عسكريون يروجون مخدرات ويسرقون سيارات.. العصابات تجنّد «الوطن»! (الأخبار)
تحت عنوان “العصابات تجنّد «الوطن»! | عسكريون يروجون مخدرات ويسرقون سيارات” كتب رضوان مرتضى في الأخبار:
في الدول «الطبيعية»، تخترق القوى الأمنية عصابات الجريمة المنظمة وتجنّد بعض أفرادها للإيقاع بها. في البلدان «غير الطبيعية» يصبح «حاميها حراميها»، تحت ضغط الحاجة والعوز. البزة المرقّطة التي كانت طموحاً لكثيرين من شبان الأطراف نحو مستقبل أفضل، لا تزال اليوم طريقاً نحو مستقبل «أفضل»، وإن بطريقة غير مشروعة. عسكريون كثر، من الجيش وقوى الأمن الداخلي وبقية الأجهزة الأمنية، يتعرّضون لإغراءات شتى، بفعل تدهور أوضاعهم المعيشية، إذ لم يعد الراتب الشهري لعسكري يكفي لتنقّلاته، ما يؤدي، تلقائياً، إلى انخفاض وتيرة عمله، ويجعله عرضة لإغراءات مالية ممن يستخدمه في عصابات التهريب والسرقات، وصولاً ربما إلى احتمال تجنيده للقيام بأعمال أمنية
في أحد سجون طرابلس، كان أحد الحراس يشكو لزميله ضيق الحال. وسرعان ما جاءه «عرض مغر لتحسين أوضاعه» من أحد السجناء، للعمل في نقل سيارات مسروقة لمصلحة عصابة تنشط بين لبنان وسوريا مقابل ستة ملايين ليرة، تعادل ثلاثة أضعاف راتبه، عن كل سيارة يتولى توصيلها.
نحو خمسة عشر عنصراً، من الجيش وقوى الأمن، ضبطتهم استخبارات الجيش ومكتب مكافحة السرقات الدولية في الأشهر الماضية في منطقة البقاع، متلبّسين بـ«الجرم المشهود»، بالعمل لدى عصابات سرقات السيارات. تحت غطاء البزّة العسكرية التي تسهّل لهم عبور الحواجز الأمنية، عمل بعضهم «موظفي دليفري»، مهمتهم نقل السيارات المسروقة إلى الحدود اللبنانية – السورية وتسليمها إلى من يتولون تهريبها، فيما اقتصرت مهمات آخرين على الجلوس إلى جانب السائق الذي يتولى نقل السيارة، مؤمّنين له تغطية البزة المرقطة.
تجّار المخدّرات لهم أيضاً نصيبهم من تجنيد العسكريين الذين لا يخضعون للتفتيش على الحواجز من أجل نقل «بضاعتهم» من البقاع إلى بيروت. أحد العسكريين في الجيش ضُبط متلبّساً على أحد الحواجز وفي حوزته كمية من المخدرات. وقد اعترف بالتحقيق معه أنه يعمل لمصلحة أحد كبار تجار المخدرات، ويتقاضى ثلاثة ملايين ليرة بدل نقل كل 100 غرام من الكوكايين إلى العاصمة، فيما أقر عنصر من قوى الأمن الداخلي ضُبط متلبّساً أيضاً، بتقاضيه «راتباً شهرياً» يبلغ عشرة ملايين ليرة مقابل «عدّة نقلات». وقد دفع ذلك القوى الأمنية، أخيراً، إلى تشديد إجراءاتها وإخضاع العسكريين على الحواجز لتفتيش دقيق.
في حالات أخرى، سجّلت القوى الأمنية عمليات سلب وسطو لجأ ضحاياها إلى الادّعاء ضد مجهولين أوقعوا بهم «منتحلين صفة أمنية»، قبل أن يتبيّن أن هؤلاء يحملون صفة أمنية فعلاً!
ليس تورط أمنيين في مثل هذه الأعمال جديداً. قبل الانهيار الاقتصادي، عشرات الضباط والرتباء والعسكريين أُوقفوا بتهمة التورط في تسهيل عمل تجار المخدرات أو في تسريب معلومات إليهم. آنذاك، كان دافع هؤلاء كسب المال عبر استغلال النفوذ لا الحاجة. فيما، اليوم، يشكّل الفقر وتدهور القدرة الشرائية للرواتب ومحاولة سد الرمق، القاسم المشترك وراء تورّط غالبية من يفترض بهم السهر على الأمن… في انتهاك الأمن. ما يقرع جرس الإنذار من قنبلة موقوتة تهدد الأمن الاجتماعي، جراء خطر تحوّل عسكريين، متمرسين في العمل الأمني وحمل السلاح، إلى مرتزقة يعملون لمصلحة من يدفع لهم.
الأسباب نفسها من الفقر والعوز تدفع آخرين، من زملاء هؤلاء، إلى مخالفة الأنظمة العسكرية والعمل في مهن كثيرة لزيادة مداخيلهم. في تحقيق أُجري في قوى الأمن الداخلي، أخيراً، تبيّن أن عناصر أمنيين كثراً يعملون، بعد انتهاء دوام خدمتهم، عمال مطاعم ودليفري ومرافقين لرجال أعمال وحراساً في شركات «سيكيوريتي». في بعض الحالات «ضُبط» عسكريون من قوى الأمن والجيش والأمن العام، يعملون «فاليه باركينغ» في بعض مطاعم ومقاهي شارع مار مخايل، من الخامسة عصراً إلى الثانية فجراً، مقابل 90 ألف ليرة يومياً. ناهيك عن مئات، إن لم يكن آلاف العسكريين، خصوصاً من أبناء القرى الأرياف الذين يعملون سائقي أجرة أو عمالاً زراعيين وعمّال بناء، وممن تغض الأجهزة الأمنية والشرطة العسكرية النظر عن «مخالفاتهم» هذه تحسساً بمعاناتهم.
