تسريبات “بيغاسوس”: المساعي السعوديّة لم تكفِ… “تنصّت” إماراتي على وزراء حكومة هادي!
هلا نهاد نصرالدين – صحافية لبنانية
الإمارات تفرض نفسها كمنافس قوي للمملكة، وإذا كانت الإمارات قد اتّخذت قرار التنصّت على وزراء حكومة هادي بذات نفسها ومن دون علم المملكة، فهذا يدلّ على انقسام كبير وانشقاق بين الدولتين…
هذا الموضوع جزء من “مشروع بيغاسوس” وهو تحقيق استقصائي تعاوني تم تنسيقه عبر “قصص محظورة” أو Forbidden Stories للصحافة ومقره باريس، والمختبر التقني لمنظمة العفو الدولية. المشروع يحقق في داتا مرتبطة بمجموعة NSO الإسرائيلية للاستخبارات الرقمية والتي تبيع أنظمة مراقبة متطورة للحكومات حول العالم.
80 صحافياً يمثلون 17 مؤسسة إعلامية من حول العالم، بينها موقع “درج”، عملوا لإنتاج سلسلة التحقيقات هذه.
6 سنوات مرّت بعد إطلاق “عاصفة الحزم” في آذار/ مارس 2015 والتي بدأت عبرها العمليّات العسكريّة في اليمن بقيادة المملكة العربيّة السعوديّة، وبمشاركة دول ما أُطلق عليه اسم “التحالف العربي”، على رأسها الإمارات لدعم شرعيّة حكومة عبد ربه منصور هادي ومواجهة تقدّم جماعة الحوثيين المدعومة من إيران.
إلّا أنّ العاصفة لم تنتهِ في غضون أسبوع كما توقّعت المملكة العربية السعوديّة، بل أصبحت شتاء عاصفاً طويلاً، انقسمت خلاله صفوف ما يُفترض أنّه “الخط الواحد” بين الحكومة الشرعية المدعومة من المملكة العربية السعودية والمجلس الجنوبي المدعوم من الإمارات العربيّة المتّحدة.
وعلى رغم أنّ الإمارات شاركت بحدّة بدايةً في العمليّات العسكريّة التي قادتها السعوديّة دعماً لحكومة عبد ربه منصور هادي، إلّا أنّ ثقة الإمارات بهادي وحكومته تبدو معدومة تماماً، وشكّل اليمن إحدى نقاط الخلاف الأساسيّة بين الدولتين والتي بدأت تتفاعل وتتّضح معالمها يوماً بعد يوم. وهذا ما تثبته التسريبات الأخيرة في سياق مشروع “بيغاسوس”.
مشروع “بيغاسوس” (The Pegasus Project) هو مشروع تعاوني استقصائي يشارك فيه أكثر من 80 صحفياً من 17 مؤسسة صحافيّة منها موقع “درج” في 10 دول حول العالم، تقوم بتنسيقه منظّمة Forbidden Stories مع مساعدة تقنيّة من Amnesty International’s Security Lab.
فبحسب التسريبات الجديدة، لجأت الإمارات إلى شركة NSO الإسرائيليّة الخاصّة التي تضمّ أشخاصاً كانوا أعضاء في الموساد والجيش الإسرائيلي، وتحديداً إلى برنامجها الشهير للتجسّس Pegasus، للتنصّت على معظم وزراء حكومة هادي.
كما ورد اسم الرئيس نفسه إلّا أنّ فريق التحقيق لم يتمكّن من التأكّد من أرقامه. ولم يسلم أولاد عبد ربه منصور هادي من الرقابة، ولكن لم يمكّن فريق التحقيق من التأكّد من أرقامهم باستثناء جلال عبد ربه منصور هادي.
رئيس الوزراء السابق تحت الرقابة!
من أبرز من تمّ استهدافهم هو رئيس الحكومة السابق أحمد عبيد بن دغر والذي امتدّت فترة رئاسته الحكومة سنتين وستة أشهر (4 نيسان/ أبريل 2016 حتى 15 تشرين الأوّل/ أكتوبر 2018). وهي الفترة التي تأسّس فيها المجلس الانتقالي الجنوبي، بعد دعوة محافظ عدن آنذاك اللواء عيدروس الزبيدي لإنشاء كيان سياسي جنوبي في مقابل القوى السياسية الشماليّة في أيلول/ سبتمبر 2016، كما تمّ خلالها إعلان الهيئة الرئاسية للمجلس الانتقالي الجنوبي في 11 أيار/ مايو 2017.
وتمّ استهداف أرقام بن دغر في المملكة العربيّة السعوديّة منذ عام 2016 وصولاً إلى منتصف عام 2019 ومن المحتمل أن يكون ما زال تحت المراقبة حتى يومنا هذا. وبالتالي التنصّت على بن دغر بدأ مع رئاسته الحكومة في نيسان/ أبريل 2016، ولكن لم ينتهِ مع نهاية ولايته في 2018.
