العدوان الإسرائيليّ الأكبر على ميناء اللاذقية: التحالف التجاري بين سوريا وإيران في المهداف
أكّد مصدر عسكري أنّ ما جرى «عدوان إسرائيلي استهدف ساحة الحاويات في الميناء التجاري باللاذقية» (أ ف ب)
الأخبار- علاء حلبي
لا يمكن النظر إلى العدوان الإسرائيلي الثاني من نوعه الذي يستهدف ميناء اللاذقية، على أنه مجرّد عدوان تكتيكي، حيث يُظهر حجم القوّة التي استُعملت هذه المرّة، والتي كانت كبيرة إلى درجة خلّفت حرائق استمرّت عمليات إطفائها لأكثر من 11 ساعة، وأضراراً في المباني المحيطة بالميناء ومن بينها مستشفى خاص، والطريقة التي نُفّذت بها العملية، تصاعداً في المحاولات الإسرائيلية المتتابعة لضرْب التحالف التجاري الاستراتيجي بين سوريا وإيران، والذي يشكّل الميناء الحجرَ الأساسَ فيه
وبعد دقائق قليلة على العدوان، بدأت وسائل الإعلام المحلّية الوصول إلى المكان، في وقت كانت تتوافد فيه سيارات الإطفاء والإسعاف. وأظهرت الصور المباشرة التي عرضتها وسائل إعلام سورية، احتراق عدد كبير من الحاويات التجارية، يضمّ بعضها أقمشة وقطعاً للسيارات وزيوتاً صناعية، فضلاً عن مواد غذائية وحليب للأطفال، تَستورده سوريا من إيران التي تقيم فيها شركة «نستله» فرعاً يخدم مناطق واسعة من آسيا. ونقلت وكالة الأنباء السورية الرسمية، «سانا»، عن مصدر عسكري سوري تأكيده أن ما جرى هو «عدوان إسرائيلي استهدف ساحة الحاويات في الميناء التجاري باللاذقية، ما أدى إلى اشتعال الحرائق في المكان وحدوث أضرار مادية كبيرة»، بينما أفاد مدير الميناء، أمجد سليمان، بأن «الأضرار الناجمة عن الاعتداء كبيرة، وامتدّت على مساحة أكبر نسبياً من تلك التي طاولها الاعتداء السابق في السابع من الشهر الحالي، الأمر الذي تطلّب جهوداً جبارة من العمّال وفرق المؤازرة لنقل الحاويات السليمة وإبعادها عن دائرة النيران والخطر».
ويتزامن العدوان الجديد، الثاني من نوعه على الميناء خلال أقلّ من شهر، مع تطوّرات حديثة في ملفّات عديدة، أبرزها استئناف محادثات فيينا لإحياء الاتفاق النووي الإيراني، والتي أعلن وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، مع انطلاق جولة أوّل من أمس، أنها «تَمضي في مسار جيّد، وعازمون على التفاوض حول النقاط الخلافية». كذلك، يتزامن هذا العدوان مع تواصُل التوسّع التجاري بين سوريا وإيران، سواءً عبر إنشاء بنك مشترك، وإقامة مركز تجاري إيراني في المنطقة الحرّة في دمشق، وتدشين خطّ بحري من ميناء بندر عباس جنوبي إيران إلى مرفأ اللاذقية بهدف رفْع حجم التبادلات التجارية بين البلدين، وإقامة معرض للمنتجات الإيرانية، وإعلان الحكومة السورية ترحيبها بالاستثمارات الإيرانية في قطاعات عديدة. ويأتي هذا التطوّر بعد أن شهدت التبادلات التجارية بين البلدَين انخفاضاً ملحوظاً خلال العام الماضي، وصل إلى نحو 34% وفق ما ذكر مدير مكتب الشؤون العربية والأفريقية في «منظّمة التنمية التجارية الإيرانية»، فرزاد بيلتن، الذي قال في تصريحات