خطف رئيس تيار المستقبل سعد الحريري الاضواء من جلسة الحكومة العائدة بعد انقطاع لنحو 3 اشهر، معلنا انسحابه وتياره السياسي من «الحياة السياسية» في سابقة سيكون لها تداعيات غير مسبوقة، وسط ارباك يسود خصومه وحلفاءه. وهذا الاعلان جاء بعد يوم واحد على حمل وزير خارجية الكويت لائحة «الاملاءات» الخليجية – الدولية، المليئة «بالالغام» وغير القابلة للصرف في اكثر من بند متفجر، حيث لن تنفع في تسييلها استراتيجة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بمحاولته «تدوير الزوايا» مجددا في بند «السلاح» فيما تشهد المنطقة غليانا وتصعيدا لرقعة حرب اليمن مع استهداف الامارات مجددا بالامس، بما يؤكد بحسب اوساط مطلعة على ان «الورقة» ولدت ميتة في حال اصرار الجانب الخليجي على موقفه بان تكون الموافقة اللبنانية على «البنود كاملة او لا تكون».

وتعبر «فشة خلق» بعض انصار تيار المستقبل بقطع عدد من طرق بيروت لساعات، بعد اعلان الرئيس الحريري تعليق العمل السياسي والعزوف عن المشاركة في الانتخابات النيابية، عن حالة «الوهن» لدى هذا التيار الذي عاد انصاره الى منازلهم دون ادراك ما ينتظرهم في «اليوم التالي»، وهو امر سيزيد من «الاحباط في «الشارع السني» المحبط اصلا، فقرار سعد الحريري لن يكون أمرا عادياً، فهو ذهب ابعد مما ذهب اليه والده قبل اغتياله، يومها اعلن الحريري الاب مقاطعة الانتخابات، اما الابن فاعلن عمليا الانسحاب مع تياره من الحياة السياسية، وتبقى الاسئلة المقلقة في ظل «الكباش» الاقليمي الدولي حول من سيملأ الفراغ في الساحة السنية؟ ثمة خلط اوراق سيكون لها تداعيات غير محسوبة حتى الان؟ والسؤال الاهم يبقى ما اذا كان انسحاب سعد سيفتح الباب امام شقيقه بهاء لتمرير مشروعه السياسي وهو يعد العدة بقوة لخوض الانتخابات النيابية تحت عنوان «الصدام» مع حزب الله!

من المسؤول عن اخراج الحريري؟

اذا بعد سنوات «عجاف»، لم يختر «زعيم» التيار «الازرق» خلع «عباءة» زعامة الشارع السني التي فرضت عليه اصلا، بل فرضت الخطوة عليه بعد سنوات من الاخفاقات نتيجة الحسابات الخاطئة، وسوء التقدير، والادارة السيئة في السياسة والاقتصاد، وفي التحالفات، لكن المفارقة ان لا احد في هذه البلاد المسروقة والمنهوبة يحاسب على سنوات فاشلة من الحكم، كان فيها الحريري شريكا لكل «المنظومة» التي تحالف معها وقادها ايضا بالتضامن والتكافل، وشكل «ثلاثي» صلب مع الرئيس نبيه بري ورئيس الحزب التقدمي وليد جنبلاط، ودخل معهم النائب جبران باسيل «شريكا مضاربا، في مراحل «العسل» المشترك بين الرجلين.

رفض «لعبة الدم»

يسجل للرجل انه رفض في مراحل كثيرة الخوض في «لعبة الدم»، ودفع ثمنا باهظا لهذا الموقف، وخرج مطرودا من «العباءة» السعودية حيث بات عاريا من اي حماية اقليمية فيما مصالح الدول الكبرى تجاوزته ولم تعد ترى فيه اي قيمة مضافة، فوجد نفسه خارج «اللعبة» فاضطر الى الانسحاب، فاتحاً الباب أمام مرحلة مضطربة عند الطائفة السنية في غياب زعامة قادرة على لم التشرذم الواضح لدى مجموعة من الشخصيات غير القادرة على خلق دينامية جديدة تعيد احياء «ظاهرة» الرئيس رفيق الحريري، حتى لو كان اول الطامحين نجله بهاء الذي يفتقر الى قاعدة شعبية و»كاريزما» تسمح له بملء الفراغ. المشكلة لا تقتصر في الشارع السني فحسب، بل أيضاً لدى من تبقى من حلفاء سعد الحريري وكذلك خصومه في آن واحد، فالكل يتهيب الموقف غير المسبوق.

تشدد سعودي وبرودة اميركية ـ فرنسية

وفي هذا السياق، نفت اوساط سياسية بارزة كل ما روج عن «رسالة» بعثت بها القيادة السعودية إلى الحريري تدعوه إلى التريث في إعلان قراره، فالمملكة لم تلتفت الى هذا الحدث ولم تعره اي اهتمام، على الرغم من محاولات مصرية جرت الاسبوع الماضي وسبقت عودة الرئيس الحريري الى بيروت وباءت بالفشل، عندها ابلغ رئيس تيار المستقبل انه «ما في امل» ولا داعي في تأجيل القرار اذا كان ينتظر جوابا سعوديا مغايرا، حيث كان الرد السعودي حاسما» امره لا يعنينا» ووجوده في الحياة السياسية اللبنانية كما عدمه بالنسبة الينا، و»ما حدا يراجعنا» في هذا الموضوع. وفي السياق نفسه، تعاملت واشنطن «ببرودة» شديدة مع قرار الحريري، ولم تعمد الادارة الاميركية الى اجراء اي تواصل ذات شأن مع زعيم المستقبل لاستيضاح الموقف منه، فيما كان الدعم الفرنسي قد «خفت» اصلا، ولم تعد باريس متحمسة لقيادة الحريري بعدما اثبت «ضعفه» في ادارة الموقف بعد انفجار المرفأ، واتهمته بانه لم يقدم اي خطوة جدية لانجاح مبادرة الرئيس ايمانويل ماكرون.

عدم التوتر مع حزب الله

وتلفت اوساط سياسية مطلعة الى ان الحريري الذي المح في كلمته بالامس الى عدم وجود مناخات اقليمية ودولية تساعد في مواجهة «السيطرة الايرانية» على لبنان، كان حريصا على عدم اثارة التوتر في «شارعه»، واراد الانسحاب بهدوء، ولهذا لم يات على ذكر حزب الله في كلمته، ولم يرفع سقف المواجهة معه كي لا يترك وراءه «حريقا» لا يرغب في اشعاله، وهو اكد صراحة امام بعض الشخصيات المقربة منه ان قراره تاخر خمس سنوات، وكان يريد الانسحاب من المشهد منذ ازمته مع الرياض عام 2017 لكن تدخلات دولية واقليمية منعته من ذلك!

«اللعبة» اكبر مني!

ولهذا، انتهى لقاءه مع الرئيس نبيه بري، وكذلك مع رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط الى «لاشيء»، ولم يكن الحريري جاهزا للاستماع الى كل التحذيرات من تداعيات خطوته، وكان حاسما لجهة عرض الوقائع التي ثبت خلالها انه وحده دفع ثمنا شخصيا وسياسيا عن الجميع ولم يجد من يحميه على المستويين الداخلي والخارجي، مؤكدا انه لم يعد قادرا على قيادة اي مشروع سياسي داخلي في ظل «لعبة كبرى» لم يعد قادرا على مجاراتها وقال صراحة «اللعبة اكبر مني».

الميثاقية السنية

وفي هذا الاطار، ثمة مخاوف لدى الرئيس نبيه بري من فقدان الاستحقاق الانتخابي «الميثاقية» بعد قرار مرشحي «المستقبل» العزوف من الانتخابات، وهو تواصل مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي لاقناعه بعدم اتخا قرار عدم الترشح ايضا. وفي هذا الاطار، ابلغه ميقاتي انه لم يحسم امره بعد، لكنه سيتخذ القرار بالتفاهم مع رؤساء الحكومات السابقين لمواجهة مرحلة ما بعد عزوف الحريري، مبديا تخوفه من مسالة «ملء الفراغ» السياسي الناجم عن غياب «التيار الازرق» عن البرلمان، واشار الى انه صعب، وليس بالامر «الهين»، والمشكلة الرئيسية تبقى في كيفية احتواء «الاحباط» السني الذي سيترجم مقاطعة شعبية للانتخابات. وتبقى الانظار شاخصة الى موقف النائبة بهية الحريري التي تتجه الى عدم خوض الاستحقاق، وكذلك امين عام تيار المستقبل احمد الحريري، لكن يبقى القرار رهن مشاورات الساعات القليلة المقبلة. وكان الحريري واضحا لجهة التاكيد انه لن يمنح احدا حق وراثة التيار، ومن يريد اكمال «المشوار» عليه خوضه وحده وبصفته الشخصية.

