الحوار المتأخّر أفضل من عدمه.. والاستفادة منه انتخابياً أو عدمها تتحكّم بمواقف القوى الأداء الداخلي لا يشجّع صندوق النقد.. وانعقاد المجلس يجب أن يحصل قبل عودة الوفد
دوللي بشعلاني- الديار
يهدر المسؤولون في لبنان الفرص أمام إنقاذ البلد من أزماته المتفاقمة، الواحدة تلو الأخرى، من دون تقديم أي بديل أو أي معالجة للمشاكل اليومية والحياتية التي يتخبّط فيها المواطن مع نفسه لتأمين لقمة عيشه وعيش أبنائه. فمجلس الوزراء لن يجتمع، رغم كلّ يُقال عن انعقادة إستثنائياً لمناقشة الموازنة العامّة لعامي 2021 و2022، والعقد الإستثنائي لمجلس النوّاب الذي كان يُفترض أن يبدأ، بحسب المرسوم 8662 الصادر بتاريخ 6/1/2022 يوم أمس الاثنين في 10 كانون الثاني الجاري لم يُفتتح. أمّا الدعوة لمؤتمر الحوار الوطني فلا يزال رئيس الجمهورية العماد ميشال عون يجوجل مواقف القوى السياسية من العناوين التي طرحها لمناقشتها على طاولته، من خلال دعوته لها لزيارة قصر بعبدا لتوضيح موقفها، لكي يبني على الشيء مقتضاه، فإمّا يوجّه الدعوات الرسمية لها، أو يتراجع عن هذه الخطوة، كون «بعبدا لا تريد التحاور مع نفسها»، على ما قال الرئيس عون.
وإذ يرى الرافضون لتلبية دعوة رئيس الجمهورية للحوار، في هذه الطاولة تحقيق المكاسب السياسية تعوّم العهد ورئيس «التيّار الوطني الحرّ» النائب جبران باسيل، أوضح الرئيس عون أنّ «الحوار يعنينا جميعاً وهدفه ليس تحقيق مصلحة حزبية أو شخصية، فالوطن للجميع والإنماء كما الإزدهار للجميع أيضاً». وتؤكّد مصادر سياسية متابعة أنّ القوى السياسية، ونحن على مشارف الإنتخابات النيابية بعد نحو 4 أشهر، تدرس مشاركتها في هذه الطاولة على أساسها، فإذا كانت مفيدة لها وتحقّق لها المكاسب في العملية الإنتخابية توافق على المشاركة فيها، كما هي الحال بالنسبة للتيّار الوطني الحرّ وللثنائي الشيعي. وإذا لم تكن، ترفض لأنّ نتيجتها ستكون سلبية عليها وعلى بيئتها، وتقدّم ذرائع عدّة منها أنّ التوقيت غير مناسب، أو أنّ العنوانين «اللامركزية الإدارية والمالية الموسّعة»، و»الاستراتيجية الدفاعية» لا يشكّلان الأولوية التي تهمّ الشعب حاليّاً، أو أّنّها تؤيّد الحوار ولكن بعد الإنتخابات المقبلة التي ستفرز مجلساً نيابياً جديداً، على غرار ما فعل رئيس «تيّار المستقبل» سعد الحريري، ورئيس «الحزب التقدّمي الإشتراكي» وليد جنبلاط، ورئيس حزب «القوّات اللبنانية» سمير جعجع، حتى الآن.
وتقول المصادر أن يكون هناك حوار متأخّر بين القوى السياسية، أفضل من ألا يكون أبداً، كما أنّ الدعوة للحوار لا تتمّ في ظروف الوئام والتفاهم، إنّما عندما تحول الخلافات السياسية أمام استكمال المؤسسات الدستورية لمهامها. وصحيح أنّ الحوار سيناقش عنواني: «الاستراتيجية الدفاعية» التي تحتاج الى ظروف إقليمية لتطبيقها، و»اللامركزية الموسّعة» التي يتفاقم الخلاف عليها منذ إقرارها في «اتفاق الطائف» وما قبله حتى، وحول تنفيذها كونها لا تتعلّق بالإدارة فقط إنّما بالمال أيضاً، وبدفع مناطق للضرائب وعدم تسديدها من قبل مناطق أخرى، إلّا أنّه يضع عنوان «خطّة التعافي الإقتصادي» كأحد مواضيع الحوار أيضاً، وقد أدرجه الرئيس عون على جدول أعمال الطاولة لعلمه بصعوبة انعقاد مجلس الوزراء في المرحلة الراهنة، وهذا الموضوع يُعتبر أولوية وحاجة ملحّة للشعب كما للسلطة الحالية التي تتفاوض مع صندوق النقد الدولي على أمل توقيع إتفاقية معه.
