نون-اللواء
قرار العزوف عن الإنتخابات وتعليق العمل في السياسة الذي أعلنه الرئيس سعد الحريري أمس، يمكن إعتباره واقعياً وجريئاً، ولكنه يُعبر في الوقت نفسه عن الحالة المتردية للواقع السياسي، سواء على المستوى الشخصي أم على المستوى العام.
لقد كان الحريري صادقاً مع نفسه، وصريحاً مع جمهوره، عندما إعترف بالأخطاء السياسية الفادحة التي أوصلته الى باب الخروج من المسرح السياسي، ولو مؤقتاً كما قال، وأحدثت هذا الخلل المتمادي في المعادلة الوطنية على حساب الموقع السنّي فيها.
كان هاجسه الدائم منع إنزلاق البلد إلى متاهات حرب أهلية جديدة، فلعب من أجل ذلك دور أم الصبي، المستعدة عن التخلي عن حقوقها في ولدها مقابل الحفاظ على سلامته. وتحت هذا العنوان كان زعيم المستقبل يبرر دوماً التنازلات المجانية والسخية التي كان يقدمها للخصوم خاصة، وللحلفاء عامة، لا سيما في السنوات الأولى للعهد العوني، حيث من موقعه كرئيس للحكومة يقدم التنازل تلو الآخر، بحجة تسهيل إنطلاقة العهد وإعادة النهوض بالبلاد بعد سنوات الفراغ الرئاسي العجاف.
من التسوية الرئاسية، إلى قانون الإنتخابات الهجين، إلى فقدان التوازن في التشكيلات والتوظيفات القضائية والديبلوماسية والأمنية والإدارية، إلى السكوت عن صفقات البواخر وهدر الكهرباء وسمسرات السدود الوهمية وعشرات المشاريع الأخرى، كلها وقائع ضربت مصداقية العهد ، وأفرغت تضحيات «أم الصبي» من مضامينها الوطنية والسياسية، وأطلقت موجات الفساد بمستوى غير مسبوق في تاريخ الجمهورية.
رُبَّ قائل أن هذه التجربة المريرة أصبحت من الماضي، فماذا عن المستقبل؟
المفاجأة الكبيرة في كلام الحريري أمس، ليست في إعلان عزوفه عن الترشح في الإنتخابات وأخذ إجازة مديدة من العمل السياسي وحسب، بل في فرض حرم العمل السياسي والترشح للإنتخابات على «عائلته في تيار المستقبل» والمناصرين، وكأنه بذلك يوجه دعوة مبطنة لمقاطعة الإنتخابات النيابية المقبلة. تاركاً القاعدة السنّية نهباً للقوى الحزبية الأخرى، الحليف منها والخصم.
وبغض النظر عن الإرباك الذي تعيشه الساحة السياسية بعد المقاطعة الحريرية، فإن هذه الخطوة المفاجئة صدمت جماعات واسعة في الشارع السنّي، الذي يعاني أصلاً من مشاعر الغبن والإحباط في السنوات الأخيرة.
من يكون البديل بعد تواري سعد الحريري؟ من ينسق العمليات الإنتخابية في المناطق ذات الوجود السنّي الوازن؟ من يُحدد التحالفات، ومن يُغربل المرشحين، وكيف ستتألف اللوائح للمرشحين السنّة؟
تساؤلات قلقة، وغيرها كثير يشغل الأوساط السنّية، تبحث عن أجوبة واعية في تحديد مسار المستقبل لأكبر مكونات النسيج اللبناني!
الوسوم
الرئيس سعد الحريري
01203766656584
139 دقيقة واحدة