صحافية إن «الصادرات الإيرانية إلى سوريا سجّلت ما بين 20 آذار 2020 و18 شباط 2021، نحو 104 ملايين دولار، بانخفاض سعري قيمته 34%، وكمّي حجمه 43% عن الفترة المناظِرة السابقة». أيضاً، يأتي استهداف مرفأ اللاذقية بعد نحو أربعة أشهر على توتّر كبير في المنطقة بين إيران وإسرائيل، على خلفية تعرُّض ناقلة نفط إسرائيلية لاستهداف بطائرة مسيّرة، اتّهمت إسرائيل والولايات المتحدة ورومانيا وبريطانيا، إيران، بالوقوف وراءه، في وقت نفت فيه طهران علاقتها بالأمر، واستدعت سفير رومانيا والقائم بالأعمال القنصلية البريطاني لرفض الاتهامات المُوجّهة إليها، وتأكيد وجود طرف ثالث وراء الاستهداف، قبل أن يؤكّد المتحدث باسم وزارة الخارجية، سعيد خطيب زاده، في مؤتمر صحافي، أن «إيران لا تتردّد في حماية أمنها ومصالحها الوطنية، وستردّ دون إبطاء وبقوّة على أيّ مغامرة محتملة».
الفارق الزمني الذي لا يتجاوز ثلاثة أسابيع بين الاعتداءَين، ونوعية الصواريخ المستخدمة في العدوان الأخير، يشيران إلى إصرار إسرائيلي على ضرب البنى التحتية في مرفأ اللاذقية، وإحداث أضرار كبيرة تعرقل العلاقات التجارية بين سوريا وإيران. كما يشيران إلى محاولات إسرائيل تجاوُز روسيا عن طريق القصف البعيد المدى الذي لا يتعارض مع البيان الختامي لمحادثات «مسار أستانا»، والتي انعقدت الجولة الأخيرة منها الأسبوع الماضي في العاصمة الكازاخستانية نور سلطان، حيث أعربت كلّ من روسيا وتركيا وإيران عن «معارضتها استخدام إسرائيل الطائرات المدنية للتغطية على العدوان ضدّ سوريا، ما يعرّض حياة السكّان المدنيين للخطر». وعلى الرغم من المحاولات الإسرائيلية للالتفاف على روسيا – في ما قد يمثّل سبباً مُخفِّفاً بالنسبة إلى الأخيرة -، إلّا أن العدوان الجديد ولّد ردود فعل غاضبة على الساحة السورية من الموقف الروسي الصامت إزاء استمرار الاعتداءات، خصوصاً أن الصواريخ الإسرائيلية جاءت عبر البحر، وعلى مقربة من القاعدة الروسية الجوّية في حميميم، والبحرية في طرطوس، وأن هذه الاعتداءات ارتفعت وتيرتها واتّسع نطاقها الجغرافي بعد زيارة أجراها رئيس الحكومة الإسرائيلية، نفتالي بينت، للعاصمة الروسية موسكو، حيث التقى الرئيس فلاديمير بوتين، لأوّل مرّة كرئيس حكومة. وفي حينها، أجمعت وسائل الإعلام العبرية على أن بوتين منَح ضيفَه الضوء الأخضر للاستمرار في الهجمات في سوريا، شرط ألا تمسّ الجنود والمواقع التابعة لموسكو.
على خطّ موازٍ، أعلن المتحدّث باسم الحكومة الإيرانية، علي بهادري جهرمي، أن الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، سيزور روسيا مطلع العام الميلادي الجديد، تلبيةً لدعوة من نظيره الروسي، فلاديمير بوتين، فيما من المنتظر أيضاً أن يزور وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، موسكو، خلال الأيام القليلة المقبلة، حيث يُتوقَّع أن تُشكّل الاعتداءات الإسرائيلية أحد محاور اللقاءات الروسية – الإيرانية، فضلاً عن لقاءات المقداد.