ٍَالرئيسية

إيران في مرحلة ترتيب التنازلات

حسن فحص|المدن

مع انطلاق المرحلة الثانية من الجولة الثامنة للمفاوضات النووية بين ايران والمجموعة الدولية في فيينا يوم الاثنين 3/1/2022، يرتفع مستوى الترقب في الداخل الايراني حول الاتجاهات التي ستسفر عنها، خاصة وان هذه الجولة تعتبر مفصلية وتضع جميع الاطراف امام واحد من خيارين: اما الاستمرار والانتقال للعمل على النص النهائي للاتفاق، بحيث يكون ملبيا لهواجس الجميع، واما اعلان الفشل والعودة الى دائرة التصعيد المفتوح على جميع الاحتمالات، ليس اقلها عودة التشدد في تطبيق العقوبات الاقتصادية ضد ايران والتي قد تكون هذه المرة تحت غطاء مجلس الامن الدولي.

الاجواء الايجابية المتفائلة روسياً وصينياً، والحذرة اوروبياً، تسمح للجهات المعنية بالمفاوضات بما فيها المفاوض الايراني الحديث عن امكانية التوصل الى اتفاق أكثر من السابق، اي ان الاتفاق اقرب الى التحقيق اكثر من اي وقت مضى، الا ان تحقيق هذا الهدف يحتاج الى قرارات صعبة على الاطراف اتخاذها، وان تصل الدول المعنية، وتحديدا طهران وواشنطن، بان اياً منهما لا يمكن ان يحقق نصرا كاملا او يفرض تنازلات قاسية على الطرف الاخر، هذا يستدعي منهما الاخذ بالاعتبار مقتضيات الطرف الاخر بما يسهل عملية التفاوض.

اتفاق بالقدر المستطاع من المطالب والحد المعقول من الشروط، يبدو انه المسار الذي يحكم على الاقل عمل المفاوض الايراني في هذه الجولة، التي باتت تعتبر مصيرية، خصوصا وان الحكومة في طهران تراهن على نتائج هذه المفاوضات للدفع باستراتيجيتها لادارة الازمة الاقتصادية، والموازنة العامة للدولة دونت بناء على العائدات المالية التي ستتوفر جراء الغاء العقوبات وتدفق الاموال المجمدة في الخارج والتي تفوق قيمتها 100 مليار دولار.

وعلى الرغم من الاجواء التي يشيعها الجانب الايراني من تحقيق اختراق في الموقف الغربي وجرّه للاعتراف بالمطالب والهواجس الايرانية التي جاءت في الورقتين اللتين تقدم بها الفريق المفاوض وقبول 80 في المئة منها، الا ان الحقيقة التي يمكن تلمسها ايرانيا، تدور حول نقطتين اساسيتين.

الاولى تتعلق بمسألة التطبيق العملي لقرار رفع العقوبات، وعدم تكرار التجربة الماضية التي رافقت اتفاق 2015، اذ ان التطبيق بقي محكوماً بمفاعيل نحو 333 قراراً بالعقوبات من اصل 1248، ما افرغ مفاعيل الغاء نحو 915 قراراً من مضمونها، ولم تستطع طهران توظيف الاتفاق بالشكل الذي كانت ترغب به. يدخل المفاوض الايراني  المفاوضات وقد ارتفع عدد قرارات العقوبات الى اكثر من 1400 فقرة، والمطروح على طاولة التفاوض هو ازالة او رفع نحو 1043 فقرة فقط هي  مجمل ما تم التوصل اليه في المفاوضات التي قادها عباس عراقتشي مطلع عام 2021 في الجولة السادسة، وبالتالي يصبح السعي لتضمين حسن تنفيذ الالغاء من ابرز الهواجس ومصادر القلق لدى النظام الايراني.

اما النقطة الثانية، والتي يبدو ان الطرفين قد اتفقا على تعديل تسميتها من دون المساس بمضمونها او مفاعيلها، وتتعلق بمسألة “استقرار” الاتفاق بديلا عن “ضمانة عدم الانسحاب”. واذا ما كان هذا المطلب يشكل تسوية تهدىء الهاجس الاساس لدى النظام الايراني، خاصة وان اعادة احياء الاتفاق وامكانية الجلوس مجددا مع المفاوض الامريكي على طاولة واحدة سيضعه امام اسئلة داخلية محرجة، اقلها تسويغ الموقف السلبي من اتفاق 2015 والعودة الى نصه على الرغم من السلبية التي اعتمدها من فريق الرئيس السابق حسن روحاني.

 الابتعاد عن مصطلح “ضمانات” التي رفضها المفاوض الامريكي، لا يعني عدم وجود قلق لدى الاميركيين من التحديات التي يشكلها استمرار ايران في انشطتها النووي بعيدا عن المراقبة والضوابط الدولية، لذلك فان اعتماد مصطلح “استمرارية الاتفاق” قد تشكل المدخل الذي يسمح لواشنطن بالتوصل الى حل وسط مع طهران من جهة، ومع التركيبة الداخلية من جهة اخرى لتوفير الارضية المطلوبة لتنفيذ هذا الاتفاق، بحيث يضمن عدم امساك النظام الايراني بورقة التفلت من الرقابة مستقبلا، ويؤسس لدورة جديدة من التفاوض حول ملفات اخرى لا تقل اهمية عن البرنامج النووي، خاصة تلك المتعلقة بالبرنامج الصاروخي والنفوذ الاقليمي.

واذا ما كانت جهود اعادة احياء الاتفاق النووي تعادل جهود التوقيع عليه، فان الحفاظ على هذين الانجازين وعدم التفريط بهما يصبح من اهم المسؤوليات التي تقع على الجهات العليا التي تتولى مهمة رسم السياسات الاستراتيجية في النظام الايراني، خاصة وان الدعم الذي يحظى به الفريق الايراني على طاولة التفاوض لم يسبق ان حصل عليه الفريق السابق، خاصة في مسألة توظيف “الميدان” العسكري كورقة في يد الجهاز الدبلوماسي لتعزيز موقفه التفاوضي حسب تعبير قائد قوات حرس الثورة الجنرال حسين سلامي في ختام المناورات العسكرية الاخيرة التي اجرتها قواته بالقرب من مضيق هرمز وشهدت استخداما واسعا لسلاح الصواريخ الباليستية ومحاكاة استهداف مفاعل ديمونا الاسرائيلي عندما اشار الى ان هذه المناورات تساعد المفاوض الايراني من الجلوس الى الطاولة وهو يمتلك اوراق قوة في يده، اي ان الميدان بات في خدمة الدبلوماسية، بعد ان واجه وزير الخارجية السابق محمد جواد ظريف اشكالية معقدة في التوفيق بين طرفي هذه المعادلة ومحاولة الميدان توظيف الدبلوماسية لصالحه.

في الجولة المستأنفة للمفاوضات، قد تبدو مهمة الفريق الايراني اكثر تعقيدا، لان المطلوب منه هو الحفاظ على ما تحقق في الاشهر الماضية، والتعامل بليونة مع تفاصيل المسائل العالقة المتبقية بحيث يكون قادرا على العبور الى النتائج الايجابية ويضع الازمة على سكة الحل الجدي ان لم يكن النهائي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى