إلى التعيينات الأمنية دُرّ
“ليبانون ديبايت” – ميشال نصر
إذا كانت عودة “الثنائي الشيعي” المفاجئة، غير مفهومة أو واضحة الأسباب، تحتمل ألف تأويلٍ وتأويل، فإن عودة الشيخ سعد الحريري، برزمة قراراته المنسّقة مع الرياض، قد شكّلت صدمةً في المشهد السياسي الداخلي وتوازناته على الحلفاء كما على الخصوم، “لتطير” الأحلام الزهرية التي بنى عليها كثيرون، و”تحطّ” مكانها كوابيسٌ سوداء، مشكلة المسمار الأول في انفراط عقد المنظومة، التي لن تنجو من الطلاق الحتمي بين “الثنائي الشيعي” و”التيار الوطني الحر”، الرافض للعودة إلى “بيت طاعة الحارة” بعدما طفح الكيل.
هذا المشهد السياسي العام، لا يُمكن إلاّ أن يترك أثره وتداعياته على خطوة عودة مجلس الوزراء إلى الإجتماع وفقاً لشروط الحارة – عين التينة، رغم معارضة الرئاستين الأولى والثالثة للآلية غير الدستورية التي فرضها “حكم القوي” ، والذي يبقى حتى الساعة اعتراضاً شكلياً، محكّه” وحكّ الركاب فيه”، طرح موضوع التعيينات الأمنية والعسكرية المُلحّة.
المغالون في التفاؤل، بهذا الخصوص، يبنون موقفهم على معلومات عن زيارة مرتقبة لرئيس “التيار الوطني” النائب جبران باسيل، إلى عين التينة، ليكون عربون المصالحة توقيع كافة مراسيم ترقية الضباط من رتبة عقيد إلى عميد، والسير بسلّة تعيينات أمنية وعسكرية “لا تزعج” أحداً وأصبحت ضرورةً في حال عدم الرغبة في تعطيل المديرية العامة لأمن الدولة، إذ بموجب القانون يحتاج أي قرار بالصرف إلى توقيع المدير ومساعده، وكذلك في المجلس العسكري الذي سيكون فاقداً للنصاب، ما سيؤدّي حتما إلى عرقلة عمل المؤسسة العسكرية، وقد شهدنا سوابق للحالتين كانت نتيجتها كارثية على الصعيد الوطني العام.
“أكيد من باب المزح هالحكي” ، “فالخبرية كلّها ومن الآخر ” بالنسبة لجماعة التيارالوطني، “عشم إبليس في الجنّة”، داعين أصحاب الرؤوس الحرامية” يروّقوها شوي، وما يغلّطو بالحسابات”. فزيارة وفد الحزب إلى مركز الحركة في صور منفصلٌ تماماً عن هذا السياق وكذلك كلام نائبة رئيس الحزب الذي فهمه الكثيرون، “متل ما حابّين يفهموا” في غير محلّه، ذلك أن موقف الحزب الرسمي عبّر عنه” الريس جبران” بوضوح “دون لفٍّ ودوران” “ليللّي حابب يسمع ويفهم”: “قبل ما حزب الله يعطي إجابات واضحة عن الأسئلة المتعلّقة بالأداء الداخلي وحول بناء الدولة، ما في حكي بتحالف مع أمل، ويمكن ليش لأ مع الحزب كمان؟”، فالأمور مفتوحة على كل الإحتمالات، والتشويش من هنا أو هناك لن ينفع ولن يفيد، فالأوراق وُضعت على الطاولة.
ولكن هل يعني ذلك أن ميرنا الشالوحي لا تريد التعيينات، تجيب المصادر بسرعة: على العكس، ولكن هلّ أن الثنائي الذي وضع مسبقاً جدول أعمال مجلس الوزراء ورسم حدود وإطار ما يبحثه خلافاً للدستور لفكّ أسر جلساته، مستعدٌ للتراجع عن شروطه، أو لنقل توسيع باب الإجتهاد و”مطّه” في معرض تفصيل مصالح المواطنين ليشمل بند التعيينات الأمنية وربما غيرها من الشواغر على الأقلّ؟، أم أنه لن يحضر أي جلسة يتضمّن جدول أعمالها هكذا بند، خصوصاً أن رئيسي الجمهورية ميشال عون، والحكومة نجيب ميقاتي، متفقان على أن شرط الثنائي غير دستوري وبالتالي لن يسمحا بتحويله إلى سابقة تمسّ بالصلاحيات الرئاسية وأحد النقاط الجوهرية في الطائف.
أوساطٌ متابعة، دعت إلى ترقّب الجلسات القادمة، لحين الإنتهاء من درس الموازنة واحالتها إلى مجلس النواب ليُبنى على الشيئ مقتضاه، رغم أن وسطاء دخلوا على خطّ تلك التعيينات، مقرّة أن الأمور لن تكون “مسهّلة” كما يراها البعض، وأن أخذها كلها “قشّة لفة” دفعةً واحدة لن يكون بهذه السلاسة، فالكلّ ينطلق من حسابات معارك النيابة والرئاسة والفراغ المتوقع، ما سيجعل كل طرفٍ “يفكّر ألف مرّة” قبل حسم قراره وخياراته، رغم أنه في النهاية كلّ شيءٍ متوقع، “فهنا لبنان وكلو بتمّ تركيبه بالآخر”.
وحول مسألة مراسيم الترقية، أشارت الأوساط إلى أن “الكلّ دافنينه سوا” ، و”ما حدن أحسن من حدن” وهو ما بيّنته بصورة أولية المواد الواردة في متن الموازنة والمتعلّقة بالترقيات في الوظائف العسكرية والأمنية، والذي ستؤكد عليه مناقشات مجلس الوزراء، فإذا ما جرى تمريره كما هو وارد، وهوالأمر المرجّح، فإن مسألة هذه المراسيم تصبح خارج التداول، لتُعاد صياغتها وفقاً لبنود القانون الذي سيصدر، بمعنى أوضح “تخبزوا بالأفراح”.
ما أعطاه قائد الجيش جوزاف عون، بالتعاون مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، بعد تحريره حسابات الجيش لديه، “بأيد اليمين” “رح تاخده” الموازنة المطبوخة وفقاً لوصفة صندوق النقد “بإيد الشمال”. فتجارب المؤسسة الدولية السابقة و”رشتّاتها”، تؤكد أنها تتعاطى مع الدولة كوحدةٍ قائمة بكلّ مؤسساتها، دون تمييزٍ أو تفرقة بين واحدة وأخرى، حيث وحدة المعايير الصارمة. عليه أيها العسكريون لا تتفاءلوا بالكلام المعسول، وتذكّروا أننا في زمن الإنتخابات، حيث” البلف ” أمرٌ شرعي، واعلموا أن ما صحّ ذاك الزمن، لن يصحّ بعد اليوم، فالماضي صار في خبر كان، فما كُتب قد كُتب، إلاّ في حال قرّر حكّامكم خصخصة القطاعات الأمنية، عندها لكل حادثٍ حديث.