مخاوف جنبلاطية

من جهته، اعتبر جنبلاط بالامس، أن الوطن «تيتم»، وقال عبر «تويتر» ان المختارة حزينة وحيدة لبنان، لكنه وبعيدا عن الوجدانيات وجد في قرار الحريري خسارة سياسية كبيرة، واشار الى ان قرار الحريري يعني إطلاق يد حزب الله والإيرانيين في لبنان وقراره محزن ونفقد به ركيزة للاستقرار والاعتدال،لكن هم جنبلاط في مكان آخر، بحسب اوساط مطلعة، فالخطر بات داهما على كتلته النيابية في انتخابات بيروت والشوف وبعبدا والبقاع الغربي.

الحريري يستحضر والده

وكان الحريري استحضر والده بكلمة وجدانية، ذكر خلالها بكلمته الشهيرة قبل اغتياله وقال باكيا»استودع لبنان الحبيب في رعاية الله»… محملا الجميع مسؤوليه فشله في قيادة تياره السياسي، وفشله في قيادة البلاد، واعلن من بيت الوسط، تعليق عمله بالحياة السياسية، داعيا تيار المستقبل لاتخاذ الخطوة نفسها، وعدم الترشح للانتخابات النيابية وعدم التقدم بأي ترشيحات من تيار المستقبل أو باسم التيار، لاقتناعه بأن لا مجال لأي فرصة إيجابية للبنان، في ظل «النفوذ الايراني والتخبط الدولي، والانقسام الوطني واستعار الطائفية واهتراء الدول».. وأكد الرئيس الحريري البقاء «بخدمة اهلنا وشعبنا ووطننا، لكن قرارنا هو تعليق اي دور أو مسؤولية مباشرة في السلطة والنيابة والسياسة بمعناها التقليدي، وسنبقى من موقعنا كمواطنين متمسكين بمشروع رفيق الحريري لمنع الحرب الأهلية والعمل من اجل حياة افضل لجميع اللبنانيين. ونحن باقون بخدمة لبنان واللبنانيين، وبيوتنا ستبقى مفتوحة للارادات الطيبة ولأهلنا وأحبتنا من كل لبنان».

  «الاملاءات» ولدت «ميتة»؟

وفي ملف «الاملاءات» الخليجية – الدولية على لبنان، ومع اعلان لبنان الرسمي عبر وزير الخارجية عبدالله بو حبيب انه سيبدأ البحث اليوم «بالورقة» الكويتية على ان تكون الاجوبة جاهزة يوم السبت، اكدت مصادر سياسية بارزة ان الرئيس ميقاتي سيبدا من اليوم محاولة «تدوير الزوايا» وهو سينطلق من خلال اعداد الرد بالتنسيق مع رئيسي الجمهورية ومجلس النواب، بمحاولة تجزئة البنود، لكن الثابت في الموقف عدم وجود قدرة لبنانية على تقديم التزامات محددة في خصوص البنود المتعلقة بالقرارات الدولية الخاصة «بسلاح» حزب الله. اما اذا ما اصرت الدول التي تبنت «الورقة» على قبولها كما هي او رفضها، فانها تكون قد «ولدت ميتة»، لان لا قدرة للبنان على تقديم اي التزام في هذا الصدد، وبانتظار ان يخرج حزب الله عن «صمته» فلا خلاف على موقفه المفترض وهو سيبلغ المعنيين انه لا يمكن ان يقبل «املاءات» من احد، «ولن ياخذوا منا بالتهديد ما فشلوا به بالحرب «. ولذلك ستكون «الورقة» امام اختبار جدي خلال الايام المقبلة، خصوصا ان الاقليم يشهد تفاوضا «بالنار» من البوابة اليمنية، وتوسع العمليات العسكرية ووصولها مجددا الى الاراضي الاماراتية وهو ما يجعل من المطالب الواردة في» الاملاءات» التي حملها وزير الخارجية الكويتية في الجانب المتعلق بالقرارات الدولية خارج اي اطار للنقاش، خصوصا ان مطلب «نزع السلاح» في ظل موازين القوى الحالية غير وارد.

  هوكشتاين الى بيروت؟

ومع الاعلان شبه الرسمي بالامس عن زيارة المبعوث الأمريكي أموس هوكشتاين مطلع شباط المقبل الى بيروت في إطار «وساطة» واشنطن بالمفاوضات «غير المباشرة» لترسيم الحدود البحرية، اكدت مصادر مطلعة ان الاميركيين طالبوا من لبنان تحضير اجوبة نهائية ورسمية عن تخليهم عن الخط 29، فيما ينتظر الجانب اللبناني جوابا اميركيا يؤكد تراجع اسرائيل عن موقفها بشان ما يعرف بالخط رقم «واحد». ويرغب الاميركيون في الحصول على موقف واضح ونهائي ايضا من طرح «الاستثمار» المشترك عبر طرف ثالث يقوم بتوزع العوائد على الطرفين!

  سوء تقدير اسرائيلي – اميركي – خليجي؟

وفي هذا السياق، ما تزال اسرائيل مهتمة «بصفقة الغاز» مع لبنان، وما يعزز القلق من كل الحراك الحاصل سواء الاميركي، او الكويتي، وخلط الاوراق محليا بعزوف الحريري، ما كشفته صحيفة «هارتس» الاسرائيلية عن قناعة اسرائيلية عربية واميركية بان اتفاق الغاز الذي تصر على التأكيد انه ضمنيا بين إسرائيل ولبنان، عبر الطرفين الاردني والمصري، يستهدف تقليص نفوذ إيران في لبنان وسوريا، وإعادة سوريا إلى الحضن العربي وتقليص نفوذ حزب الله. لكن الصحيفة سخرت من سوء التقدير لدى هذه الاطراف، اسرائيل لن تحصل على اي مقابل سياسي أو عسكري مقابل الموافقة على تحويل الغاز إلى لبنان.

الغاز الايراني الى لبنان مجانا؟

وتوجهت «هارتس» الى من «يحلمون ويتخيلون» شرق أوسط يغير فيه الغاز الإسرائيلي أنظمة، ويبني تحالفات، ويهزحزب الله ويبعد إيران من سوريا، يجدر بهم الاستعداد بالتحديد لدخول إيران إلى سوق الغاز العالمية، لا سيما السوق الأوروبية. بعد اكتشاف حقل غاز ضخم في المنطقة التي تعود لإيران في بحر قزوين، حقل تشالوس، الذي يضع إيران على رأس قائمة الدول المنتجة للغاز في المنطقة، وعند رفع العقوبات، بمقدور إيران أن تبيع أو تمنح الغاز وبكميات كبيرة للبنان وبالمجان. وتضمن بذلك نفوذها السياسي – الاقتصادي في هذه الدولة، بل وتجعل من شراء الغاز والكهرباء من مصر والأردن أمراً غير ضروري.

عودة «الحياة» حكوميا

وقبل يومين من تحرك جديد في الشارع لاتحادات ونقابات قطاع النقل البري في لبنان، عاد مجلس الوزراء، الى الانعقاد، واقر مشروع قانون موازنة 2021، وباشر دراسة مشروع الموازنة للعام الحالي، على أن تُعقد جلسات متتالية، صباحاً ومساءً، في السراي الحكومي، بدءاً من اليوم، إلى حين الانتهاء من دراسته. وفيما بدات بالامس جلسات الحوار مع صندوق النقد الدولي، أعلن وزير الإعلام بالوكالة، عباس الحلبي، مقرّرات الجلسة التي شملت مشروع مرسوم يرمي إلى تعديل قيمة بدل النقل اليومي للقطاع الخاص بمبلغ 65 ألف ليرة لبنانية عن كل يوم حضور فعلي زائد منحة تعليم، ومشروع مرسوم يرمي إلى تعديل قيمة تعويض النقل الموقّت للعاملين في القطاع العام ليصبح 64 ألف ليرة لبنانية عن كل يوم حضور فعلي، فضلاً عن مشروع مرسوم يرمي إلى إعطاء تعويض نقل شهري مقطوع بقيمة مليون و200 ألف ليرة للعسكريين في الجيش وقوى الأمن الداخلي والأمن العام وأمن الدولة والضابطة الجمركية وشرطة مجلس النواب. كما أقرّ مجلس الوزراء مشروع مرسوم يرمي إلى إعطاء مساعدة اجتماعية موقّتة للعاملين في القطاع العام (بما فيها المستشفيات الحكومية والجامعة اللبنانية)، البلديات واتحاد البلديات وكلّ من يتقاضى راتباً أو أجراً أو مخصّصات من الأموال العمومية بالإضافة إلى المتقاعدين الذين يستفيدون من معاش تقاعدي. ومدّد المجلس العمل في الملاكات الموقتة وبمفعول قرارات وعقود الموظفين الموقتين والمتعاقدين بمختلف تسمياتها، وأقرّ تعديل أجور التدريس للمتعاقدين للتدريس في المدارس والثانويات الرسمية ومعاهد التعليم المهني والتقني. وفي دردشة مع الصحافيين عقب الجلسة، أكد وزير المال، يوسف الخليل، أن لا ضرائب جديدة كما أُشيع، وأشار إلى أنّ الدولار الجمركي سيُحتسب على سعر صيرفة، لافتاً إلى أنّه لم يتمّ الاتفاق حتى اللحظة على تحديد سعر الصرف الرسمي.