سركيس… صفير… البستاني… حواط والحبل جرار مرشحون دائمون إلى لقب “نائب”… من أين يأتون بكلّ هذا الشغف؟
تتردّد في الأرجاء مقولة قديمة متجدّدة وفيها «يكثر الكذب عادة قبل الإنتخابات وخلال الحرب وبعد الصيد». صحيحة هي تلك المقولة. هناك مقولات أخرى كثيرة تتحقق يومياً بينها «الكذب ملح الرجال» و»حظاً أعطني وفي البحر إرمني» و»من حسن حظ الحكام أن الناس لا يفكرون»… طبعاً، في زمن الإنتخابات يُفكّر السياسيون أكثر والناس أقل. وهذه هي الطامة الكبرى. هنا نسأل، هل صحيح أنّ الناس يتعبون وتتلاشى مع الوقت أحلامهم أما السياسيون فيطاردون أحلامهم وكأنهم سيعيشون الى أبد الآبدين؟
فلنحسم الأمر من البداية، لا علاقة لأحلام الناس، «المرتاحين» بالتحديد، بأعمارهم. سياسيّونا مرتاحون أما نحن فلا. ولو لم تكن هكذا هي الحكاية لما كان سركيس سركيس مرشحاً دائماً للإنتخابات النيابية، ولما كان هنري صفير أيضاً طامحاً دائماً إلى النيابة، ولما كان عبد الرحمن البزري يفكر مرة جديدة بالنيابة، ولما كرّر كل من رياض الأسعد وأحمد الأسعد ونبيل عويدات وجان حواط وناجي البستاني إلخ إلخ إلخ… ترشيحاتهم ورسوبهم في الإنتخابات النيابية دورة إثر دورة.
يُعدّد محمد شمس الدين، الباحث في الدولية للمعلومات، أسماء وأسماء من السياسيين الذين لم يحالفهم حظ الجلوس على مقعد نيابي. خسروا لكن لم «ينكسروا» واستمرّوا يحاولون. ألم «يلعبها» هؤلاء صحّ؟ يجيب شمس الدين «يعرف كثيرون من المرشحين الدائمين أنهم سيخسرون لكنهم يطرحون أسماءهم لتبقى موجودة في البازارات الإنتخابية اللاحقة».
المرشح الآدمي
اليوم، عبد الرحمن البزري، الطبيب ابن الطبيب، يدرس جدياً مسألة ترشحه للإنتخابات النيابية. هذا خيار وارد لديه. هو «آدمي» و»الأوادم»، على حدّ قوله «لا محل لهم في السياسة».
لا محل في السياسة للأوادم لكن الدكتور مصمّم على المحاولة ويقول «أشعر بأنني ملزم بمساعدة أهلي وبلادي ومنطقتي. وجدتُ نفسي في «المعمعة السياسية» وآمنتُ دائماً أنه إذا نجحت في ذلك يكون حراكي قد أعطى ثماره وإذا لا، أكون قد حاولت». عبد الرحمن البزري ترشح مرات إلى الإنتخابات عن المقعد الصيداوي السني لكنّه رسب لحسابات قيل سياسية. خسر الطبيب دائما في العبور إلى البرلمان. فهل سيُكرر المحاولة اليوم؟
ومن لا يعرف سركيس؟
لا يُشبه المرشحون بعضهم، لا الفائزون منهم ولا الخاسرون، فلكلّ واحد أسلوبه وإطاره ورأيه ووضعيته وتحالفاته. سركيس سركيس، المرشح الآخر الدائم عن المقعد الماروني في المتن الشمالي، أصبح معروفاً كضوء الشمس. وكلّما ذُكر اسمه سرت النكات، وهو يتلقى «المزاح» بوجهٍ بشوش. هو ترشح مرات، وموّل حملات، فهل هو في وارد الترشح من جديد؟ عارفوه يقولون إنه قرّر بالفعل خوض الإنتخابات في أيار المقبل لكنه ليس في وارد التحالف مع التيار الوطني الحرّ. فهل سيترشح مع القوات؟ هل سيترشح منفرداً؟ بالنسبة إلى اللبنانيين، المتنيين منهم بالتحديد، هو سيترشح ونقطة على السطر. ولا يهم إذا فاز أو لم يفز. فهو كريم وكثيرون «بيستاهلوا». فكيف في هذه الظروف الإقتصادية التعسة؟
غريبٌ أمر هذا المرشح المتني الماروني الدائم. يحاول في كل دورة انتخابية وتبوء محاولاته بالفشل. هو جرّب منفرداً وجرّب مع العونيين وجرّب مع ميشال المرّ وانتهى دائما إلى فشل! فهل هناك من سعوا إلى «استخدامه» كمعبر لهم؟ هنا، نتذكّر الانتخابات السابقة، عندما استبدل التيار سركيس بالنائب السابق نبيل نقولا، فنشر طبيب الأسنان على السوشال ميديا صورة قرد يحمل رزمة من المال مع تعليق: «يا آخد القرد ع مالو بيروح المال وبيضلّ القرد ع حالو». من قصد؟ هو حذف التغريدة لاحقاً وقال: «ما يروح فكركم لبعيد». لم يذهب طبعا فكر الكثيرين إلى «البعيد» بل نحو سركيس سركيس، المقصود بالتغريدة بالتحديد.
نبيل عويدات، ابن شحيم، ترشّح أيضا مرات وخسر. أخذه طلال إرسلان على لائحته أكثر من مرة. وطلب التيار الوطني الحرّ ذات مرة استبداله باللواء علي الحاج واحتساب الأخير من كتلة إرسلان. عويدات هو دكتور. هو أيضا يلقب بطبيب الفقراء. وحظّه مثل طبيب الفقراء الصيداوي.
هناك مرشحون «لزوم ما لا يلزم» أو « مرشحو الضرورة» أو مجرد «جسر عبور»… وهناك مرشحو تحدٍّ. وهناك مرشحون يقدمون ترشيحاتهم وهم «أعرف العارفين» أنهم لن يصلوا لكن لبعضهم أحلام أو لبعض من يستخدمونهم أيضا أحلام.
ليس سهلا طبعا تنظيم الماكينات الإنتخابية. ليس بسيطاً بالتأكيد الترويج لـ «مرشح» لا يملك أي شيء. أحدهم يتذكر يوم طلب هنري شديد من «مؤسسة إعلانية» إعداد مشروع إنتخابي وتسويقي له. وبالفعل، انطلق فريق العمل بتحضير حملة شديد وما إن أنهوا الجزء الأكبر من مهمة الإنتخابات جاء بكاسيت وأسمعهم أغنية «عالهوارة» وقال لهم: مجتمعنا مجتمع هوارة لهذا أعلق حملتي وأشكركم على العمل الإحترافي» وقد سدّد المتوجب عليه بكل لياقة. مرشحون كثيرون يصبحون مثل «الأطفال» على مقاعد المدرسة حين ينطلقون بحملاتهم الإنتخابية. كثيرون من هؤلاء يطلبون «تلميع تاريخهم» أو ملخصات لـ «تاريخ لبنان»، بالمختصر المفيد، منذ أيام المتصرف داوود باشا حتى العهد القوي. ويطلبون نبذات عن رؤساء سابقين وشخصيات لامعة… المرشحون يتعبون طبعاً في سبيل الوصول، وكي يقال عنهم «يا لذكائهم!»، فالنيابة تستحق. إسألوا سركيس سركيس. إسألوا جان حواط، إسألوا ناجي البستاني، إسألوا هنري صفير…
حلم دهريّ
على ذكر هنري صفير، رجل الأعمال الشهير والمرشح الدائم إلى المجلس النيابي، منذ نصف قرن يبدو أنه بدأ التحضير لخوض الإنتخابات النيابية المقبلة في دائرة كسروان ـ جبيل وذلك على الرغم من كل الخيبات الماضية التي ردّها إلى الإحتلال السوري والسلطة السياسية في لبنان. في كل حال، كادت اللقمة تصل إلى فم صفير عام 1996 لكنه سقط أمام كميل زيادة فقدم طعناً ضده وقال يومها: حصل تزوير عند فرز الأصوات بسبب انقطاع في التيار الكهربائي. تحدث يومها عن «زعبرة» وعن «اقتراع الموتى» لكن القاضي سليم العازار ردّ الطعن. اللهمّ نجّنا من تبعات انقطاع الكهرباء في أيار المقبل.
وهنا أيضاً، على سيرة الطعن، كادت لقمة النيابة تصل أيضاً إلى سركيس سركيس في 2018 حين قدّم طعناً ضدّ الياس حنكش، لكن المجلس الدستوري أصدر قراراً بالإجماع ردّ فيه الطعن.
يا حرام! يبدو أن هناك نحساً يصيب بعض الأشخاص على الدوام. ثمة أشخاص- مرشحون فشلوا على الدوام، «من زمان وجاي»، في تحقيق الحلم. فشلوا وقد يفشلون بعد وبعد. ويا لباع هؤلاء الطويل!
هل النيابة تستحق؟ هل يراهن بعض هؤلاء على القانون النسبي؟
كثيرون يغوصون بالحواصل التي قد تأتي بمرشحين، سبق وفقدنا الأمل بدخولهم الى الندوة البرلمانية مثل الراحل مصطفى الحسيني. هناك من المرشحين من راكم الخسارات ويراهن اليوم على لعبة «الحاصل» التي قد تودي به الى ساحة النجمة. فمن يدري؟ لكن ألم يكبر هنري صفير وجان حواط وناجي البستاني على الإنتخابات؟ هناك من ذكّرنا بأن ميشال المرّ توفي نائباً وهو في التسعين. وأن النائب الراحل مخايل الضاهر كان في بداية العقد العاشر عندما تقدم بترشيحه في الدورة الأخيرة.
يتقاضى النائب 12 مليوناً و750 ألف ليرة شهرياً، وهو ما يعادل سنويا، بعد زيادة 2,7 مليون شهرياً من صندوق التعاضد، 185 مليوناً و400 ألف ليرة. وإذا انتخب لثلاث دورات وأكثر ينال بعد خروجه من الدورة النيابية 11 مليوناً و475 ألف ليرة كمخصصات شهرية، أما إذا خرج بعد دورتين فينال 9 ملايين و945 ألف ليرة. وينال النائب المنتخب لدورة واحدة 8 ملايين و415 ألف ليرة. وهي رواتب لم يعد لها طبعاً قيمة اليوم. هذا أولا والنيابة «وجاهة» للكثيرين.
غريبٌ أمر بعض «ولاد البلد» مع الإنتخابات النيابية، إما بعدم وصولهم أبداً وإما بعدم مغادرتهم أبداً، وفي الحالتين «النيابة جذابة». لا تصدقوا؟ إسألوا إثنين: نبيه بري وسركيس سركيس.