المصدر: موقع منصتي 30
الجدير ذكره أنّ الاستهداف لا يعني بشكل مؤكّد أنّ المحاولة نجحت والهواتف تمّ اختراقها، ولكن يؤكّد وجود محاولة اختراق.
كانت ذروة أزمة جزيرة سقطرى في عهد رئاسة بن دغر للحكومة، فهو من أعلن رسميّاً في 14 أيّار 2018 أنّ “أزمة سقطرى انتهت بنجاح الوساطة السعودية، مؤكّداً أنّ “الراية اليمنية عادت لترفرف من جديد في مطار وميناء سقطرى بحراسة الجنود اليمنيين.”
كما تحدّث في حزيران/ يونيو 2020 عن مؤامرة تقسيميّة في اليمن في إشارة إلى الإمارات.
ومن الواضح أنّ الإمارات لا تحبّذ بن دغر أيضاً، ففي مطلع هذا العام، تحديداً في 16 كانون الثاني/ يناير 2021، أصدر الرئيس اليمني قراراً جمهوريّاً تضمّن تعيينات في مناصب عدة. وفي سياق ذلك، تمّ تعيين أحمد عبيد بن دغر رئيساً لمجلس الشورى. وسرعان ما اعترضت الإمارات على هذه التعيينات باعتبارها خروجاً عن اتفاق الرياض.
فاتفاق الرياض أتى بوساطة سعوديّة بعد اشتباكات آب/ أغسطس 2019 بين قوات المجلس الانتقالي الجنوبي (المدعوم من الإمارات) وبين القوات التابعة للحكومة اليمنيّة في عدن وأسفر عن سيطرة المجلس على عدن.
إلّا أنّ الاتفاق يثبت هشاشته في كل حين إذ تهرع السعوديّة إلى حل الأزمة وحثّ الأطراف المعنيّة إلى التهدئة والالتزام ببنود الاتفاق.
أهم بنود اتفاق الرياض الذي وُقّع في تشرين الثاني/ نوفمبر 2019 بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي، على أن يباشر بتنفيذه ابتداءً من كانون الأوّل/ديسمبر 2020:
1- تشكيل حكومة كفاءات سياسية لا تتعدى 24 وزيراً.
2- تكون الحقائب الوزارية مناصفة بين المحافظات الجنوبية والشمالية.
3- أن يكون الوزراء غير منخرطين في أي أعمال قتالية أو تحريضية.
4- يعين رئيس الجمهورية بالتشاور محافظاً ومديراً لأمن محافظة عدن، مع تعيين محافظين ومديري أمن في بقية المحافظات الجنوبية.
5- إيداع إيرادات الدولة، بما فيها النفطية والضريبية والجمركية في البنك المركزي في عدن.
6- تفعيل الأجهزة الرقابية، من بينها الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة، وإعادة تشكيل الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد وتفعيل دورها، وإعادة تشكيل وتفعيل المجلس الاقتصادي الأعلى.
7- تحل القوات الأمنية المحلية، محل القوات العسكرية في محافظات عدن وشبوة وأبين.
8- تجميع ونقل الأسلحة من جميع القوات العسكرية والأمنية في عدن، إلى معسكرات داخل عدن، تحددها وتشرف عليها قيادة التحالف العربي.
9- نقل جميع القوات العسكرية التابعة للحكومة والتشكيلات العسكرية التابعة للمجلس الانتقالي في محافظة عدن إلى معسكرات خارج المحافظة، باستثناء قوات حماية القصور الرئاسية.
10- توحيد القوات العسكرية التابعة للحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي وضمها لوزارة الدفاع.
عبد الملك المخلافي!
لا تُخفى على أحد من متابعي السياسية اليمنية، شكوك الإمارات وعدم ثقتها بعبد الملك المخلافي. تظهر التسريبات أنّ الإمارات استهدفت عبد الملك المخلافي في كلّ من مصر واليمن والمملكة العربيّة السعوديّة.
شغل المخلافي منصباً مهمّاً كوزير خارجيّة اليمن منذ حكومة المنفى المصغّرة برئاسة خالد بحاح منذ التعديل الوزاري في 1 كانون الأوّل 2015 والذي استبدل رياض ياسين عبدلله بالمخلافي. وشغل المخلافي عندها أيضاً منصب نائب رئيس الحكومة.
ومن خلال منصبه، قال المخلافي في نيسان/ أبريل 2018، إن “الخلافات بين الحكومة اليمنية التابعة للشرعية والإمارات، تقف حائلاً أمام عودة الرئيس عبد ربه منصور هادي إلى بلاده”. وعندها أكّد وجود “معركة بين الفريق الواحد”، وتحدّث عن الدور الذي ستلعبه الحكومة اليمنية “لإصلاح الخلل” مع التحالف والإمارات.
والمخلافي كان أقرّ أكثر من مرّة بوجود خلافات مع دولة الإمارات، وهو ما يرجّح أنّه دفع ثمن خلاف الشرعيّة مع الإمارات. فالرئيس اليمني هادي أقاله من منصبه بتعديل وزاري في 23 أيار 2018 وعيّن بدلاً منه خالد اليماني، علماً أنّ المخلافي كان أرفع مسؤول في الحكومة من المحافظات الشماليّة. وعوضاً عن ذلك، تمّ تعيينه مستشاراً للرئيس هادي، ويُعرف أنّه منصب شرف يتمّ توزيعه لتحييد بعض الأشخاص من مناصبهم الحسّاسة. وجاء اهتمام الإمارات بالتنصّت على المخلافي في الفترة الممتدّة بين أيلول 2018 وشباط/ فبراير 2019 أي بعد إقالته، وذلك ربّما لتتبّع اتصالاته والتأكّد من عدم قيامه بأي ردود فعل أو تصريحات أو اتصالات مع جهات ديبلوماسيّة قد يتحدّث خلالها عن الخلاف بين الشرعيّة والإمارات أو يشي بالأسرار الداخليّة!
إضافة إلى شخصيّات سياسيّة يمنيّة أخرى منها: محمد اليدومي، رئيس الهيئة العليا للتجمع اليمني للإصلاح، غمدان الشريف، السكرتير الصحافي لرئيس الوزراء، مراد الحالمي: وزير النقل السابق وصلاح الصياد، وزير دولة سابق.
هذا فضلاً عن الكثير من الأسماء الأخرى التي لم يستطع فريق المشروع التحقّق منها حتى لحظة النشر.
الحوثيون؟
تمّ الاشتباه باستهداف كلّ من عبد الملك الحوثي، محمد علي الحوثي، عبد الكريم الحوثي وحمزة الحوثي وهذا متوقّع نتيجة لجوء المملكة السعوديّة والإمارات إلى استخدام برنامج “بيغاسوس” للتنصّت على الحلفاء والأعداء على حدّ سواء، ولكن فريق التحقيق لم يتمكّن من التحقّق من هذه الأرقام لصعوبة القيام بذلك داخل اليمن.
ولكن ما يرجّح ذلك هو قيام المملكة باستهداف أفراد وقيادات من الجماعات التابعة لإيران في مناطق وبلاد أخرى، فمثلاً حاولت المملكة التنصّت على مسؤول وحدة الارتباط والتّنسيق في “حزب الله” وفيق صفا في لبنان وغيره من الشخصيات المنتمية أو المرتبطة بالحزب.
الإمارات: غريمة السعوديّة الجديدة في المنطقة!
على رغم أنّ الإمارات والسعوديّة بدأتا معركة اليمن يداً بيد، وهما من زبائن شركة “NSO” الإسرائيليّة تحديداً برنامجها التجسّسي “بيغاسوس” وفاعلتين في مجال محاولات التنصّت واختراق هواتف الشخصيات العامّة على الساحة الإقليميّة، الّا أنّ هذا لم يمنع الإمارات من شقّ طريقها بنفسها في هذه المعركة ومحاولة استهداف (أو استهداف) وزراء الحكومة اليمنيّة إلكترونيّاً، حتى خلال إقامتهم على أراضي “حليفتها” السعوديّة.
فالانقسامات السياسيّة في اليمن خصوصاً عقب الشرخ الكبير بين حكومة هادي والمجلس الانتقالي الجنوبي الذي تشكّل عام 2016، قد يكون السبب المباشر الذي بدأت عقبه محاولات تنصّت الإمارات على وزراء حكومة هادي. ومنذ ذلك الوقت وصولاً إلى يومنا هذا، تتعاظم الخلافات العميقة بين الدولتين والتنافس على النفوذ السياسي والتطوّر الاقتصادي والتقدّم التقني التكنولوجي والذي ستتضّح معالمه أكثر فأكثر في المراحل المقبلة. فمنذ فترة رفضت الإمارات مقترح السعوديّة وروسيا لتمديد الاتفاق القائم حول إنتاج النفط بين دول تحالف “أوبك بلاس” وطالبت بتوزيع حصص الإنتاج بعدل أكبر.
وبالتالي، فالإمارات تفرض نفسها كمنافس قوي للمملكة، وإذا كانت الإمارات قد اتّخذت قرار التنصّت على وزراء حكومة هادي بذات نفسها ومن دون علم المملكة، فهذا يدلّ على انقسام كبير وانشقاق بين الدولتين، خصوصاً أنّ في ذلك انتهاكاً للسيادة السعوديّة عبر محاولة التنصّت على شخصيات ديبلوماسيّة وسياسيّة مقيمة (أو كانت مقيمة عند الاستهداف) على الأراضي السعوديّة.
وفي هذه الحالة، ما رأي المملكة التي لطالما اعتبرت اليمن فناءها الخلفي (backyard)، بالتدخّل الإماراتي والتنصّت على وزراء الحكومة الشرعيّة، حتى داخل الأراضي السعوديّة؟
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع