اللواء سليماني: شهادة رمز أسست لشهادة أمّة
بعد سنتين على اغتيال الطائرات المسيرة الامريكية لقائد قوة القدس اللواء الشهيد قاسم سليماني في محيط مطار بغداد في عملية تبناها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب الذي زعم أنه “قتل سليماني لمنع الحرب وليس إشعالها”، تعيش الإدارة الأمريكية النزاعات والصراعات والتخبّط على كافة المستويات، حيث أكّد الامام السيد علي الخامنئي في كلمته خلال استقبال عائلة الشهيد: أن “الشهيد” سليماني أخطر على أعداه من “اللواء” سليماني.
ويتجسّد ذلك في العديد من النقاط التي تعاني منها الإدارة الأمريكية اليوم:
_ أولاً من الناحية الإيرانية: منذ أيام أعلنت طهران أنها ستلاحق قضائيا ” كل من أعطى الأوامر ومن نفذوا” عملية الاغتيال، وعلى رأسهم ترامب حيث يؤكّد السيد الخامنئي أن “قاتليه، مثل ترامب، سيدفنون في مزابل التاريخ، طبعاً بعد أن ينالوا قصاصهم الدنيوي”، وفي ذلك إشارة واضحة الى جديّة قرار الجمهورية الإسلامية بالانتقام والرد على استهداف القائد سليماني، وأنها لن تتراجع ولا تساوم مع “القتلة” ابداً. فيما أكّد مسؤول قضائي إيراني أنه تم “تحديد 125 متهماً ومشتبهًا به في ملف اغتيال سليماني أغلبيتهم عناصر في الإدارة الأميركية”.
وكان الرد الإيراني الاولي في اليوم التالي على الاغتيال بقصف حرس الثورة الإسلامية لقاعدة “عين الأسد” الامريكية في العراق حيث تُعد الضربة أول استهداف مباشر للقوات الأمريكية منذ الحرب العالمية الثانية عام 1945، ولا تزال الإدارة الامريكية تتكتّم حول الحجم الحقيقي للخسائر البشرية والمادية التي لحقت بالجنود في القاعدة.
_ ثانياً من الناحية الإقليمية، نظراً ان اللواء سليماني لم يكن شخصية تحدّها الجغرافيا الإيرانية، بل شخصية عابرة للحدود، وكان له الدور الأساسي في التصدّي للمشروع الأمريكي – الإسرائيلي بكافة أدواته، فكان للاغتيال تداعيات على مستوى في المنطقة، حيث أكّد الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله منذ الأيام الأولى على العملية أن الرّد سيكون “بإخراج القوات الأمريكية من المنطقة”، أما في العراق فقد ضغط الشعب والمسؤولون لمصادقة البرلمان العراقي على قرار إنهاء وجود القوات الأجنبية بعد خمسة أيام فقط من تاريخ الاغتيال. ولم يكن وضع القوات الأمريكية أفضل في أفغانستان حيث انسحبت بشكل مذل من هذا البلد إثر فشل مشروعها بعد 20 عاماً. وفي اليمن فكل الدعم اللوجستي والسياسي الأمريكي للسعودية على مدى 7 سنوات من الحرب لم يساعد سوى في تأزيم الموقف الأميركي.
_ ثالثاً على المستوى الداخل الأمريكي، يعترف ترامب باستغلال رئيس حكومة الاحتلال السابق بنيامين نتنياهو له في ملف الاغتيال، وقد وبخّه- حسب الاعلام الامريكي- على المعلومات المغلوطة التي أعطيت لواشنطن، فيما يشير الإعلام العبري الى “ان مقتل سليماني…في الواقع أصبح نقطة توتر رئيسية بين البلدين الحليفين”. وقد اعترف مسؤولون سابقون في جيش الاحتلال بضلوع “إسرائيل” في تنفيذ عملية الاغتيال.
اغتيال اللواء سليماني لم يحقق الأهداف الأميركية بإضعاف محور المقاومة، بل كان لشهادته الدور الكبير في بلورة ما بات يعرف مدرسة سليماني حيث تعاظمت قدرات المحور معالم الطريق وأهداف المرحلة المقبلة.
اكتشاف الطاقات الشبابية
ويشرح الباحث السياسي الدكتور بلال اللقيس في مقابلة خاصة لموقع “الخنادق” ان القائد قاسم سليماني في شهادته خلق الطاقات، وكلها تصبّ في الهدف نفسه وتحمل الروح الثورية، والعقل المبدع الذي أسس له الحاج قاسم”، ويحدّد “نحن أمام شهادة رمز أسست لشهادة أمّة، الأولى هي القتل، والثانية هي الاستقامة في الطريق والسير نحو الهدف”.
واستنهاض الطاقات هدف عمل عليه الحاج قاسم خلال تواجده في ميدان المعارك: يكتشف أفراد بعمر الشباب (20 و23 عاماً)، من خلال تفاصيل نشاطاتهم وتحركاتهم، كان يرى بالبعض منهم “مشروع قائد”، فيدنو منهم ويناقشهم وبعد فترة يتضح أن هؤلاء الشباب صاروا أرقاماً صعبة في الميدان من بين القادة في الإقليم. القائد سليماني لديه نوع من “الفراسة”: اكتشاف الطاقات وتصويبها نحو المسار الصحيح لبلوغ الأهداف.
سيد شهداء محور المقاومة
وأما من ناحية صناعة النموذج والقدوة، يضيف اللقيس ان الحاج قاسم “نموذج شمولي” بالشخصية والابعاد وخاصة الإنسانية منها، شخصية متكاملة، عارفة بالله، ليكون “النموذج للشباب الثوري التحرري” بحسب ما عبّر عنه الامام السيد علي الخامنئي الذي أضاف ان الشّهيد سليماني صار “أنموذجا، اليوم كثيرون من الشباب في العالم الإسلامي، خاصة في هذه المنطقة، متعطشون لوجود أبطال مثله”.
ولذلك اكتسب صفة “شهيد محور المقاومة”، “الشهيد الاممي”، او كما عبّر السيد نصر الله “سيد شهداء محور المقاومة”.
قائد استراتيجي وشخصية مثالية
من ناحية أخرى يستنتج اللقيس من خلال حديث “أخوة” لازموا الشهيد سليماني طوال فترة المعارك في سوريا، العديد من الجوانب المميزة في شخصيته التي تخوّله أن يكون “النموذج”، حيث يُوصف الحاج قاسم “بالاستثنائي”، ويُنظر له بـ”المثالية”، وهذا نادر ما يحدث، اذ لا بد في الكثير من الأحيان أن يكون لدى القائد، بنظر من عايشوه، بعض النقاط التي تبقى موضع انتقاد أو عدم انسجام كلّي. الحاج قاسم قائد عسكري بامتياز، ووضّح السيد نصر الله انه ليس فقط منظّر، بل هو خبير في التكتيك العسكري حيث يقول المجاهدون الذين عملوا معه في الميدان أنه “حاضر” ويناقش في التفاصيل العسكرية.
ان الشهيد سليماني، على سبيل المثال، كان يجلس مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يشرح ويتحدّث في الجيوسياسية ويقنع الآخرين بضرورة التدخل الروسي في سوريا، وفي الوقت نفسه يجلس مع “مسؤول بقعة” (مسؤول عن مساحة جغرافية صغيرة، بلدة، قرية…) ويتمكّن من مناقشة التفاصيل ويكون شريكاً في هذا العمل العسكري، وهذه كانت من الميزات النادرة في القادة العسكريين.
الامام الخامنئي: شجاع وعقلاني
ومن الملفت أيضاً في شخصيته أنه “مسيّس” (ضليع في السياسة وفي فهمها بعمق ويعبّر عن رؤية سياسية لمحور المقاومة) حيث ان الدور السياسي الذي لعبه في العراق “خياليا”، ونقطة القوة البارزة لدى الشهيد سليماني انه شخصية جامعة بين السياسية والعسكر وتتمتع بصلاحيّات، قادر على أخذ القرارات العسكرية الميدانية تصل الى لحظة “الصدّام مع الأمريكي”، وليس مع أي قوى موجودة في الإقليم، ويعبّر السيد الخامنئي عن هذا الجانب “الشجاعة المصحوبة بالعقلانية”.
وينقل الباحث د. اللقيس في سياق حوار جرى بين الأمين العام لحزب الله والحاج قاسم، بعد الأحداث في مصر في كانون الأول عام 2011، فقال للسيد نصر الله:” فلنتوقع أن يحدث شيئ ما في سوريا ولنهيئ أنفسنا”، وهذه قدرة تحليلية استشرافية تميّز بها الشهيد سليماني قائد قوة القدس.
الكاتب: الخنادق