ولكن في الوقت نفسه، أشارت المصادر عينها الى أنّه مع تعذّر عقد طاولة الحوار حاليّاً للأسباب المذكورة، على ما يبدو حتى الآن، وإلاّ ستقتصر على فريق سياسي واحد، ما يطرح إمكان تأجيلها لما بعد الإنتخابات النيابية مع إعادة النظر أو التعديل في عناوينها، يصبح على القوى السياسية صبّ الجهود من أجل انعقاد مجلس الوزراء في أسرع وقت ممكن. أمّا الهدف فهو مناقشة الخطّة الإقتصادية والبدء بتطبيق الإصلاحات المطلوبة، قبل عودة وفد صندوق النقد خلال أسبوع، كون الإتفاق معه يتطلّب موافقة الحكومة عليه.
فالمعلوم أنّ صندوق النقد الدولي يعمل من أجل استقرار النقد في دول العالم، وهو يدعم الدول التي تمرّ بالأزمات المالية والإقتصادية. ولهذا يريد اليوم دعم لبنان، غير أنّ التعاطي معه لا يبدو مشجّعاً حتى الآن، على ما أوضحت المصادر، سيما أنّ الخلافات غالباً ما تحصل في حضور وفد الصندوق، فضلاً عن أنّ ما يطالب به من تثبيت سعر صرف الدولار، الى التدقيق الجنائي، الى الإصلاحات التي ينتظرها لإعادة ثقة المجتمع الدولي بلبنان لكي يمدّ له مجدّداً يدّ المساعدة لإخراجه من الأزمة الخانقة، لم يتحقّق منه أي شيء. والسبب يعود الى أنّ اللجنة التي تتفاوض معه مؤلّفة من بعض الأشخاص أنفسهم الذين كانوا يقومون بإدارة الهندسة المالية التي أوصلت البلاد الى ما هي عليه اليوم، أمّا مبلغ الـ 4 مليارات دولار التي يأمل لبنان في الحصول عليها لتحسين وضعه الإقتصادي بعض الشيء، فقد أهدر أضعافه بسبب السياسات المالية الخاطئة.
وتقول المصادر عينها انّه من الواضح أنّ هناك مؤامرة لتطويق العهد وضرب لبنان، غير أنّ هذا الأمر يصيب جميع الناس بغض النظر عن انتماءاتها المذهبية والطائفية والحزبية، فيما لا أحد، في ظلّ الظروف الصعبة التي يعيشها البلد يريد المساهمة في إيجاد الحلول الناجعة. أمّا القول انّ الأولوية هي لانعقاد مجلس الوزراء للإتفاق مع صندوق النقد ومناقشة خطّة التعافي الإقتصادي وإقرارها فيه ومن ثمّ في مجلس النوّاب، فلا يُترجم الى فعل، لتشجيع المجتمع الدولي على مساعدة لبنان.
وإذا كان الشعب يعاني بعد وصول الدولار الى 31 ألف ل. ل. مقابل انهيار غير مسبوق للقيمة الشرائية لليرة اللبنانية، وعناوين طاولة الحوار لا تعالج أزمات المواطن، وخطة التعافي يجب مناقشتها في مجلس الوزراء لعدم إلغاء دوره، تتساءل المصادر: لماذا لا تنكبّ جهود الجميع على انعقاد المجلس بدلاً من الإستمرار في المناكفات السياسية وإيجاد حلول «بدل عن ضائع»؟!
كذلك فمع صدور قرار دعوة الهئيات الناخبة وبدء قبول طلبات الترشيح للإنتخابات النيابية المقبلة، فإنّ كلّ ما يعيق إجراء هذه الإنتخابات، على ما عقّبت المصادر، لا بدّ وأن يُعمل على إزاحته من أمامها، وبعد انتخاب المجلس الجديد يصبح بالإمكان طرح قانون إنتخابي جديد يُمثّل الشركة الوطنية الفعلية، بعيداً عن الحسابات الطائفية والمذهبية.