العسكري الذي كان بدخوله السلك «يؤمّن آخرته» بسبب تقديمات التعليم (50% على الأقل) والطبابة (100%) التي كان يحصل عليها، بات اليوم بالكاد قادراً على سد الرمق، ولم تعد المليون ونصف مليون ليرة التي يتقاضاها كافية لدفع بدل الاشتراك في مولّد كهربائي. غالبية المستشفيات، مثلاً، باتت ترفض استقبال عسكريي قوى الأمن إن لم يدفعوا 65% نقداً من فاتورة الاستشفاء، وأقل هذه الفواتير تعادل عشرة أضعاف الراتب، فيما صيدلية قوى الأمن بالكاد تؤمن ربع الأدوية، ما يضطر العسكريين للتوجه إلى الصيدليات. وتزداد الوطأة ثقلاً على المتقاعدين منهم ممن يعانون من أمراض مزمنة. أضف إلى ذلك أن غالبية العسكر لا يتقاضون رواتبهم كاملة أساساً، لـ«تورّطهم» في دفع أقساط قروض سكنية وشخصية.
هذا التدهور أدى منذ بدء الأزمة إلى نزف في الأجهزة الأمنية من جيش وقوى أمن داخلي وأمن دولة وأمن عام، مع تسجيل فرار مئات العناصر وامتناع عدد من الضباط عن الالتحاق بمراكز خدمتهم. فحتى آذار الماضي، سجّلت مصادر أمنية فرار أكثر من 1000ضابط وعسكري من الجيش، ونحو 400 من جهاز أمن الدولة. وبحلول أيلول الماضي، سُجّل فرار ما يقارب 300 فرد ورتيب و4 ضباط من قوى الأمن الداخلي نتيجة الظروف الاقتصادية المتردية. رغم النفي الرسمي، يقدّر عدد الفارين من الخدمة اليوم، من الجيش والأمن العام وأمن الدولة وقوى الأمن الداخلي، بـ«الآلاف»، بحسب مصادر عسكرية، من بينهم ضباط تقدّموا بمأذونيات للسفر إلى دول أوروبية وإلى أفريقيا وكندا، ولم يعودوا. وبحسب المصادر نفسها فإن كثيرين ممن تركوا إلى الخارج من المنتسبين إلى المؤسسات العسكرية والأمنية من أهل الاختصاص، كالأطباء والمهندسين وممن يمتلكون شهادات عليا، إضافة إلى ممرضين وجدوا ضالتهم في دول تعاني من نقص في هذا الاختصاص إبان جائحة «كورونا».
الجيش وبقية المؤسسات الأمنية تتحفّظ عن الخوض في أعداد الفارّين، وحتى الآن لا حلول جذرية لضمان صمود العسكريين. فيما الاعتماد على حلول ترقيعية، كاستغلال بعض الضباط علاقاتهم الخاصة للحصول على حصص غذائية شهرية وتوزيعها على عناصرهم، أو محاولتهم التخفيف من ضغط الخدمة اليومية لهؤلاء للتقليل من كلفة تنقلاتهم، فيما يجري منذ مدة التداول باقتراح لإجراء تشكيلات للعسكريين بحسب أماكن سكنهم. كذلك حاول الجيش التخفيف من الأعباء من خلال تدعيم بيوت الجندي وتوسيع التعاونيات الخاصة بالعسكريين، وتوزيع حصص غذائية عليهم. وفي قوى الأمن الداخلي يستخدم عدد من الضباط نفوذهم لمساعدة عناصرهم وأحياناً لتشغيل ثكناتهم. فقد فرض أحد الضباط، على «ميكانيكيين» يمون عليهم، إصلاح خمس آليات معطّلة في سريته مجاناً، فيما فرض آخر على صاحب أحد المولدات مدّ خط اشتراك كهرباء مجاناً لثكنة قوى الأمن المجاورة، فيما توزّع على العناصر شهرياً حصة غذائية بسيطة لا تكفي لسد الرمق.
دولار «فريش» للجيش
طلبت مديرية المخابرات في الجيش اللبناني، أمس، من ضباط الأمن في الجيش التعميم بصورة فورية على جميع العسكريين أنه سيتم منحهم مساعدة مالية بالدولار الأميركي لكافة العسكريين من دون استثناء. وأشار التعميم إلى أن المساعدة ستوزع على دفعات متتالية على الجميع من دون استثناء، وأن الأفضلية تحدد من قبل الرؤساء بحسب أوضاع العسكريين. وقد أثارت هذه الخطوة استياء بين العسكريين في بقية الأجهزة الأمنية الذين لن يشملهم القرار.
العديد والرواتب
بحسب «الدولية للمعلومات»، يبلغ عديد القوى الأمنية والعسكرية 120 ألف عنصرٍ، ينقسمون على الشكل الآتي: 80 ألف عنصر في الجيش، و28 ألفاً في قوى الأمن الداخلي، و8 آلاف في الأمن العام، و4 آلاف في أمن الدولة. وتراوح رواتب العسكريين، من جنود وملازمين ومعاونين وضباط وعمداء، وفقاً لرتبهم، بين مليون ليرة (800 دولار وفق سعر الصرف الرسمي، وتوازي اليوم 44 دولاراً) و7 ملايين ليرة (4 آلاف دولار وفق سعر الصرف الرسمي، وتوازي حالياً نحو 305 دولارات).