّ اختراقات إسرائيلية “في دائرة تأثيرها التقليدية”، مع ملاحظة تراجُع صادراتها إلى إسرائيل في الأعوام العشرة الأخيرة من قرابة بليون دولار (2012)، إلى نحو 200 مليون دولار فقط في عام 2020، أغلبها معادن ثمينة، وتراجُع صادرات الدولة العبرية إليها في الفترة نفسها من نحو 400 مليون دولار (2012) إلى نحو 175 مليون دولار (2020)، مثّلت الآلات والمعدّات المتطوّرة ما قيمته 29 مليون دولار منها.
تبْقى مسألة قبول عضوية إسرائيل من عدمه مفتوحة على احتمالات شتّى، من بينها تمكُّن تل أبيب من استمالة عدد من الدول الأفريقية المُوقِّعة على بيان رفض العضوية لتغيير موقفها، عبر تقديم دعم عسكري وأمني ملموس لها في الشهور المقبلة، فضلاً عن توظيف صلاتها بقوى دولية وإقليمية بارزة في الشأن الأفريقي، لتحقيق هذا الهدف. كما أن استمرار فقي رئيساً للمفوضية، يعني استمرار توظيفه جهوده وسياساته لصالح الغاية نفسها، والتي بات يعتبرها “شأناً شخصياً”، وفق ما أكده بيانه الأخير، الذي لم يُجِب على تساؤلات رئيسة تتعلّق بحيثيات اتّخاذ القرار بشكل مباغت، وفي ذروة موجة التطبيع بين إسرائيل وبعض الدول العربية، وعشيّة الاحتفال بذكرى “ثورة يوليو”، أُمّ الثورات الأفريقية، والتي حالت تاريخياً دون تحقيق الكيان العبري الكثير من تطلّعاته في القارّة.