البطريرك يُطوّب جعجع رئيساً وقديساً
نبيه البرجي- الديار
يا للشبه المروع بين المسار اللولبي للبنان والمسار اللولبي للكورونا ! أزماتنا تتناسل وتتحوّر عنقودياً. من الأزمة الضارية الى الأزمة الأكثر ضراوة. اذ تزلزل عظامنا، تقفل أبواب الهواء. هكذا يتناسل ويتحوّر الكورونا تاجياً. من الفايروس الفتاك الى الفايروس الأشد فتكاً. اذ يزعزع خلايانا، بدوره، يقفل أبواب الهواء…
في الكورونا، العلماء يتنافسون، بجهود خارقة، لابتكار اللقاح الذي يقضي على تلك السلالة الملعونة. في لبنان، من يفترض بهم حل أزماتنا، على الأقل ادارة هذه الأزمات، هم من يصنعونها، ويكرّسونها للبقاء على أكتافنا. ثمة 5 ملايين لبناني في غرفة العناية المكثفة. عالقون بين الموت والموت، وبين الجحيم والجحيم.
دائماً، البحث عن الأيدي الغليظة في بناء تلك الأنظمة الرثة، وتلك المجتمعات الرثة. قد تكون مأساتنا (مأساتنا الاغريقية)، كمسرح للتقاطع بين لعبة الأمم ولعبة القبائل، بين جنون التاريخ وجنون الايديولوجيا، ألا خيار آخر بين أيدينا. اما المحور الأميركي ـ الأوروبي ـ «الاسرائيلي» أو المحور الروسي ـ الصيني ـ الايراني! ما يجعل المشهد أكثر تعقيداً ما لاحظه الوزير الانكليزي و. أ. تومسون منذ أكثر من قرن ونصف. تناسل، وتحوّر (ما دامت هذه الكلمة هي الشائعة الآن) الكراهيات داخل مجتمعنا (أو مجتمعاتنا). هنا لا جدوى لا من اللقاح الأميركي، ولا من اللقاح الروسي. غريب كيف لم يظهر بيننا ذلك المسيح الآخر الذي يوضع على الخشبة ليغسل فينا الخطيئة الأكثر من أن تكون مميتة…
ليست مهمتنا، ولن تكون، تأجيج النيران بين التيار الوطني الحر وحزب الله، وان بدا اتفاق 6 شباط 2006 وكأنه زواج الضرورة، أو زواج الاكراه.
لا مناص من الاقرار بالدور التاريخي للجنرال ميشال عون ابان حرب 2006. كان هناك من ينتظر من غارات الساعة الأولى، ابادة قيادة حزب الله تزامناً مع محاصرة مقاتلي الحزب، أو القبض عليهم، أو ترحيلهم. السيد ليس من طينة ذاك الذي وضع بني قومه، وباتفاق أوسلو، بين أسنان البرابرة…
سؤالنا كان لأحد الزعماء الذي صدم من «الغباء الاسرائيلي»، خلال عشاء على شرفة القصر، ماذا لو هزم حزب الله، ونزل الى ما تحت الأرض، هل كان يمكن لأي رأس، من الرؤوس الذهبية اياها أن يبقى على كتفين ؟ هز رأسه «لا أريد أن أستعيد تلك اللحظات».
الجنرال يعلم أن دستور الطائف، أي دستور الجمهورية الثانية، عرّى رئيس الجمهورية من صلاحياته، ودون أن تبقى له سوى تلك الصلاحيات الملتبسة، بأشواكها وباشكالياتها. الملتبسة في المبنى وفي المعنى.
هكذا قبِل بتلك الصفقة الشكسبيرية (حيث كانت الغلبة لمهراجات الفساد). الجنرالات يسقطون، عادة، من الخطوة الأولى حين يصابون بلوثة السلطة.
أي حوار ياهذا حين تكون تأخذ التعبئة السياسية، والتعبئة الطائفية، وعشية الانتخابات النيابية، في ذروة احتدامها. الآن لغة الخنادق هي لغة الصناديق…
لعل الرئيس قرأ بذهول ما قاله بطريرك انطاكية وسائر المشرق في سمير جعجع»الناسك والمخطط والمفكر». لم يتوقف عند الكلمات الثلاث. استعاد كلاماً من الكتاب المقدس «ويل لشعب ليس فيه مفكر». (بالرغم من مراجعاتي العديدة للأسفار، لا أتذكر وجود مثل هذا القول، وان كان يستحضرني سؤال باروخ سبينوزا للحاخامات «كيف جعلتم من الله وديعة يهودية»؟)
ما فعله رئيس الجمهورية أنه دعا الى الحوار المستحيل في الوقت المستحيل، لا بل أنه جعل شعاراً للسنة الأخيرة (البطة العرجاء) ثلاثة مستحيلات : اللامركزية الموسعة، الاستراتيجية الدفاعية، خطة التعافي الاقتصادي والمالي.
التوصيف البطريركي الذي لم يقله البابا ملتيادوس (القديس) بقسطنطين الأكبر، كان موجهاً، بالدرجة الأولى الى الرئيس ميشال عون، والى سائر القادة الموارنة. كان موجهاً ايضاً الى كل من في الداخل، وفي مقدمتهم حزب الله، والى المرجعية العربية لقائد «القوات اللبنانية» : هذا هو رجلنا للقصر و … للكنيسة!
لو كان مستشارو القصر على شيء من الرؤية والرؤيا، لقالوا للجنرال «تريد أن تضع خصومك (الأكثر من أعداء) في الزاوية ؟ استقل الآن، ولسوف ترى أي متاهة تنتظرهم». لكنها،ياصاحبي، الطرابيش العثمانية!